حرف الألف / آل البَيت

           

الآل: مُشتَق من: آلَ يؤول؛ إذا رجعَ، يُقال: آلَ الرجلُ رعيَّتَه؛ إذا أحسنَ سياستَها. فآل الرجل وآل كلِّ شيء: شخصُه ـ لأنهم يُعبِّرون عنه بآله ـ؛ وهم: أهله وعشيرته وأتباعه وأولياؤه. وتأويل الكلام: عاقبتُه وما يؤول إليه[1].
البَيت: هو المأوى والمآب ومجمع الشَّمْل، وجمعه: بيوت وأبيات وأباييت؛ كأقوال وأقاويل. وهو أيضًا: عيال الرَّجل والذين يبيت عندَهم. وبات يفعل كذا؛ إذا فعلَه ليلاً، كما يُقال: ظل يفعل كذا؛ إذا فعله نهارًا[2].


[1] انظر: مقاييس اللغة (1/159 ـ 162) [دار الفكر، ط2]، والقاموس المحيط (1245) [مؤسسة الرسالة، ط5].
[2] انظر: الصحاح (1/244) [دار العلم للملايين، ط4]، ومقاييس اللغة (1/324).


آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم : هم من حرمت عليهم الصدقة، وهم: أزواجه وذريَّته، وقرابته من بني هاشم وبني المطلب، وموالي الرجال منهم[1].


[1] انظر: المجموع للنووي (3/467) [دار الفكر، بيروت]، ومجموع الفتاوى (22/460)، وجلاء الأفهام (236، 239، 245، 250) [دار عالم الفوائد، ط1]، وتفسير ابن كثير (6/410، 415) [دار طيبة، ط2]، وفتح الباري لابن حجر (7/78، 11/160) [دار المعرفة]، وفضل أهل البيت للعباد (6) [دار ابن الأثير، ط1].


سمي آل بيت الرجل بهذا الاسم؛ لأنهم يرجعون ويضافون إليه، ويؤولهم ـ أي: يسوسهم ـ فيكون مآلهم إليه[1].


[1] انظر: جلاء الأفهام (229).


ـ أهل البيت.
ـ آل محمد صلّى الله عليه وسلّم .



يجب على المسلم أن يعتقد: أن أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم هم أشرف الناس على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا، فيجب على كل مسلم حفظ حقهم ووصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم يوم غدير خم، ومعرفة قدرهم ومنزلتهم، وتوليهم، وحبهم، وتوقيرهم، والثناء عليهم، وإكرامهم، والإحسان إليهم، والصلاة والتسليم عليهم، وإنزالهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعسف، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسُّنَّة النبوية الصحيحة كما كان عليه سلفهم رضي الله عنهم ، والحذر من إيذائهم أو الإساءة إليهم أو تنقصهم بقول أو عمل؛ فإن توقيرهم وبرهم من توقير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبره، وأهل السُّنَّة والجماعة هم أسعد الناس حظًّا في الأخذ بوصيته صلّى الله عليه وسلّم ورعاية حقهم.
ويعتقد المسلم: أن أقرب أهل بيته صلّى الله عليه وسلّم إليه نسبًا وأفضلهم من أقاربه وذريته: هم الذين أدار عليهم الكساء وخصهم بالدعاء.
ويجب على المسلم أن يتولى أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
ويعتقد أيضًا: أن من لم يكرمه الله ويهديه للإيمان والإسلام من أهل البيت؛ فلا يفيده شرف النسب شيئًا، ولا تجوز موالاته ومحبته؛ فإن الله تعالى رتَّب الجزاء والثواب على الأعمال لا على الأنساب[1].


[1] انظر: الشفا للقاضي عياض (2/604، 1106) [طبعة عيسى البابي الحلبي]، ومجموع الفتاوى (3/154 ـ العقيدة الواسطية، 4/496)، وتفسير ابن كثير (7/201) [دار طيبة، ط2]، وفضل أهل البيت للعباد (13)، والعقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط لسليمان السحيمي (59) [مكتبة الإمام البخاري بالقاهرة، ط1]، وأصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة لنخبة من العلماء (279) [وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالسعودية، 1421هـ].


