أصله: وَحَدٌ، ثم قلبت الواو همزة، قال ابن فارس: «الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد»[1]. والأَحَد بمعنى: الواحد، وهو أَوَّل العدد، تقول: أَحد واثنان، وهو يدلُّ على الانفراد، ومن ذلك الوَحْدَة، واستأحد الرجل: انفرد، وهو اسم علم على يوم من أيام الأسبوع[2].
قال الأزهري: «الأحد بُنِي لنفي ما يُذكَرُ معه من العَدَد، والواحدُ اسمٌ لمُفتَتَح العَدَدِ، وأَحَدٌ يصلح في الكلام في موضِعِ الجَحدِ، وواحِدٌ في موضِعِ الإثبات، تقول: ما أتاني منهم أحدٌ، وجاءَنِي منهم واحدٌ، ولا يقالُ: جاءَني منهُم أحدٌ؛ لأنك إذا قلت: ما أتاني منهم أحَدٌ فمعناه: لا واحِدٌ أتاني ولا اثْنَانِ، وإذا قلت: جاءني منهم واحِدٌ فمعناه: أنه لم يأتِني منهم اثنانِ»[3].
[1] مقاييس اللغة (2/623) [دار الكتب العلمية، ط1420هـ].
[2] انظر: مقاييس اللغة (1/67) و(6/90) [دار الفكر، 1399هـ]، والنهاية في غريب الحديث (1/27) [دار الفكر، 1399هـ]، والصحاح (2/440) [دار العلم للملايين، ط4، 1407هـ]، ولسان العرب (3/70) [دار صادر، ط1، 1410هـ]، والقاموس المحيط (338) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1407هـ].
[3] انظر: تهذيب اللغة (5/126) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
الأحد: أحد أسماء الله الحسنى؛ يعني: انفراد الله في جميع خصائصه عن المخلوقين.
قال ابن تيمية: «الأحد في أسماء الله ينفي عنه أن يكون له مثل في شيء من الأشياء، فهو أحد في كل ما هو له»[1].
وقال السعدي: «الواحد، الأحد: وهو الذي توحّد بجميع الكمالات، بحيث لا يشاركه فيها مشارك. ويجب على العبيد توحيده، عقدًا وقولاً وعملاً، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة»[2].
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
المعنى اللغوي يلتقي تمامًا مع المعنى الشرعي، بل هما بمعنى واحد.
[1] بيان تلبيس الجهمية (3/461) [مجمع الملك فهد، ط1، 1424هـ].
[2] تفسير السعدي (945) [مؤسسة الرسالة، ط1].
الأحد: «هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر»[1]، «المنفرد بوحدانيته في ذاته، وصفاته»[2]، وأفعاله، وربوبيته، وإلهيته، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد[3].
والصفة التي دلَّ عليها اسم الأحد هي صفة الوحدانية لله تعالى، فله الأحدية في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. و«لا يوصف شيء بالأحَدِيَّة غيرُه، لا يقال: رَجُلٌ أَحَدٌ، ولا دِرْهَمٌ أَحَدٌ، كما يقال: رجل وَحَدٌ؛ أي: فَرْدٌ؛ لأنّ (أحَدًا) صفةٌ من صفات الله التي استأثر بها، فلا يَشْركُه فيها شيءٌ»[4]، «فأحديته تعالى تدل على ثلاثة أمور عظيمة: نفي المثل والند والكفء من جميع الوجوه. وإثبات جميع صفات الكمال بحيث لا يفوته منها صفة ولا نعت دالٌّ على الجلال والجمال. وأن له من كل صفة من تلك الصفات أعظمها وغايتها ومنتهاها»[5].
[1] النهاية في غريب الأثر (1/27)، ولسان العرب (3/70)، وتاج العروس (7/376).
[2] شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة (58) [مؤسسة الجريسي، ط11، 1427هـ]، وانظر: تاج العروس (7/376).
