حرف التاء / التصوير (صفة لله)

           

التصوير: مصدر للفعل صَوَّرَ يُصَوِّر، يقال: صَوَّرَه الله؛ أي: جعل له صورة، وصورة كل مخلوق، هي هيئة خلقته، ويقال: رجل صَيِّرٌ: إذا كان جميل الصورة[1].


[1] انظر: مقاييس اللغة (2/25) [دار الكتب العلمية، 1420هـ]، والصحاح (2/717) [دار العلم للملايين، 1990م].


التصوير المضاف إلى الله عزّ وجل صفة فعلية له عزّ وجل، كما يليق بجلاله وعظمته، وقد جاء بيان ذلك وإثباته في القرآن والحديث[1].


[1] انظر: شرح أسماء الله الحسنى للقحطاني (168) [مؤسسة الجريسي، الرياض، ط1، 1409هـ]، وصفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (233 ـ 234) [دار الهجرة الرياض، ط1، 1414هـ]، ومعجم ألفاظ العقيدة (393) [مكتبة العبيكان، ط2، 1420هـ].


يجب الإيمان بهذه الصفة، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.



إعطاء شيء صورة معينة، والله عزّ وجل الذي صور جميع الموجودات، وأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة خاصة يتميز بها عن غيره من الموجودات مع كثرتها وتعدد أنواعها.



قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الحشر] ، وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ *} [التغابن] ، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6] .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أنه كان إذا سجد قال: «اللَّهُمَّ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين»[1].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما صوَّر الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقًا لا يتمالك»[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 771).
[2] أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2611).


قال ابن جرير الطبري: «يقول تعالى ذكره: هو المعبود الخالق، الذي لا معبود تصلح له العبادة غيره، ولا خالق سواه، البارئ الذي برأ الخلق، فأوجدهم بقدرته، المصوّر خَلْقه كيف شاء، وكيف يشاء»[1].
وقال البغوي: «{الْخَالِقُ}: المقدِّرُ والمقلب للشيء بالتدبير إلى غيره، كما قال: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6] ، {الْبَارِىءُ}: المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود، {الْمُصَوِّرُ}: الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض، يقال: هذه صورة الأمر؛ أي: مثاله، فأولاً يكون خلقًا ثم برءًا ثم تصويرًا»[2].
وقال معين الدين الإيجي الشافعي: «{الْخَالِقُ} المقدِّرُ {الْبَارِىءُ} المبرز الموجد لما قدر {الْمُصَوِّرُ} الممثل للمخلوقات الموجد لصورها»[3].
وقال السعدي: «الخالق البارئ المصور: الذي خلق جميع الموجودات، وبرأها، وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل ولا يزال على هذا الوصف العظيم»[4].


[1] تفسير الطبري (22/555) [دار هجر، ط1].
[2] تفسير البغوي (5/220) [دار الفكر، ط1].
[3] جامع البيان للإيجي (964) [دار غراس، ط1].
[4] تفسير السعدي (5/624)، ملحق في آخر الجزء بعنوان: «أصول وكليات من أصول التفسير وكلياته لا يستغني عنها المفسر» [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].


المسألة الأولى: من أسماء الله الحسنى (المصَوِّر):
فقد ورد ذلك في القرآن الكريم بصيغة الاسم، قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24 ] وقد عدَّه من أسماء الله الحسنى وذكره فيها جميع من اعتنى بأسماء الله تعالى وصنف فيها بلا استثناء[1].
المسألة الثانية: حكم تصوير ذوات الأرواح:
لقد وردت أحاديث نبوية كثيرة تدلُّ على تحريم عموم التصوير، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون» [2]، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم» [3]. وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن آكل الربا، وموكله، والواشمة، والمستوشمة، والمصور» [4]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: سمعت محمدًا صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ» [5]. وعن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها. فقال له: ادن مني. فدنا منه. ثم قال: ادن مني. فدنا حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم» وقال: إن كنت لا بد فاعلاً، فاصنع الشجر، وما لا نَفْسَ له[6].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه، وتلون وجهه، وقال: «يا عائشة! أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» . قالت عائشة: فقطعناه، فجعلنا منه وسادة أو وسادتين[7].
والعلماء لهم في حكم التصوير كلام وتفصيل؛ ولا خلاف بينهم في أن نحت التماثيل محرم شرعًا، وأغلبهم على تحريم الصور عمومًا إلا ما دعت الضرورة إليه كالصور اللازمة للتعريف بالشخص في الرخص والبطاقات وجوازات السفر وغير ذلك من المستجدات، أما تصوير ما لا روح فيه كالشجر والجبل والسيارات ونحو ذلك فلا حرج فيه، والله أعلم[8].


[1] انظر: معتقد أهل السُّنَّة الجماعة في أسماء الله الحسنى (194) [دار إيلاف الدولية، الكويت، ط1].
[2] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5954)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2107).
[3] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5951)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2108).
[4] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5962).
[5] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5963)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2110).
[6] أخرجه مسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2110).
[7] أخرجه مسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2107).
[8] انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (3/252 ـ 256) [دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1418هـ]، وفتاوى كبار العلماء في التصوير، جمع وإعداد: عبد الرحمن الشثري [مكتبة الرضوان، مصر، ط3، 1429هـ].


الفرق بين الخلق والبَرء والتصوير:
إذا ورد ذكر الخالق والبارئ والمصور مقرونًا في مكان واحد؛ فالخالق هو المقدر قبل الإيجاد، والبارئ هو الموجد من العدم على مقتضى الخلق والتقدير، والمصور هو المشكِّل لكل موجود على الصورة الخاصة التي أوجده عليها، فالخالق عام، والبارئ أخص من الخالق، والمصور أخص منهما. وهذه الفروق تعرف عند اجتماع هذه الأسماء، وأما عند افتراقها فكل اسم من هذه الأسماء يشمل معناه ومعاني الاسمين الآخرين[1]، والله أعلم.


[1] انظر: شفاء العليل لابن القيم (208) [دار الكتب العلمية، ط2، 1413هـ].


التصوير صفة فعلية ثابتة لله عزّ وجل، فهي من جملة الصفات التي أنكرتها الجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية، ومن جملة الصفات التي أنكرتها الكلابية والأشاعرة والماتريدية الذين ينكرون صفات الأفعال لله تعالى، والحق الصحيح: أنه يجب إثباتها لله عزّ وجل كما يليق بجلاله وعظمته، لدلالة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك.



1 ـ «تفسير السعدي» (ج5).
2 ـ «تفسير الطبري» (ج22).
3 ـ «جامع البيان»، للإيجي.
4 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، لسعيد القحطاني.
5 ـ «شفاء العليل»، لابن القيم.
6 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
7 ـ «فتاوى كبار العلماء في التصوير»، جمع وإعداد: عبد الرحمن بن سعد الشثري.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «تفسير البغوي» (ج5).
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
11 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.