من الأدلة على فَضل آل البيت وعلو مكانتهم: قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *} [الأحزاب] .
وأمر الله تعالى الأمة بالصلاة على نبيِّه محمد صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله بالتـبع؛ فقال جلّ جلاله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *} [الأحزاب] .
ولما سئل صلّى الله عليه وسلّم : كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم؟ قال: «قولوا: اللَّهُمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد. اللَّهُمَّ بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد» [1]، وصلاة الله على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم معناها: ثناؤه عليه في الملإ الأعلى، وإظهار شرفه وفضله، والعناية به، وإظهار دينه، فأي شرف لأهل البيت أعظم من هذا الشرف؟
وثبت في «صحيح مسلم»، من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»[2].
وفي «صحيح مسلم» أيضًا، من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومًا فينا خطيبًا بماء يدعى خمًّا ـ بين مكة والمدينة ـ؛ فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد؛ ألا أيها الناس؛ فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله؛ فيه الهدى والنور؛ فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» ، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي؛ أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»[3].
وثبت في «الصحيحين»؛ أن أبا بكر قال لعلي رضي الله عنه : «والذي نفسي بيده؛ لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليَّ أن أصل من قرابتي»[4].
والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة معلومة.


[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، برقم 3370)، ومسلم (كتاب الصلاة، برقم 406) ـ وعنده: «كما صليت على آل إبراهيم... كما باركت على آل إبراهيم» ـ، من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفضائِل، برقم 2276).
[3] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم برقم 2408).
[4] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، برقم 3712)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، برقم 1759)، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وفيه قصة.


قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله : «ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برئ من النفاق»[1].
وقال ابن تيمية رحمه الله ـ في بيان عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة ـ: «ويحبون أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ حيث قال يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي» ، وقال أيضًا للعباس عمه ـ وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم ـ فقال: «والذي نفسي بيده؛ لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي» ... ويتولون أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ أمهات المؤمنين ـ، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصًا: خديجة رضي الله عنها ، أم أكثر أولاده، أول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها ...، ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وأن يتبرأ أيضًا من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، ويمسكون عما شجر بين الصحابة...»[2].
وقال ابن كثير رحمه الله : «ولا تنكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم؛ فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسُّنَّة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم؛ كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين»[3].


[1] العقيدة الطحاوية (30) [دار ابن حزم، بيروت، ط1].
[2] مجموع الفتاوى (3/154 ـ العقيدة الواسطيَّة).
[3] تفسير ابن كثير (7/201).