[3] ولله الأسماء الحسنى لعبد العزيز الجليل (77).
[4] تهذيب اللغة (5/127)، وانظر: القاموس المحيط (338) [مؤسسة الرسالة].
[5] فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام لابن سعدي (51)، [دار ابن الجوزي، ط2، 1422هـ].
دلَّت النصوص من الكتاب والسُّنَّة على أن الأحد اسم من أسماء الله الحسنى، من ذلك قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} [الإخلاص] .
وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفؤًا أحد»[1].
وجاء أيضًا من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: «سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يدعو وهو يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك، بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، قال: فقال: والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4974).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1493)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3475) وحسَّنه، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3857)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (5/229).
قال ابن منده رحمه الله: «ومن أسماء الله عزّ وجل: الأحد الصمد، قال أهل التأويل: معناه: الواحد الأحد الموحد الذي يعبد بتوحيده ويشهد له بالوحدانية»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: « الأحد: المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية»[2]، وقال أيضًا: «في الأحد نفي لكل شريك لذي الجلال»[3].
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير اسم الله الأحد: «هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل، ولا يُطلَق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عزّ وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله»[4].
[1] كتاب التوحيد لابن منده (2/60) [تحقيق: د. علي الفقيهي، مطابع الجامعة الإسلامية، ط1، 1413هـ].
[2] بدائع الفوائد (1/146) [دار نزار الباز، ط1].
[3] زاد المعاد (4/181) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[4] تفسير ابن كثير (14/513) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1421هـ].
المسألة الأولى: اختصاص اسم (الأحد) بالله تعالى:
اسم الله الأحد هو من الأسماء الخاصة بالله، فلا يجوز تسمية المخلوق به على سبيل الإطلاق، وأنه لا يستعمل في حق المخلوق إلا في سياق النفي، أو الإضافة، قال ابن تيمية: «اسم الأحد لا يستعمل في حق غير الله إلا مع الإضافة، أو في غير الموجب؛ كقوله: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] ، وقال: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا *} [الكهف] ، وقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] ، فهو أبلغ في إثبات الوحدانية من اسم الواحد»[1].
وقال ابن كثير: «ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عزّ وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله»[2].
المسألة الثانية: صلة اسم الأحد بالصمد:
جاء اسمه جلّ جلاله (الأحد) مقترنًا مع اسمه سبحانه وتعالى (الصمد) في سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *} [الإخلاص] كما جاء أيضًا مقترنًا بالصمد في السُّنَّة الصحيحة كما سيأتي، ومنه أخذ العلماء فائدتين:
الفائدة الأولى: أن اسم الأحد والصمد مع أسماء أخرى مقترنة بهما هما الاسم الأعظم؛ فقد دلّت السُّنَّة على أن اسم الأحد والصمد والأسماء المقترنة معهما يؤلف الاسم الأعظم، الذي إذا دعي به سبحانه أجاب، وذلك من حديث بريدة رضي الله عنه قال: سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يدعو وهو يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: «لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب»[3].
وهذا أحد أقوال أهل العلم في تعيين الاسم الأعظم، قال ابن حجر: «وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولاً...، التاسع: الله لا إله إلا هو، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه... من حديث بريدة، وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك»[4].
الفائدة الثانية: إن هذين الاسمين يستلزمان سائر أسماء الله الحسنى وما فيها من الكمال؛ فالأحد يدل على أنه سبحانه المنفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله عن كل ما سواه، كما أن الصمدية تعني السيادة المطلقة في كل وصف على حدة؛ فالصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وليس فوقه أحد في كماله[5].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «اسمه: الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع صفات الكمال»[6]، وقال ابن القيم رحمه الله: «فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي الاعتقادي، وإثبات الأحدية لله، المستلزمة نفي كل شركة عنه، وإثبات الصمدية المستلزم لإثبات كل كمال له»[7].
