حرف التاء / التشبيه

           

التشبيه: مصدر الفعل (شَبَّه)، يقال: شبّهتُ هذا بهذا؛ إذا اشتركا في بعض الصفات.
قال ابن فارس رحمه الله: «الشين والباء والهاء أصل واحد يدل على تشابه الشيء وتشاكله لونًا ووصفًا. يقال: شِبْه وشَبَه وشَبيه. والشّبَهُ من الجواهر: الذي يشبه الذهب. والمشبهات من الأمور: المشكلات. واشتبه الأمران، إذا أشكلا»[1]. وقال الجوهري: «شِبْه وشَبَه لغتان بمعنى. يقال: هذا شِبْهُه؛ أي: شبيهه. وبينهما شبَه، بالتحريك، والجمع: مَشابه، على غير قياس»[2].
وقد يكون المثيل أحيانًا مع التقييد بمعنى الشبيه، ويعرف ذلك من خلال السياق والقرائن. قال ابن منظور رحمه الله: «وأما المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين، تقول: نحوه كنحوه، وفقهه كفقهه ولونه كلونه وطعمه كطعمه، فإذا قيل: هو مثله على الإطلاق؛ فمعناه: أنه يسد مسده، وإذا قيل: هو مثله في كذا فهو مساوٍ له في جهة دون جهة»[3]. فهذا المثل المقيد هو بمعنى الشبيه.


[1] مقاييس اللغة (3/243) [دار الجيل، ط2].
[2] الصحاح (533) [دار المعرفة، ط1، 1426هـ].
[3] لسان العرب (11/610) [دار صادر، ط3]، وانظر: مقاييس اللغة (5/296)، والقواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين (27) [الجامعة الإسلامية، ط3، 1421هـ]، ومقالة التشبيه وموقف أهل السُّنَّة منها لجابر إدريس (1/77) [أضواء السلف، الرياض، ط1، 1422هـ].


التشبيه: هو إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى، أو إثبات شيء من خصائص الخالق للمخلوق[1].


[1] انظر: درء تعارض العقل والنقل (5/327) [جامعة الإمام محمد بن سعود، ط2، 1411هـ].


التشبيه لفظ مجمل يحتمل معنى صحيحًا ومعنى باطلاً، فإذا أريد به معنى صحيحٌ ـ كنفي مماثلة المخلوق لله في شيء من خصائص الرب ـ فهذا منفي عن الله بدلالة الشرع، فيقبل المعنى ويتوقف في اللفظ.
وأما إذا أريد به معنى باطلٌ فهو محرم؛ كإثبات شيء من خصائص المخلوق الضعيف الناقص للخالق القوي الكامل الذي لا يلحقه نقص بأي وجه من الوجوه، أو صرف شيء الخالق للمخلوق لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] ، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص] .
قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: «من وصف الله فشبّه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم؛ لأنه وصف لصفاته إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول صلّى الله عليه وسلّم»[1].
وقال المقريزي رحمه الله:«اعلم أن حقيقة الشرك: تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق»[2].


[1] شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (3/588) [دار طيبة، ط8، 1423هـ].
[2] تجريد التوحيد المفيد (27) [دار عالم الفوائد، ط1، 1417هـ].


حقيقة التشبيه هو جعل خصائص الخالق مثل خصائص المخلوق، أو وصف المخلوق بخصائص الخالق؛ كمن يغلو في تعظيم المخلوق فيرفعه فوق منزلته، ويجعل له حظًّا من الألوهية، فيشبهه بالله تعالى، وهذا هو «التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله سبحانه، وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله، فهو سبحانه ينفي وينهى أن يجعل غيره مثلاً له وندًّا له وشبهًا له»[1].


[1] انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/226) [دار المعرفة، بيروت، ط2، 1395هـ].


قال الله سبحانه وتعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} [مريم] ، وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص] .
أقوال أهل العلم:
بيّن أهل العلم مفهوم التشبيه وخطورته، ومن ذلك:
قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ الإمام البخاري رحمهما الله: «من شبّه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم تشبيه»[1].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «تكلم طائفة من السلف مثل عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ونعيم بن حماد، وغيرهم بذم المشبهة، وبيَّنوا المشبهة الذين ذموهم؛ أنهم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه، فكان ذمهم لما في قولهم من مخالفة الكتاب والسُّنَّة، إذ دخلوا في التمثيل»[2].
وقال ابن القيم رحمه الله: «فمن تدبر هذا الفصل حق التدبر تبيّن له كيف وقعت الفتنة في الأرض بعبادة الأصنام، وتبيّن له سر القرآن في الإنكار على هؤلاء المشبهة الممثلة، ولا سيما إذا جمعوا إلى هذا التشبيه تعطيل الصفات والأفعال كما هو الغالب عليهم، فيجمعون بين تعطيل الرب سبحانه عن صفات كماله وبين تشبيه خلقه به»[3].