المسألة الأولى: حقوق آل البيت:
1 ـ دخولهم في الصلاة والسلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم .
حكم الصلاة والسلام عليهم؛ فنقول: الصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالإجماع، وجائزة مفردة. والسلام له نفس حكم الصلاة؛ بل هو أوسع وأعم في المشروعية والجواز.
2 ـ اعتقاد فضلهم:
أهل السُّنَّة والجماعة يعتقدون وجوب محبة أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ويعرفون ما يجب لهم من الحقوق، ويتولونهم جميعًا، ويحفظون وصية النبي صلّى الله عليه وسلّم فيهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «ولا ريب أن لآل محمد صلّى الله عليه وسلّم حقًّا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش»[1].
3 ـ حقهم من الغنيمة والفيء:
ومن حقوق آل البيت التي يجب رعايتها: ما جعل الله لهم من الغنيمة الفيء، وهو الخُمُس، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال] ، وقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : «ويجب تفقد من في بلاد المسلمين من ذوي القربى، ويعطون ما فرض الله ورسوله، من الحق في الفيء والغنيمة، فإن هذا من آكد الحقوق وألزمها، لمكانهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والمراد بهم من عرف التوحيد والتزمه، وأهل الإسلام ما صالوا على من عاداهم إلا بسيف النبوة وسلطانها»[2].
المسألة الثانية: تحريم الانتساب إلى آل البيت بغير حق:
ومن المسائل المتعلقة أيضًا[3]: التنبيه على تحريم الانتساب بغير حق إلى أهل البيت، وأن من وقع في هذا المحذور وانتسب لهذا النسب الشريف بغير حق فقد وقع في الحرام، وتشبع بما لم يعط، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» [4]، وقال أيضًا: «من ادَّعى قومًا ليس له فيهم؛ فليتبوأ مقعده من النار»[5].
المسألة الثالثة: أهل الكساء:
وهم أخص آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، والدليل على تقديمهم في الفضل على باقي أهل البيت من قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذريته: ما أخرجه مسلم في «صحيحه»، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم غداة وعليه مرط مرحل[6] من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: «{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *} [الأحزاب] »[7]، ولا يعني هذا قصر أهل البيت على هؤلاء الأربعة؛ بل فيه دلالة على أنهم أخص أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وأولى بالدخول فيهم من غيرهم[8] .
المسألة الرابعة: شرف النسب لا ينفع مع عدم الإيمان:
وأما الدليل على أن شرف النسب لا ينفع مع عدم الإيمان: قول الله جلّ جلاله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجُرات: 13] ، وقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132] ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم : «ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه»[9] ؛ والمعنى[10]: أن من أبطأ به عمله في بلوغ الدرجات العالية في الجنة أو كان عمله ناقصًا؛ لم يسرع به نسبه في بلوغ هذه الدرجات؛ فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل!
وثبت في «الصحيحين»[11]، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أنزل الله عزّ وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *} [الشعراء] قال: «يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ؛ اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئًا! يا بني عبد مناف؛ لا أغني عنكم من الله شيئًا! يا عباس بن عبد المطلب؛ لا أغني عنك من الله شيئًا! ويا صفية عمة رسول الله؛ لا أغني عنك من الله شيئًا! ويا فاطمة بنت محمد؛ سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» ؛ ففي الحديث دلالة ظاهرة على أن الجزاء والثواب مرتّب على الأعمال لا على الأنساب، وهؤلاء المذكورون في الحديث هم من أهل بيته صلّى الله عليه وسلّم .
المسألة الخامسة: شرف النسب لا يقتضي التقديم مطلقًا:
وأما الدليل على أن شرف النسب لا يقتضي التقديم مطلقًا: فهو ما جاء في تقديم النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر للصلاة مع وجود العباس وعلي رضي الله عنهم . فقد روى البخاري في «صحيحه» عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذّن فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» الحديث[12].
وعنها رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه: «ادعي لي أبا بكر، أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» [13]. فلو كان هناك من هو أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقدّمه النبي صلّى الله عليه وسلّم .
المسألة السادسة: دخول زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم في أهل بيته:
آية التطهير إنما نزلت في نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم ، كما قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا *وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا *} [الأحزاب] ، فالذي يراعي سياق هذه الآيات يوقن أنها في نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة[14].
ومما يؤكد أنّ الآية لم تنزل في أصحاب الكساء رضي الله عنهم بل في نساء النبي خاصة: حديث الكساء نفسه، ذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الكساء دعا لأصحاب الكساء بأن يذهب الله عنهم الرجس، فإذا كانت الآية نزلت فيهم وقد أخبر الله فيها بإذهاب الرجس فما الداعي لدعاء كهذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟! وإنما أراد رسول الله من دعاءه هذا أن يضم الله عزّ وجل أصحاب الكساء وهم من أهل بيته بلا ريب إلى نسائه اللاتي نزلت فيهن الآية في المعنى الذي تضمنته الآية وهو إرادة التطهير ورفع الرجس.
ومن صريح الأدلة الدالة على دخول زوجاته صلّى الله عليه وسلّم في أهل بيته: حديث الإفك الذي رواه الشيخان وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي...» [15]. فقد وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم زوجه عائشة المصون المبرأة من فوق سبع سماوات بأنها من أهل بيته.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللَّهُمَّ اجعل رزق آل محمد قوتًا» [16]. ولا ريب أن أزواجه من آله صلّى الله عليه وسلّم [17].
المسألة السابعة: ادعاء عصمة أهل البيت:
الحق في هذه المسألة أن علو منزلة أهل البيت ورفيع مكانتهم ليس دليلاً على عصمتهم، فهم وإن كانوا على مرتبة رفيعة من الفضل، إلا أنهم معرّضون للوقوع في الذنب والخطأ غير معصومين من الوقوع فيه، شأنهم شأن سائر البشر غير الأنبياء. وأما قوله تعالى في حقهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *} [الأحزاب] ، فقد جاء تفسير هذه الآية في قوله صلّى الله عليه وسلّم : «اللَّهُمَّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا» [18]. فطلب صلّى الله عليه وسلّم من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير؛ لأن الإرادة الواردة في الآية ليست الإرادة الكونية التي تستلزم وقوع المراد، وإنما هي الإرادة الشرعية المتضمنة للمحبة والرضا، فالآية ليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب الرجس عنهم[19].