المسألة الثالثة: دلالة اسم الأحد على بطلان التمثيل وإثبات التنزيه:
من أعظم الأدلة على بطلان التّمثيل نقلاً أسماء الله الحسنى؛ فقد سمّى الله نفسه المقدّسة بأسماء كثيرة تدل على تفرده المطلق بما له من الخصائص والصّفات، ومنها اسمه الأحد؛ أي: المتفرّد بمعاني الكمال؛ فليس له مثل في ذاته، ولا نظير في صفاته، ولا شريك في أفعاله؛ قال ابن تيمية رحمه الله: «الله سبحانه منزّه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله منزّه عن كل نقص، ومستحق لغاية الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص مطلقًا، ومنزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص] »[8].
المسألة الرابعة: من الأسماء المقاربة لاسم (الأحد):
اسمه تعالى الواحد، ولفظه مأخوذ من الأصل الثلاثي (وَحَد) الدال على الانفراد. وهذا الاسم يدل على أن الله عزّ وجل هو الذي توحّد بجميع الكمالات، وتفرّد بكل كمال، ومجد وجلال، وجمال، وحمد، وحكمة، ورحمة، وغيرها من صفات الكمال فليس له فيها مثيل ولا نظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه[9].
وقد ورد اسم الواحد في مواضع عدة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *} [الرعد] ، كما ورد هذا الاسم في جميع طرق حديث تعيين الأسماء المشهور[10]، كما أورده جميع من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها من أهل العلم.
المسألة الخامسة: اسم الله الأحد متضمن صفة الوحدانية:
الوحدانية صفة من الصفات الإلهية، ثابتة لله جلّ جلاله كما يليق بجلاله وعظمته، وقد جاء بيان ذلك وإثباته في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة[11]. وعليه يجب الإيمان بهذه الصفة لدلالة القرآن والحديث عليها، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل.
فمن أدلة إثباتها كلُّ نص ورد في الواحد والأحد، ومن ذلك قوله عزّ وجل: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ *} [الزمر] ، وقوله: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ *} [غافر] .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللَّهُمَّ اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضّأ وصلى قُبلت صلاته»[12].
المسألة السادسة: ما يقتضيه إثبات صفة الوحدانية لله تعالى:
يقتضي إثبات الوحدانية: «توحّد الرب بجميع الكمالات بحيث لا يشاركه فيها مشارك، وأن الواجب على العباد أن يوحدوه عقدًا وقولاً وعملاً، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة»[13].
كما يقتضي «نفي المثل والند والكفء من جميع الوجوه، فهو تبارك وتعالى الأحد الذي لا مثيل له ولا نظير، قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} [مريم] ، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص] ، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] »[14].
[1] درء التعارض لابن تيمية (7/121) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ].
[2] تفسير ابن كثير (14/513).
[3] تقدم تخريجه قريبًا.
[4] فتح الباري (11/224 ـ 225).
[5] انظر: فتح الباري (9/61)؛ فقد نقل كلامًا مفيدًا عن القرطبي حول تضمن هذين الاسمين جميع أصناف الكمال، وهو في المفهم للقرطبي (7/74) مع اختلاف يسير، وأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة (123) [دار سلسبيل، ط1، 1426هـ]، وشرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة (167).
[6] منهاج السُّنَّة النبوية (2/530) [مؤسسة قرطبة]، وانظر: بيان تلبيس الجهمية (2/459) [مطبعة الحكومة، ط1، 1392هـ، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم].
[7] الطب النبوي (154) [دار الكتاب العربي، ط1].
[8] منهاج السُّنَّة (2/530).
[9] انظر: تفسير الطبري (3/265)، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (57)، واشتقاق أسماء الله (90)، وشأن الدعاء (82)، والتوحيد لابن منده (2/60)، والاعتقاد للبيهقي (63 ـ 67)، والحجة في بيان المحجة (1/162)، وأحكام القرآن لابن العربي (2/343)، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (167)، وفقه الأسماء الحسنى (107) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ]، والنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (2/86 ـ 88) [مكتبة الذهبي، ط2].
