حرف التاء / التعطيل

           

التعطيل: مصدر للفعل عطّل، قال ابن فارس: «العين والطاء واللام أصلٌ صحيح واحد، يدل على خُلُو وفَراغ. تقول: عُطِّلَت الدار، ودار مُعطّلة. ومتى تركت الإبل بلا راع، فقد عُطِّلت»[1] ويقول الجوهري في تعريف العطل: «والعَطَلُ أيضًا، مصدر عَطِلت المرأة، وتعطّلت، إذا خلا جيدها من القلائد... وقد يستعمل العَطَل في الخلوّ من الشيء، وإن كان أصله في الحلي»[2]. قال سبحانه وتعالى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج: 45] . فالتعطيل يدل على خلوّ الشيء وفراغه مما ينبغي له.


[1] مقاييس اللغة (4/351) [دار الجيل، ط1].
[2] الصحاح (5/1767) [دار العلم للملايين، ط3].


التعطيل: هو نفي وإنكار الخالق، أو نفي صفاته وأسمائه جزئيًّا أو كليًّا. وقيل: التعطيل إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات؛ سواء كان كليًّا أو جزئيًّا، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود[1]. يقول شيخ الإسلام: «فمن نفى ما لا بد منه كان معطلاً»[2]. وقيل: «المعطلة الذين يزعمون أن الأشياء كائنة من غير تكوين، وأنه ليس لها مكون ولا مدبر»[3]. وفي مفاتيح العلوم: «المعطلة: الذين لا يثبتون الباري سبحانه وتعالى»[4]. والتعريفان الأخيران قد ركّزا على أن التعطيل هو نفي الخالق؛ وهذا جزء من التعطيل، والتعطيل أعم من ذلك.


[1] انظر: شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/91) [دار ابن الجوزي، ط2، 1415هـ].
[2] الصفدية (1/101) [مكتبة ابن تيمية، ط2، 1406هـ].
[3] التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملط (91 ـ 92) [المكتبة الأزهرية، 1413هـ]، وانظر: المفردات (572) [دار القلم، ط1، 1412هـ].
[4] مفاتيح العلوم (55) [دار الكتاب العربي، ط2، 1409هـ].


المعنى اللغوي للتعطيل وهو الخلوّ والفراغ، هو المستعمل في الشرع؛ إذ يعني: خلو الرب تعالى من الصفات، أو تفريغ الصفات من معانيها ومدلولاتها الصحيحة، وخلو الكون من خالق.



الزندقة، الإلحاد، نفي الصفات؛ وإن كان لفظ التعطيل أعم من نفي الصفات.



بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية حقيقة قول المعطلة بجميع أصنافهم، حيث قال عن نفاة الصفات: «لهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات معطلة لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله تعالى؛ وإن كانوا هم قد لا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل... فآل بهم إغراقهم في نفي التشبيه، إلى أن وصفوه بغاية التعطيل. ثم إنهم لم يخلصوا مما فروا منه؛ بل يلزمهم على قياس قولهم أن يكونوا قد شبهوه بالممتنع الذي هو أخس من الموجود والمعدوم الممكن»[1].
وقال عن حقيقة قول أهل الوحدة: «والقائلون بوحدة الوجود حقيقة قولهم هو قول ملاحدة الدهرية الطبيعية؛ الذين يقولون: ما ثم موجود إلا هذا العالم المشهود، وهو واجب بنفسه، وهو القول الذي أظهره فرعون»[2].
وقال ابن القيم مبيِّنًا حقيقة قول الفلاسفة: «هو إنكار ماهية الرب الزائدة على وجوده، وإنكار صفات كماله، وأنه لا سمع له، ولا بصر، ولا قدرة ولا حياة، ولا إرادة ولا كلام ولا وجه، ولا يدين، وليس فيه معنيان متميز أحدهما عن الآخر البتة»[3].
وقال الإمام أحمد: «فعند ذلك تبيَّن للناس أنهم لا يثبتون شيئًا ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية»[4].


