أقسم الله تعالى بالبيت المعمور في قوله تعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ *} [الطور] ، وورد ذكره في حديث الإسراء الطويل، حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرُفع لي البيت المعمور، فسألتُ جبريل فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم» [1]. وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن البيت المعمور، فقال: «بيت في السماء يقال له: الضُّرَاح، وهو بحيال الكعبة من فوقها، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة، ولا يعودون فيه أبدًا»[2]، ولهذه الزيادة شاهد مرسل من رواية قتادة قال: «ذكر لنا أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال يومًا لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه مسجد في السماء، تحته الكعبة، لو خرَّ لخرَّ عليها»[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3207)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 164).
[2] أخرجه الطبري في تفسيره (22/455) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والبيهقي في الشعب (5/452) [مكتبة الرشد، ط1]، وقال الألباني: «رجاله ثقات غير خالد بن عرعرة، وهو مستور». السلسلة الصحيحة (1/859).
[3] أخرجه الطبري في تفسيره (22/456) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وقال الألباني: «هذا إسناد مرسل صحيح... وجملة القول أن هذه الزيادة (حيال الكعبة) ثابتةٌ بمجموع طرقها». انظر: السلسلة الصحيحة (1/859 ـ 860).
المسألة الأولى: مكان البيت المعمور:
هو في السماء السابعة، كما دلَّ عليه حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه، وفيه: «فأتينا السماء السابعة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟! مرحبًا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال: مرحبًا بك من ابن ونبي، فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور»[1].
كما أنه فوق الكعبة، والكعبة تحته، وأنه لو سقط لسقط على الكعبة كما دلَّت عليه الأحاديث السابق ذكرها، منها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هو بحيال الكعبة من فوقها» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنه مسجد في السماء، تحته الكعبة، لو خرَّ لخرَّ عليها» .
المسألة الثانية: لا يعتبر دخول الملائكة البيت المعمور حجًّا بالمعنى الشرعي المتعارف عليه:
والذي تدلُّ عليه الأحاديث أن قصد الملائكة البيت المعمور هو للصلاة فيه، لكننا لا نعلم حقيقة هذه الصلاة، ولا تدلُّ الأحاديث أن المراد الحج والطواف[2]، والله أعلم.
[1] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3207)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 164).
[2] ينظر: معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين (127 ـ 128) [أضواء السلف، ط1، 1422هـ].
لعلَّ من الحكم في وجود البيت المعمور ما يلي:
1 ـ تذكير المسلمين بأهمية الصلاة ومنزلتها عند الله.
2 ـ أهمية صلاة الجماعة، كما دلَّ عليه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك» .
3 ـ فيه إشارة إلى أهمية قصد البيت الحرام للصلاة فيه، وللحج أو للعمرة.
4 ـ ترغيب المسلمين في المسارعة إلى الخيرات وأداء العبادات، وذلك أن الملائكة مع أنهم في عبادة لله لا تنقطع، كما قال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ *} [الأنبياء] ؛ إلا أنهم يقصدون البيت المعمور تعبُّدًا لله تعالى.
فسَّرت طائفة من الصوفية البيت المعمور بأنه النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم[1]، وذهبت طائفة أخرى إلى أن المراد بالبيت المعمور هو قلب الإنسان الذي وسع الحق، تعالى الله عمّا يقول الجاحدون علوًّا كبيرًا، يقول ابن عربي: «والبيت المعمور وهو القلب الذي وسع الحق فهو عامره»[2]، ويقول في موضع آخر مقرًّا بوحدة الوجود ـ في وصفه لمعراجه الروحاني ـ: «ثم رأيت البيت المعمور فإذا به قلبي، وإذا بالملائكة تدخله كل يوم، وقد تجلى الحق له في سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، فهو يتجلى فيها لقلب عبده»[3].
ولا شكَّ في أن ما ذهبت إليه الصوفية تأويل باطل وقول فاسد، وتكذيب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وردٌّ للأحاديث الصحيحة والصريحة في أن المراد بالبيت المعمور هو على ظاهره، وأنه يقصده الملائكة للصلاة، وأنه في السماء السابعة، وقد رآه النبي حينما أُسري به، ورأى إبراهيم عليه السلام مسندًا ظهره إليه.
[1] ينظر: روح البيان للبروسوي (9/187) [دار إحياء التراث العربي]، وموسوعة الكنزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان (3/401) [دار المحبة، ط1].
[2] الفتوحات المكية (3/526) [الطبعة الميمنية الأولى].
[3] الفتوحات المكية (3/350).
1 ـ «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لنخبة من العلماء.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «التبيان في أيمان القرآن»، لابن القيم.
4 ـ «تفسير ابن كثير» (ج7).
5 ـ «تفسير الطبري» (ج21).
6 ـ «الحبائك في أخبار الملائك»، للسيوطي.
7 ـ «خلاصة الفضل الفائق في معراج خير الخلائق»، لمحمد بن يوسف الصالحي.
8 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
9 ـ «شعب الإيمان» (ج6)، للبيهقي.
10 ـ «عالم الملائكة الأبرار»، للأشقر.
11 ـ «معارج القبول» (ج2)، للحكمي.
12 ـ «معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين»، للعقيل.