حرف الميم / الموقف

           

الموقف : مكان الوقوف، قال ابن فارس: «الواو، والقاف، والفاء أصل واحد يدل على تمكّثٍ في الشيء»[1]. وهذا الفعل يأتي منه لازم ومتعدٍّ[2]، ومصدر الفعل المتعدي يكون وقفًا، ومصدر اللازم يكون وقوفًا، ومنه الموقف، وهو محل الوقوف حيث كان[3].


[1] مقاييس اللغة (1101) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] القاموس المحيط (794) [دار إحياء التراث العربي، ط2، 1424هـ].
[3] مقاييس اللغة (1102)، والقاموس المحيط (794).


المكان الخاص الذي أعده الله تبارك وتعالى لحشر الناس لحسابهم وفصل القضاء بينهم[1].


[1] حياة الآخرة (1/241) [دار لينة، مصر، ط1].


خصص الشرع المعنى اللغوي الذي هو مكان الوقوف حيث كان، إلى مكان خاص يقف فيه العباد يوم القيامة للحساب.



سبب تسمية الموقف بالموقف هو أن الناس يقفون فيه لربِّ العالمين فيحاسبهم.



وجوب الإيمان به، وهو يدخل في الإيمان باليوم الآخر، لقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} [الأنعام: 30] .



يقف الناس يوم القيامة على أقدامهم إلى ما شاء الله أن يقفوا، وليست حالتهم واحدة، ولا موقفهم ولا مقامهم واحدًا، ولكن لهم مواقف وأحوال[1].


[1] انظر: التذكرة (2/528، 529) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ]، وشعب الإيمان (1/415) [مكتبة الرشد، ط1، 1423هـ].


من الأدلة على الموقف: قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ *} [غافر] ، وقوله تعالى: {أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ *لِيَومٍ عَظِيمٍ *يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} [المطففين] .
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} حتى يغيب أحدهم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه»[1] ، وفي رواية: «يقوم الناس يوم القيامة لربِّ العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه»[2].


[1] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4938)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2862).
[2] أخرجه أحمد (10/258) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والبيهقي في شعب الإيمان (1/415) [مكتبة الرشد، ط1] واللفظ له، وصحح سنده محققو المسند.


المسألة الأولى: مكان الموقف:
يكون الموقف في «أرض بيضاء قاع صفصف، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا[1]، ولا ترى عليها ربوة يختفي الإنسان وراءها، ولا وهدة ينخفض فيها عن الأعين، بل هو صعيد واحد بسيط لا تفاوت فيها، يساقون إليه زمرًا، فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض»[2].
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النَّقِيّ[3] ليس فيها عَلَمٌ لأحد»[4].
المسألة الثانية: مقدار الوقوف في الموقف:
نقل صاحب البحور الزاخرة في هذه المسألة عدة أقوال بأدلتها، والظاهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص على حسب الأعمال، بدليل كونه على المؤمنين أخف من الصلاة المكتوبة، والله سبحانه وتعالى أعلم[5].
المسألة الثالثة: صفة الوقوف:
بيَّنها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «إنكم تحشرون حفاة عراة غرلاً، ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ *} [الأنبياء] ، فأول من يُكسى إبراهيم»[6].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً»[7] . قلت: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» [8]، وفي رواية: «يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ، فقالت له عائشة: يا رسول الله! فكيف بالعورات؟ فقال: {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ *} [عبس] »[9].
المسألة الرابعة: رؤية أهل الإسلام في الموقف ربهم:
بوّب السيوطي في كتابه «البدور السافرة» بقوله: «باب تجليه تعالى في الموقف لأهل الإسلام وامتحانهم»[10]، ثم ذكر قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} [القلم: 42] ، ثم قال: أخرج الشيخان في الموقف عن أبي هريرة قال: «قال أناس: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: «هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله! قال: «هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله! قال: «فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك» [11]، ثم ذكر رحمه الله عدة أحاديث أخرى[12] كلها تدل دلالة صريحة على أن المؤمنين يرون ربهم في الموقف.


[1] قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا *فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا *لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا *يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا *} [طه].
[2] أحوال الميت من نفخة الصور إلى الاستقرار في الجنة أو النار (15، 16) [دار الفكر العربي، ط1، 1991م].
[3] قال النووي: العفراء بالعين المهملة والمد، بيضاء إلى الحمرة، والنقي بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء، هو: الدقيق الحُوَّارى، وهو: الدرمك، وهو: الأرض الجيدة. المنهاج (17/132) [دار المعرفة، ط12، 1427هـ].
[4] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6156)، ومسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2790).
[5] البحور الزاخرة (1/625) [شركة غراس، ط1، 1428هـ].
[6] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3447)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2860).
[7] غُرلاً: بضم المعجمة وسكون الراء؛ جمع أغرل، وهو الأقلف وزنه ومعناه، وهو من بقيت غرلته، وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر. انظر: فتح الباري لابن حجر (11/466) [دار السلام، ط1، 1421هـ].
[8] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6527)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2859) واللفظ له.
[9] أخرجه النسائي (كتاب الجنائز، رقم 2083)، وأحمد (41/135) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب الأهوال، رقم 8684) وصححه، وصححه الألباني في تعليقه على سنن النسائي.
[10] البدور السافرة (230) [دار الكتب العلمية، ط1، 1416هـ].
[11] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6573)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 182).
[12] انظر: عدة الأحاديث بتمامها في البدور السافرة للسيوطي (230 ـ 237).


1 ـ «البحور الزاخرة» (ج1)، للسفاريني.
2 ـ «البدور السافرة في أحوال الآخرة»، للسيوطي.
3 ـ «البعث»، لابن أبي داود.
4 ـ «التذكرة» (ج2)، للقرطبي.
5 ـ «حياة الآخرة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار» (ج1)، لغالب العواجي.
6 ـ «شعب الإيمان» (ج1)، للبيهقي.
7 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر.
8 ـ «الفتوى الحموية الكبرى»، لابن تيمية.
9 ـ «مجموع الفتاوى» (ج4، 5)، لابن تيمية.
10 ـ «شرح صحيح مسلم» (ج17)، للنووي.