[1] مجموع الفتاوى (5/326 ـ 327)، وانظر: مجموع الفتاوى (3/354 ـ 355) (12/507، 156) (13/150، 186) (16/454).
[2] درء التعارض (3/163)، وانظر حقيقة غيرهم من المعطلة في: مجموع الفتاوى (2/248)، الصفدية (1/244) (1/242).
[3] الصواعق المرسلة (3/929)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية (1/464 ـ 465)، ومجموع الفتاوى (6/516 ـ 517).
[4] الرد على الزنادقة والجهمية.


التعطيل ثلاثة أقسام[1]:
1 ـ تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه.
2 ـ تعطيل الصانع سبحانه وتعالى عن كماله المقدس، بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله.
3 ـ تعطيل معاملته سبحانه وتعالى عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.
والنوع الأول والثاني من أنواع التعطيل من الشرك في الربوبية، والنوع الثالث من الشرك في الألوهية.


[1] الجواب الكافي (90) [مكتبة الرياض الحديثة]، وانظر: تيسير العزيز الحميد (43 ـ 44، 115).


من آثار مقولات المعطلة:
1 ـ الطعن في نصوص الوحي، وما ترتب عليه من الطعن في الدين وإثارة الشبه والشكوك فيه.
2 ـ تهميش النصوص الشرعية، وتضخيم جانب العقل، وتقديمه على النقل.
3 ـ ما ترتب على قول الجهمية من المقولات الفاسدة في الصفات والتي انبثقت من قول الجهمية، وتأثرت بها.
4 ـ تشكيك الناس في عقائدهم بما جاؤوا به من فكر فلسفي وافد، مبني على أصول وثنية.



1 ـ الجهمية والفلاسفة قالوا بإنكار جميع الأسماء والصفات[1].
2 ـ مذهب المعتزلة إثبات الأسماء ونفي الصفات[2].
3 ـ مذهب الكلابية والأشاعرة والماتريدية إثبات الأسماء وبعض الصفات، على اختلاف بينهم فيما يثبت من الصفات، وفي قيام الصفة بذات الرب، وهل هي قديمة أم لا[3].
وقولهم في تعطيل صفات الرب باطل مخالف لنصوص الصفات في الكتاب والسُّنَّة.


[1] انظر: النجاة لابن سينا (2/108) [دار الجيل، ط1، 1412هـ]، وتفسير ما بعد الطبيعة لابن رشد (547) [دار المشرق، 1973م]، والمواقف للإيجي (279)، وانظر في كتب أهل السُّنَّة: درء التعارض (4/24 ـ 25) (5/302 ـ 310).
[2] انظر: المواقف للإيجي (415)، وانظر في كتب أهل السُّنَّة: درء التعارض (4/24 ـ 25) (5/302 ـ 310).
[3] انظر: الإرشاد للجويني (143 ـ 144)، المواقف للإيجي (279 ـ 311)، والتمهيد لأبي المعين النسفي (28)، وشرح الفقه الأكبر لملا علي قاري (35)، ومقالات الإسلاميين (1/249 ـ 250، 2/225)، وانظر في كتب أهل السُّنَّة: الاستقامة (1/105).


1 ـ «بغية المرتاد»، لابن تيمية.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية»، لابن تيمية.
3 ـ «التعريفات الاعتقادية»، لسعد آل عبد اللطيف.
4 ـ «الرد على الزنادقة والجهمية»، للإمام أحمد.
5 ـ «شرح العقيدة الواسطية» (ج1)، لابن عثيمين.
6 ـ «الصفدية» (ج1)، لابن تيمية.
7 ـ «الصواعق المرسلة» (ج1)، لابن القيم.
8 ـ «القواعد الكلية للأسماء والصفات»، للبريكان.
9 ـ «مقالة التعطيل»، لمحمد التميمي [بحث منشور] .