[1] شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (3/587 ـ 588).
[2] بيان تلبيس الجهمية (1/387) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1، 1426هـ].
[3] إغاثة اللهفان (2/233) [دار المعرفة، بيروت، ط2، 1395هـ].


ينقسم التشبيه المنهي عنه إلى قسمين:
الأول: تشبيه المخلوق بالخالق، وهو إثبات شيء من خصائص الخالق للمخلوق كقول النصارى: إن الله هو المسيح ابن مريم، وأنه خالق السماوات والأرض، وعلام الغيوب ونحو ذلك مما تفرد الله به من صفات الكمال.
الثاني: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهو إثبات شيء من خصائص المخلوق للخالق كوصف اليهود للخالق بالفقر والبخل، وأنه يتعب ونحو ذلك من صفات النقص[1]، قال الله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181] .


[1] انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (2/260) [دار العاصمة، ط2، 1419هـ]، وجامع المسائل لابن تيمية (2/111) [دار عالم الفوائد، ط1، 1422هـ].


المسألة الأولى: القدر المشترك بين صفة الخالق والمخلوق:
المقصود بالقدر المشترك: اشتراك الموصوفين في المعنى العام كالوجود مثلاً، فكل من الخالق والمخلوق يخبر عنه بأنه موجود، فمعنى الوجود مفهوم وهو ضد العدم، فكل من الخالق والمخلوق يشترك في هذا المعنى العام وهو الوجود، وهو المسمى بالقدر المشترك بين الموصوفين، ثم كل منها يأخذ منه المعنى المتناسب معه، فوجود الخالق واجب، ووجود المخلوق ممكن، فمن هنا يختلف وجود الخالق عن وجود المخلوق، وهكذا في الأسماء والصفات، ومن هنا يقول علماء التوحيد: ليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير؛ أي: السمع والبصر المضافان إلى الله يختلفان في الحقائق عن السمع والبصر الموصوف بهما المخلوق وهكذا[1].
المسألة الثانية: وهي براءة السلف والحنابلة من التشبيه:
لا شكَّ في براءة السلف والحنابلة من التشبيه. فمما يدلُّ على براءة السلف من التشبيه على سبيل الإيجاز ما رواه البيهقي بسنده عن أبي داود الطيالسي؛ أنه قال: «كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون، يروون الحديث، لا يقولون كيف، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر»[2].
وروى اللالكائي بإسناده عن إسحاق بن راهويه أنه قال: «من وصف الله فشبّه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم؛ لأنه وصف بصفاته، إنما هو استسلام لأمر الله ولما سَنَّ الرسول»[3].
ومما يدل على براءة الحنابلة ـ على وجه الخصوص ـ من التشبيه الذي رموا به[4]:
أولاً: ذمَّ إمامهم أحمد بن حنبل رحمه الله للتشبيه والمشبهة أمر مشهور لدى أهل العلم وطلابه، وكذا بعض كبار أئمة المذهب قال أبو يعلى رحمه الله: «وقد أنكر أحمد التشبيه، فقال في رواية حنبل: المشبهة تقول: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدَمٌ كقدمي ومن قال ذلك فقد شبّه الله بخلقه، وقال في رواية يوسف بن موسى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] »[5].
وقال أبو يعلى في أحاديث الصفات: «والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله تعالى لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا نعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن شيخنا وإمامنا أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، وغيره من أئمة أصحاب الحديث، أنهم قالوا في هذه الأخبار: أمروها كما جاءت، فحملوها على ظاهرها في أنها صفات لله تعالى لا تشبه سائر الموصوفين»[6].
ثانيًا: أن ما نسب إليهم من القول بالتشبيه فلا يخلو من أحد الأمور التالية، وهي:
ـ إما أن نسبته إليهم كذب محض قصد به تشويه سمعتهم والتنفير من مذهبهم.
ـ وإما أنه صادر ممن يعتقد أن إثبات الصفات الواردة في الشرع لله تشبيه، وقد كان الحنابلة في الجملة يثبتون لله ما أثبته لنفسه من الصفات[7].
ـ وإما أنه كان قولاً لبعض المنتمين إلى المذهب الحنبلي، وأنهم ليسوا من أئمة المذهب وفضلائه، وهذا مما لم تسلم منه المذاهب الأخرى؛ بل يوجد عند غيرهم ما لا يقارن بما عندهم[8]، وعليه فلا يصح التشنيع به على الحنابلة فقط.
المسألة الثالثة: هل الكرامية من المشبهة؟
الكرامية لم يثبت كونهم من المشبهة وإنما رماهم به خصومهم فيما يظهر؛ لأنهم كانوا يثبتون من صفات الله كثيرًا مما ينفيه خصومهم بحجة أن إثابتها تجسيم[9]، وعيب الكرامية أنهم بالغوا في إثبات الصفات، فأطلقوا على الله لفظ الجسم[10] وقالوا: بأن الله «موصوف بالصفات، وإن قيل: إنها أعراض، وموصوف بالأفعال القائمة بنفسه، وإن كانت حادثة. ولما قيل لهم: هذا يقتضي أن يكون جسمًا، قالوا: نعم هو جسم لا[11] كالأجسام، وليس ذلك ممتنعًا دائمًا، وإنما الممتنع أن يشابه المخلوقات فيما يجب ويجوز ويمتنع»[12].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ومن قال: هو جسم، فالمشهور عن نظار الكرامية وغيرهم ممن يقول: هو جسم، أنه يفسر ذلك بأنه الموجود أو القائم بنفسه، لا بمعنى المركب.
وقد اتفق الناس على أن من قال: إنه جسم، وأراد هذا المعنى، فقد أصاب في المعنى، لكن إنما يخطئه من يخطئه في اللفظ»[13].
ولا شكَّ أن إطلاق لفظ الجسم على الله هو قول مبتدع، موهم للتشبيه، وموقع في لوازم بدعية التزمتها الكرامية، وعلى كلٍّ فإن الوقائع التي كانت تحدث بين الكرامية وبين متكلمة الأشاعرة تدل على أن الكرامية كانت أقرب إلى الحق من الأشاعرة في تلك المسائل[14].