[10] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (79 ـ 84).
[11] انظر: صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (363) [دار الهجرة الرياض، ط3، 1426هـ].
[12] أخرجه البخاري (كتاب التهجد، رقم 1154).
[13] فقه الأسماء الحسنى (108).
[14] المصدر نفسه (109 ـ 110).
يختلف الأحد عن الواحد من جهات عدّة؛ منها:
1 ـ أن الواحد اسم لمفتتح العدد بخلاف الأحد فإنه ينتفى معه العدد.
2 ـ أن الأحد أبلغ وأعم في إثبات الوحدانية من الواحد.
3 ـ أن الأحد لا يمكن جعله وصفًا لأي أحد غير الله تعالى، بخلاف الواحد فإنه يجوز فيه ذلك.
ونقل الزجاج عن بعض أصحاب المعاني في الفرق بين الواحد والأحد: «أن الواحد يفيد وحدة الذات فقط، والأحد يفيده بالذات والمعاني، وعلى هذا جاء في التنزيل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} [الإخلاص] أراد المنفرد بوحدانيته في ذاته وصفاته تعالى الله علوًّا كبيرًا»[1].
وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: «والفرق بين الواحد والأحد: أن الواحد هو المنفرد بالذات لا يضامه آخر، والأحد: هو المنفرد بالمعنى لا يشاركه فيه أحد، ولذلك قيل للمتناهي في العلم والمعرفة: هو أحد الأحدين. ومما يفترقان به في معاني الكلام: أن الواحد في جنس المعدود، وقد يفتتح به العدد. والأحد ينقطع معه العدد»[2].
وقال أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله: «والفرق بين الواحد والأحد: أن الواحد هو المنفرد بالذات، لا يضامه آخر، والأحد هو المنفرد بالمعنى لا يشاركه فيه أحد، قيل: إن الأحد يصلح في موضع الجحود، والواحد في موضع الإثبات، يقال: لم يأتني من القوم أحد، وجاءني منهم واحد ولا يقال: جاءني منهم أحد»[3].
[1] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (58)، وانظر: درء التعارض لابن تيمية.
[2] شأن الدعاء للخطابي (1/83) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ].
[3] الحجة في بيان المحجة (1/175) [دار الراية، ط2، 1419هـ].
أن الله هو الواحد الأحد، والإله الحق الذي لا شريك له ولا نظير، ولا مثيل له ولا نديد، لا في ذاته وأفعاله، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، فمن آثار هذا الإيمان أن لا يشبه الله بشيء من مخلوقاته، مع إثبات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله من صفات الكمال، ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله من النقائص والعيوب، وأن لا يصرف نوع من أنواع العبادة لغيره كائنًا من كان، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] ، وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ *} [البقرة] [1].
[1] انظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمود النجدي (2/89) [مكتبة الإمام الذهبي، الكويت]، وأسماء الله الحسنى لماهر مقدم (74 ـ 75) [شركة مكتبة الإمام الذهبي، ط4، 1431هـ].
تعلق المعطلة من الجهمية والفلاسفة ومن تأثر بهم باسم الله الأحد والواحد على نفي صفات الكمال عن الله، حيث ذكروا أن القديم واحد، والواحد هو الذي لا يتجزأ ولا ينقسم، وأن إثبات الصفات يدل على تعدد القديم وهو خلاف التوحيد.
قال الغزالي رحمه الله: « الواحد: هو الذي لا يتجزأ ولا يثنَّى... والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته»[1].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما كون القديم واحدًا أو الواجب واحدًا فهذا إنما يعرف عن الجهمية من المتكلمين والفلاسفة، فإنهم قالوا: القديم واحد وهو لفظ مجمل يراد به أن الإله القديم واحد وهذا حق ويراد به أن مسمى القديم واحد ثم قالوا: لو أثبتنا له الصفات لكان القديم أكثر من واحد. وقالت جهمية الفلاسفة: الواجب واحد، وهو مجمل يراد به الإله الواجب بذاته، وهذا حق ويراد به مسمى الواجب. ثم قالوا: لو أثبتنا له الصفات لتعدد الواجب»[2].
