حرف الباء / البقاء

           

البقاء: ضد الفناء، قال ابن فارس: «الباء والقاف والياء أصل واحد وهو الدوام، قال الخليل رحمه الله: يقال: بَقِيَ الشيءُ يَبْقَى بقاء، وهو ضد الفناء»[1].


[1] مقاييس اللغة (1/144) [دار الكتب العلمية]، وانظر: الصحاح (6/2283 ـ 2284) [دار العلم للملايين، ط4).


بقاء الله سبحانه وتعالى صفة ذاتية له وخاصة به سبحانه؛ فهو سبحانه يبقى بنفسه إلى ما لا نهاية له؛ فلا يلحقه زوال ولا يأتيه فناء البتة[1].


[1] انظر: صفات الله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (70 ـ 71) [دار الهجرة، الرياض، ط1].


وهناك ألفاظ أخرى جاءت بمعنى هذه الصفة وهي: الدوام، والخلود، والآخرية.



يجب الإيمان بهذه الصفة، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل؛ لدلالة القرآن على ذلك.



من الأدلة التي وردت بلفظ البقاء: قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} [الرحمن] .
قال ابن خزيمة رحمه الله: «أثبت الله لنفسه وجهًا وَصَفَه بالجلال والإكرام، وحكم لوجهه بالبقاء ونفى الهلاك عنه»[1]. فالله سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآية ببقاء وجهه تبارك وتعالى ، ونفى عنه الهلاك والفناء، والوجه صفة من صفات الله الذاتية التي لا تنفك عنه في حال من الأحوال، وبقاء الوجه يقتضي بقاء الذات؛ لأنه لا بقاء للوجه بدون الذات[2].
ومن الأدلة التي دلَّت على معنى البقاء، ولكن بلفظ آخر: قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: «اللَّهُمَّ رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر»[3].
فالله سبحانه وتعالى هو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهذا دليل على بقاء الله تعالى ودوامه سبحانه.


[1] كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/25) [مكتبة الرشد].
[2] انظر: شرح الواسطية لابن عثيمين (1/290 ـ 291) [دار ابن الجوزي، ط6، 1421هـ].
[3] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم 2713).


قال ابن أبي زمنين رحمه الله: «الآخر: الباقي إلى غير نهاية لا شيء بعده»[1].
وقال البيهقي رحمه الله: « الباقي: هو الذي دام وجوده، والبقاء له صفة قائمة بذاته»، وقال أيضًا: « الدائم: هو الموجود لم يزل ولا يزال، ويرجع معناه إلى صفة البقاء»[2].
وقال أبو القاسم التيمي رحمه الله: «معنى الباقي: الدائم، الموصوف بالبقاء، الذي لا يستولي عليه الفناء، وليست صفة بقائه ودوامه كبقاء الجنة والنار ودوامهما، وذلك أن بقاءه أبدي أزلي، وبقاء الجنة والنار أبدي غير أزلي، فالأزلي ما لم يزل والأبدي ما لا يزال، والجنة والنار كائنتان بعد أن لم تكونا»[3].
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: «البقاء من صفات الله، فإذا أسند إلى إنسان؛ فهو من الشرك»[4].


[1] أصول السُّنَّة (61) [مكتبة الغرباء الأثرية، ط1].
[2] الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد (52 ـ 53) [رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط2].
[3] الحجة في بيان المحجة (1/140) [دار الراية].
[4] الفتاوى والرسائل (1/207) [مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، ط1، 1399هـ].


(الباقي): ليس من أسماء الله تعالى؛ إذ لم يثبت دليل عليه، وأسماء الله توقيفية لا يثبت منها شيء إلا بالدليل، وعلى هذا كلام أهل العلم المحققين، فقد جاء في «معجم المناهي اللفظية»: «الباقي: هذا ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى، والكلام عليه نحو الكلام على لفظ القديم»[1].


[1] معجم المناهي اللفظية (171) [دار العاصمة، ط3]، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة، المجموعة الثانية (2/352) وموقع الشيخ صالح الفوزان.


إن الله سبحانه وتعالى موصوف بالبقاء والدوام، فهو سبحانه يبقى بنفسه إلى ما لا نهاية له؛ لا يلحقه زوال، ولا يأتيه فناء البتة، وأما ما عداه من المخلوقات فمصيرها إما إلى الموت والفناء والزوال، وهي عامة المخلوقات، وإما أنها تبقى ولكن لا تبقى بنفسها بل تبقى بإبقاء الله لها مثل الجنة والنار وأهلهما، وهذا يقتضي من العباد أن يفردوا ربهم الباقي الدائم بالعبادة كلها، وأن لا يشركوا معه من ليس موصوفًا بهذه الصفة، ولذلك استدل إبراهيم عليه السلام بأفول الشمس والقمر والكوكب على عدم استحقاقها للعبادة.



1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «أصول السُّنَّة»، لابن أبي زمنين.
3 ـ «الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد»، للبيهقي.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، لأبي القاسم التيمي.
5 ـ «شرح الواسطية» (ج1)، لابن عثيمين.
6 ـ «صفات الله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
7 ـ «فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم» (ج1).
8 ـ كتاب «التوحيد» (ج1)، لابن خزيمة.
9 ـ كتاب «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
11 ـ «معجم المناهي اللفظية»، لبكر أبو زيد.