[1] انظر: درء تعارض العقل والنقل (5/327)، وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/112) [دار ابن الجوزي، ط6، 1421هـ].
[2] الأسماء والصفات للبيهقي (2/334 ـ 335).
[3] شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (3/532).
[4] وممن رماهم بالتشبيه: الرازي، انظر: أساس التقديس في علم الكلام (44) [مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1، 1415هـ].
[5] أورده أبو يعلى في: إبطال التأويلات لأخبار الصفات (1/43) [إيلاف الدولية، الكويت].
[6] أورده أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/43 ـ 44).
[7] ويبدو أن هذا الوجه هو الأظهر من كلام السجزي. انظر: رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت (185) [دار الراية، ط1، 1414هـ].
[8] انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/231، 250، 251، 3/544 ـ 548).
[9] انظر: المرجع نفسه (1/303، 396، 397).
[10] انظر: الفرق الكلامية المشبهة ـ الأشاعرة ـ الماتريدية: نشأتها وأصولها وأشهر رجالها ومواقف السلف منها لناصر العقل (32 ـ 33) [دار الوطن، الرياض، ط1، 1422هـ].
[11] سقطت (لا) النافية من هنا والصواب إثباتها كما ذكر المحقق، وانظر أيضًا: سير أعلام النبلاء (11/524).
[12] مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/36) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ]، وانظر: الفرق الكلامية لناصر العقل (32 ـ 33).
[13] منهاج السُّنَّة النبوية (2/548).
[14] انظر: الفرق الكلامية لناصر العقل (33).


الفرق بين التشبيه والتمثيل:
مصطلح التشبيه قريب من مصطلح التمثيل، لكن بينهما فرق ينبغي التنبه له، وهو:
أولاً: أن التمثيل يكون بين الشيئين المتفقين في جميع الصفات، والتشبيه يكون بين المتفقين في أكثرها.
ثانيًا: أن نفي التمثيل منصوص عليه في القرآن، والتشبيه ليس كذلك.
ثالثًا: أن نفي التمثيل هو على إطلاقه، وأما نفي التشبيه على إطلاقه فغير صحيح؛ لأنه ما من موجودين إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، ونفي التشبيه مطلقًا نفي لهذا القدر المشترك بينهما.
قال ابن عثيمين رحمه الله: «والتشبيه كالتمثيل، وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات، لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] »[1].
وقال أيضًا: «نفي التشبيه على الإطلاق غير صحيح؛ لأن ما من شيئين من الأعيان أو من الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، والاشتراك نوع تشابه، فلو نفيت التشبيه مطلقًا، لكنت نفيت كل ما يشترك فيه الخالق والمخلوق في شيء ما.
مثلاً: الوجود، يشترك في أصله الخالق والمخلوق، هذا نوع اشتراك ونوع تشابه، لكن فرق بين الوجودين، وجود الخالق واجب ووجود المخلوق ممكن. وكذلك السمع فيه اشتراك؛ الإنسان له سمع، والخالق له سمع، لكن بينهما فرق، لكن أصل وجود السمع مشترك.
فإذا قلنا: من غير تشبيه، ونفينا مطلق التشبيه، صار في هذا إشكال»[2].