[1] المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى لأبي حامد الغزالي (133) [مكتبة الجفان والجابي، ط1، 1407هـ]، وانظر: الإرشاد للجويني (52) [مكتبة الخانجي، 1369هـ].
[2] درء تعارض العقل والنقل (7/122).
لا شك أن جعل مفهوم الواحد والأحد تجرد الذات الإلهية عن صفات الكمال ونعوت الجلال من أبطل الباطل؛ لمناقضته الكتاب والسُّنَّة واللغة التي نزل بها الشرع، بل هو في حقيقته نفي لوجود خالق الموجودات سبحانه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ومعلوم أن التوحيد الذي في القرآن هو الأول لا هذا، وكذلك التوحيد الذي جاءت به السُّنَّة واتفق عليه الأئمة، فتبين أن لفظ التوحيد والواحد والأحد في وضعهم واصطلاحهم غير التوحيد والواحد والأحد في القرآن والسُّنَّة والإجماع وفي اللغة التي جاء بها القرآن، وحينئذ فلا يمكنهم الاستدلال بما جاء في كلام الله ورسله وفي لفظ التوحيد على ما يدعونه هم؛ لأن دلالة الخطاب إنما تكون بلغة المتكلم وعادته المعروفة في خطابه لا بلغة وعادة واصطلاح أحدثه قوم آخرون بعد انقراض عصره، وعصر الذين خاطبهم بلغته وعادته... بل لفظ التوحيد والأحد والواحد الموجود في كلام الله ورسوله يدل على نقيض قولهم وأنه موصوف بالصفات الثبوتية، كما تقدم التنبيه عليه من أنه لا يعرف مسمى الواحد في لغة العرب إلا ما كان كذلك، ومن أن الله وصف هذا الواحد بالصفات الثبوتية وسماه بالأسماء المتضمنة للمعاني الثبوتية في غير موضع، فلو قدر أن لفظ الواحد فيه اشتراك وإجمال لكان ما بيَّنه القرآن من اتصافه بالصفات الثبوتية رافعًا للإجمال والاشتراك موافقًا لقول أهل الإثبات دون النفاة.
وهذه الأدلة كلما تدبرها العاقل تبين له قطعًا أن هؤلاء النفاة مناقضون للرسول، هم في جانب والرسل في جانب؛ كمناقضة القرامطة الباطنية وأمثالهم، وأن استدلال هؤلاء بنصوص الأنبياء على نفيهم، من جنس استدلال القرامطة على شريعتهم الإلحادية بنصوص الأنبياء»[1].
وقال الشيخ ابن سحمان رحمه الله: «إن قول أهل البدع في الواحد أنه الذي لا ينقسم ولا يتجزَّأ قول مبتدع لم يقل به أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هو من كلام من ينتسب إلى أهل السُّنَّة والجماعة من المتكلمين وغيرهم»[2].
[1] درء تعارض العقل والنقل (7/122 ـ 123).
[2] تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة لسليمان بن سحمان (30) [دار العاصمة].
1 ـ «أسماء الله الحسنى؛ جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لماهر مقدم.
2 ـ «أسماء الله الحسنى»، لعبد الله بن صالح الغصن.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، للأصبهاني.
5 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
6 ـ «فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن»، للسعدي.
7 ـ «قطف الجنى الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني»، للشيخ عبد المحسن العباد.
8 ـ كتاب «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في توحيد الأسماء الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
10 ـ «المنهاج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج1)، لزين محمد شحاتة.
11 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج2)، لمحمد بن حمود النجدي.