التَّعْبيدُ لغة: التذليل. يقال: طريق مُعبَّد: مسلوك مُذلل، والتعبيد والاعْتبادُ والاسْتِعْبادُ بمعنى. واستعبدت فلانًا: اتخذته عبدًا، وتعبد فلان فلانًا؛ إذا صيَّره كالعبد له وإن كان حرًّا، وأعبد فلان فلانًا؛ أي: جعله عبدًا[1]، ويأتي التعبيد بمعنى: التأليه[2].
[1] انظر: مقاييس اللغة (4/206) [دار الفكر، 1399هـ]، ولسان العرب (3/274) [دار صادر، ط3، 1414هـ]، والقاموس المحيط (297) [مؤسسة الرسالة، ط8، 1426هـ].
[2] انظر: الصحاح (6/2224) [دار العلم، ط4].
اتفق العلماء على تحريم التعبيد لغير الله تعالى، إلا أن بعض العلماء حكى خلافًا في اسم عبد المطلب كما سيأتي في المسائل.
ومسألة التعبيد لغير الله يختلف تحريمها باختلاف نية صاحبها وحقيقة فعله؛ فإن كان مع هذه التسمية عابدًا لغير الله على الحقيقة متعلقًا بذلك خوفه ورجاؤه ومحبته، كما هي الحال بالنسبة لله تعالى، فذلك داخل في الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وإن لم يكن كذلك وإنما مجرد تسمية من غير تعلق وعبادة، فذلك داخل في الشرك الأصغر[1].
[1] انظر: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (16/27)، والشرك في القديم والحديث (1/219) [مكتبة الرشد، ط1، 1426هـ]، وإعانة المستفيد (2/288)، والقول المفيد (3/65) [دار العاصمة، ط1، 1415هـ].
وردت أدلة كثيرة في بيان عبودية الخلق لله تعالى والنهي عن تعبيدهم لغيره سبحانه وتعالى، فمن ذلك:
ـ قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 79] . فالتعبيد لغير الله إذا لم يكن فيه عبادة حقيقية، فهو ذريعة إلى عبادة غير الله تعالى.
ـ ما ورد من تسمية بعض الصحابة رضي الله عنهم في الجاهلية بأسماء معبدة لغير الله، ثم لما أسلموا غيّرها النبي صلّى الله عليه وسلّم فمن ذلك: ما ورد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: «كان اسمي عبد عمرو ـ وفي رواية عبد الكعبة ـ، فلما أسلمت سماني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الرحمن»[1].
ـ وما رواه يزيد بن هاني رضي الله عنه قال: «سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم قومًا يسمون رجلاً منهم: عبد الحجر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما اسمك؟» قال: عبد الحجر، قال: «لا، أنت عبد الله» [2].
ـ إجماع العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله تعالى[3].
[1] أخرجه البزار (3/220) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، والطبراني في الكبير (1/126) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، والحاكم (معرفة الصحابة، رقم 5336)، والضياء في المختارة (3/104) [دار خضر، ط3]، وقال: سنده حسن.
[2] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (282) [دار البشائر، ط3]، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/262) وصححه الألباني في في صحيح الأدب المفرد (1/302).
[3] كما قال ابن حزم رحمه الله: «اتفقوا على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله؛ كعبد عمر وعبد الكعبة وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب». مراتب الإجماع (154). وقد نقله العلماء عنه، واحتجوا به على تحريم ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وشريعة الإسلام الذي هو الدين الخالص لله وحده: تعبِيدُ الخلق لربهم كما سنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتُغيرُ الأَسماء الشركية إلى الأسمَاءِ الإسلامية، والأَسْمَاء الكفرية إلى الأسماء الإيمانية، وعامة ما سمّى به النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله وعبد الرحمن، كما قال تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] فإن هذين الاسمين أصل بقية أسماء الله تعالى»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «لا تحل التسمية بعبد علي، ولا عبد الحسين، ولا عبد الكعبة...»[2].
وقال ابن باز رحمه الله: «أجمع العلماء على أنه لا يجوز التعبيد لغير الله سبحانه، فلا يجوز أن يقال: عبد النبي، أو عبد الحسين، أو عبد الكعبة، أو نحو ذلك؛ لأن العبيد كلهم عبيد الله سبحانه وتعالى»[3].
[1] مجموع الفتاوى (1/379).
[2] تحفة المودود بأحكام المولود (80).
[3] مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (16/27).
المسألة الأولى: حكم التسمية بـ(عبد المطلب):
ذهب ابن حزم إلى جواز التسمية بـ(عبد المطلب)، وإن كان فيه تعبيدًا لغير الله تعالى، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الحديبية: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» [1]، قال ابن حزم: «اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله... حاشا عبد المطلب»[2].