[1] القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (27).
[2] شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/112).


غلط المتكلمون في مفهوم التشبيه، فجعلوا إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الصفات العليا تشبيهًا، وتوهموا أن هذا هو التشبيه المنفي عن الله تعالى؛ بل اعتبروا مجرد الاشتراك في اللفظ والمعنى العام في صفة ما بين الخالق والمخلوق هو التشبيه المنهي عنه، فعطلوا الله سبحانه وتعالى عن كماله المقدس، وهذا أمر مقرر في كتبهم[1]، ونقله عنهم غير واحد من العلماء[2].


[1] انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار (195 ـ 197) [مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1416هـ]، والشامل في أصول الدين للجويني (511) [مكتبة المعارف، الإسكندرية، 1969م]، وابن تيمية ليس سلفيًّا لمنصور عويس (19) [دار النهضة العربية، ط1، 1970م].
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/70)، والرد على المنطقيين ضمن مجموع الفتاوى (4/150)، وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/111).


أولاً: أن مفهومهم للتشبيه على ما تقدم فاسد؛ لمخالفته الشرع ومأثور سلف الأمة؛ حيث إن النصوص الشرعية دلَّت على نفي المثل عن الله تعالى مع إثبات صفات الكمال لله تعالى، وأجمع السلف على مقتضاها، فعدّ إثبات الصفات لله على ما يليق به سبحانه من التشبيه باطل.
ثانيًا: أن مما يؤكد بطلانه أن أئمة السلف بعد أن ظهر هذا المفهوم الخاطئ للتشبيه بينوا التشبيه المنفي عن الله وذموا أهله، ومن ذلك ما جاء عن إمام أهل السُّنَّة والجماعة الإمام أحمد رحمه الله حيث قال: «المشبهة تقول: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدَمٌ كقدمي ومن قال ذلك فقد شبّه الله بخلقه»[1].
ثالثًا: أن لفظ التشبيه لم يأت الشرع بنفيه ولا بإثباته لله، وإنما هو لفظ مبتدع يحتمل حقًًّا وباطلاً، فإذا أرادوا به نفي الصفات الثابتة لله فهو في غاية البطلان، وإن أرادوا به نفي ما نفاه الشرع عن الله من مماثلة غيره به، في شيء من خصائصه فهو صحيح، ولكن يعبر عنه بالمعنى الشرعي ويتوقف في اللفظ. ومعلوم أنهم يريدون به نفي الصفات وهو مردود.
رابعًا: أن نفي الاشتراك في المعنى العام عن الموصوفين واعتبار إثباته تشبيهًا هو تعطيل للوجود، وهو ظاهر البطلان[2].
خامسًا: أن ما دلَّت عليه النصوص من الاشتراك في المعنى العام بين الموصوفين يدل عليه أيضًا العقل الصريح؛ كالألوان مثلاً؛ فهي تشترك في كونها ألوانًا وفي احتياجها إلى محل تقوم فيه مع تباينها في حقائقها، فاللون الأبيض مختلف عن اللون الأسود، وكذلك الأجسام كالملح والدقيق والسكر هي في حقائقها متباينة، وإن كانت مشتركة في المعنى العام وهو الجسم والقيام بالنفس[3].


[1] أورده أبو يعلى في إبطال التأويلات لأخبار الصفات (1/43)، وابن تيمية في درء التعارض (2/32).
[2] انظر: درء تعارض العقل والنقل (5/327).
[3] انظر: مقالة التشبيه لجابر إدريس (1/91 ـ 96).


1 ـ «إغاثة اللهفان» (ج2)، لابن القيم.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج2، و3)، لابن تيمية.
3 ـ «جامع المسائل» (ج2)، لابن تيمية.
4 ـ «الجواب الصحيح» (ج2)، لابن تيمية.
5 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج2، و5)، لابن تيمية.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز.
7 ـ «شرح العقيدة الواسطية» (ج1)، لابن عثيمين.
8 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات»، لمحمد التميمي.
10 ـ «مقالة التشبيه وموقف أهل السُّنَّة منها» (ج1، و2)، لجابر إدريس.
11 ـ «منهاج السُّنَّة» (ج4)، لابن تيمية.