[1] منهاج السُّنَّة النبوية (4/363).
[2] الدرر السنية في الأجوبة النجدية (14/70) [ط6، 1417هـ].
[3] انظر: فضل أهل البيت للعباد (82).
[4] أخرجه البخاري (كتاب النكاح، برقم 5219)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، برقم 2130)، من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها. وأخرجه مسلم أيضًا (كتاب اللباس والزينة، برقم 2129)، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
[5] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، برقم 3508)، ومسلم (كتاب الإيمان، برقم 61)، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، واللفظ للبخاري.
[6] المرط: كساء يتغطى به، والمرحل: هو الذي عليه صورة رحال الإبل.
[7] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم برقم 2424).
[8] انظر: آية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة لطه حامد الدليمي (29 ـ 30).
[9] قطعة من حديث طويل رواه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، برقم 2699)، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.
[10] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (17/22)، وجامع العلوم والحكم (2/308) [مؤسسة الرسالة ببيروت، ط8، 1419هـ].
[11] أخرجه البخاري (كتاب الوصايا، برقم 2753)، ومسلم (كتاب الإيمان، برقم 204).
[12] أخرجه البخاري (كتاب الأذان، رقم 664)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم 418).
[13] أخرجه البخاري (كتاب المرضى، رقم 5666)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، رقم 2378)، واللفظ له.
[14] انظر: تفسير ابن كثير (6/410) [دار طيبة، ط2].
[15] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4750)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2770).
[16] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6460)، ومسلم (كتاب الزكاة، رقم 1055)، واللفظ له.
[17] انظر: التمهيد لابن عبد البر (17/302)، والإنصاف للمرداوي (2/79)، وجلاء الأفهام لابن القيم (216) [دار العروبة، ط2، 1407هـ].
[18] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3871) وقال: حسن صحيح، وأحمد (44/173) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب التفسير، رقم 3558) وصححه، وصححه الألباني في تعليقه على جامع الترمذي.
[19] انظر: منهاج السُّنَّة (4/21) [جامعة الإمام، ط1]، والعقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط (369).


من أبرز الثمرات المترتبة على اعتقاد فضل أهل البيت وعلو مكانتهم: إثبات تفاضل المؤمنين في الإيمان ـ وهذا التفاضل يكون بأعمال القلوب وبأعمال الجوارح ـ، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وفي هذا ردٌّ على المرجئة من الجهمية والكلابية والكرامية والأشاعرة وغيرهم، ومن وافقهم كالمعتزلة والخوارج، النافين لذلك، والقائلين بأن الإيمان شيء واحد لا يتعدد، وأهله فيه سواء؛ فهو لا يزيد ولا ينقص!
ومن الثمرات أيضًا: أن العبد إذا علم أن مقياس التفاضل بين الخلق في الشرع إنما هو بالتفاضل بينهم في العبودية، وأن أفضل الخلق أكملهم وأتمهم عبودية لله؛ «فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله، وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية؛ ازداد كماله وعلت درجته»[1]، وأن النسب لا ينفع صاحبه إذا لم يأت بالإيمان والإسلام؛ كان في ذلك أكبر الأثر في حثّه وتحريضه على السعي لتحقيق العبودية لله تعالى على أكمل صورها؛ مما يقوي إيمانه بربه، ويزيد يقينه بوعده عزّ وجل وموعوده.