والراجح: عدم جواز التسمي بذلك، وأن هذا الاسم في التحريم كغيره من الأسماء المعبدة لغير الله تعالى، وقد تقدم تغيير النبي صلّى الله عليه وسلّم لعدد من الأسماء المعبدة لغير الله، وعلى هذا القول أكثر العلماء والمحققين من أتباع المذاهب، وقد أجاب ابن القيم عن القول الأول، بقوله: «أما قوله: «أنا ابن عبد المطلب» فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك، وإنما هو باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى دون غيره، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، ولا وجه لتخصيص أبي محمد بن حزم ذلك بعبد المطلب خاصة، فقد كان الصحابة يسمون بني عبد شمس وبني عبد الدار بأسمائهم ولا ينكر عليهم النبي، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، فيجوز ما لا يجوز في الإنشاء»[3].
وقال سليمان بن عبد الله: «لا تجوز التسمية بعبد المطلب ولا غيره مما عُبّد لغير الله، وكيف تجوز التسمية وقد أجمع العلماء على تحريم التسمية بعبد النبي، وعبد الرسول، وعبد المسيح، وعبد علي، وعبد الحسين، وعبد الكعبة؟ وكل هذه أولى بالجواز من عبد المطلب لو جازت التسمية به»[4].
المسألة الثانية: نسبة التعبيد لغير الله إلى آدم عليه السلام:
ذكر المفسرون ـ في تفسيرهم لقوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الأعراف] ـ روايات كثيرة في المراد بالآية الكريمة، ونسبة التعبيد لغير الله إلى آدم وحواء عليه السلام، فمن ذلك ما رُوي عن مجاهد رحمه الله أنه قال في تفسير الآية الكريمة: «كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد، فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد، فسمياه: عبد الحارث! ففعلا وأطاعاه، فذلك قول الله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ} الآية [الأعراف] »[5].
وعن قتادة رحمه الله قال: «شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته»[6].
وبناء على ما تقدم من كلام ابن عباس رضي الله عنهما وما نقله المفسرون من الروايات في ذلك، اختلف العلماء في المراد بالآية على قولين:
الأول: أن المعنِيَّ بالآية الكريمة هو آدم وحواء عليه السلام ونسبة الشرك إليهما في قوله تعالى: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}؛ أي: في التسمية، ولم يكن ذلك في العبادة. وقد رجح هذا القول الطبري والبغوي وغيرهما من المفسرين، وقد سرد الطبري عددًا من الروايات عن السلف تدل على أن المراد بالآية هو آدم وحواء عليه السلام، كما أشار إلى القول الثاني في المسألة ثم قال: «وأولى القولين بالصواب، قول من قال: عنى بقوله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ} في الاسم لا في العبادة، وأن المعنيَّ بذلك آدم وحواء، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك»[7].
القول الثاني: أن المعني بالآية الكريمة، ليس آدم وحواء عليه السلام وإنما ذرية آدم عليه السلام، وهذا هو المنقول عن الحسن البصري رحمه الله، حيث قال في قوله تعالى: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}: «عُني بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده»[8].
وقد رجح هذا القول وانتصر له ابن كثير رحمه الله، وأجاب عن الآثار التي استدل بها أصحاب القول الأول، بأنها من الآثار المأخوذة عن أهل الكتاب، فقال: «وهذه الآثار يظهر عليها ـ والله أعلم ـ أنها من آثار أهل الكتاب... وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد المشركون من ذريته»[9].
وقد اختار هذا القول ابن القيم رحمه الله فقال: «فالنفس الواحدة وزوجها آدم وحواء، واللذان جعلا له شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يلتفت إلى غير ذلك مما قيل: إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولد...»[10].
وهذا القول هو الراجح في هذه المسألة، وقد أبطل الشيخ ابن عثيمين القول الأول من سبعة أوجه، ثم قال: «فهذه الوجوه تدل على أن هذه القصة باطلة من أساسها، وأنه لا يجوز أن يعتقد في آدم وحواء أن يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال، والأنبياء منزهون عن الشرك مبرؤون منه باتفاق أهل العلم»[11].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 2864)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، رقم 1776) (3/1121 رقم 1776).
[2] مراتب الإجماع (154) [دار الكتب العلمية].
[3] تحفة المودود (81).
[4] تيسير العزيز الحميد (633) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ].
[5] رواه الطبري في تفسيره (13/312) [دار الفكر، بيروت، بدون، 1405هـ].
[6] رواه أيضًا الطبري في تفسيره (13/312).
[7] تفسير الطبري (13/315).
[8] رواه الطبري في تفسيره (13/315).
[9] تفسير ابن كثير (2/306) [دار الفيحاء، ط1، 1413هـ].
[10] روضة المحبين (289) [دار الكتب العلمية].
[11] القول المفيد لابن عثيمين (3/68).
التعبيد لغير الله تعالى وسيلة إلى عبادة غير الله، فهو ذريعة من ذرائع الشرك، كما أن ذلك كفر لنعمة الله تعالى بنسبة التعبيد إلى غير الله.
المصادر والمراجع:
1 ـ «تحفة المودود في أحكام المولود»، لابن القيم.
2 ـ «تفسير ابن جرير الطبري».
3 ـ «تفسير ابن كثير».
4 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
5 ـ «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية»، لشمس الدين الأفغاني.
6 ـ «روضة المحبين ونزهة المشتاقين»، لابن القيم.
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «مراتب الإجماع»، لابن حزم.