[1] مجموع الفتاوى (10/176).


قصر جمهور الشيعة أهل البيت على أصحاب الكساء الخمسة؛ وهم: النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وأجمعوا على عدم دخول أمهات المؤمنين في مسمى آل البيت[1]!
ثم غلوا فيهم، وادَّعوا عصمتهم، وقدَّموهم على الأنبياء والمرسلين ـ بما فيهم أولو العزم ـ، ووصفوهم بصفات الألوهية والربوبية، ومنهم من يتوسل بهم ويتخذهم أربابًا من دون الله تعالى[2]! وهم مع ذلك يبغضون الصحابة ويسبونهم ويكفِّرون عامتهم، ويطعنون في أمهات المؤمنين ويكفِّرونهم، وفي أولاد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وباقي أولاد بني هاشم[3]! فهم غلاة في أصحاب الكساء، نواصب في الصحابة وباقي أهل البيت!
كما أنهم يكفِّرون بعض بني فاطمة؛ كزيد بن علي بن الحسين، وبني العباس[4].
وعلى النقيض من ذلك: تعرض النواصب ـ من الخوارج وبعض المعتزلة وغيرهم ـ للطعن في أهل البيت ـ كعلي وغيره ـ بالقول والعمل[5].
والسُّنَّة وسط بين الغالي والجافي؛ فأهل السُّنَّة وسط بين الإفراط والتفريط والغلو والجفاء؛ فيعطون لكل ذي حق حقّه، ويتولون أهل الدين والاستقامة من أهل البيت وغيرهم، ويتبرؤون ممن خالف السُّنَّة وانحرف عن نهج السلامة.


[1] انظر: تفسير فرات الكوفي (123) [المطبعة الحيدريَّة بالنجف]، وتفسير القمِّي (2/193) [مطبعة النجف، ط2، 1387هـ]، وبحار الأنوار للمجلسي (35/217، 333) [مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1403هـ]
[2] انظر: بصائر الدرجات الكبرى للصفار (5/247) [طبعة إيران، 1285هـ]، والفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي (151) [مكتبة بصيرتي بقم]، وبحار الأنوار للمجلسي (23/97، 101، 86/240، 101/369). وانظر للتفصيل: أصول مذهب الشيعة للقفاري (1/307 ـ 399، 2/427 ـ 524، 613، 775).
[3] انظر: تفسير العياشي (1/199) [المكتبة العلمية بطهران]، وتفسير الصافي (1/389) [مؤسسة الأعلمي]، وبحار الأنوار للمجلسي (22/227). وانظر للتفصيل: أصول مذهب الشيعة للقفاري (2/716 ـ 737).
[4] انظر: مقالات الإسلاميين (65) [مكتبة النهضة المصرية، 1389هـ]، والفرق بين الفرق (25) [دار الآفاق الجديدة].
[5] انظر: مقالات الإسلاميين (1/176)، والتبصير في الدين للإسفرائيني (45، 68) [عالم الكتب ببيروت، ط1، 1403هـ]، والمِلَل والنِّحل للشهرستاني (49) [دار الفكر ببيروت]، ومجموع الفتاوى (19/89).


1 ـ «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لنخبة من العلماء.
2 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج6، 7)، لابن كثير.
3 ـ «جلاء الأفهام»، لابن القيم.
4 ـ «العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط»، لسليمان السحيمي.
5 ـ «فتح الباري» (ج7، 11)، لابن حجر.
6 ـ «فضل أهل البيت»، لعبد المحسن العباد.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج3، 22)، لابن تيمية.
8 ـ «المجموع شرح المهذب» (ج3)، للنووي.
9 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية» (ج7)، لابن تيمية.
10 ـ «المنهاج في شعب الإيمان» (ج2)، للحليمي.