حرف التاء / التعظيم

           

التعظيم: مشتق من: العِظَم وهو: الكِبَر والقوة، مصدر الشيء العظيم. وأعظم الأمر وعظَّمه؛ أي: فَخَّمه وأجله وأكبره.
فالتعظيم إذن: التكبير، والتفخيم، والتبجيل، والإجلال، والإكبار[1].


[1] انظر: مقاييس اللغة (4/355) [دار الجيل، 1420هـ]، وتهذيب اللغة (2/302) [الدار المصرية، ط1، 1384هـ]، والصحاح (5/1988) [دار العلم للملايين، ط4، 1407هـ]، والقاموس المحيط (1139) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1424هـ].


التعظيم: هو التكبير والإجلال والتبجيل لله جلّ جلاله ولكل ما عظمه سبحانه، وذلك يقتضي حفظ حقه من الإضاعة، وتوفية الواجب فيه كما أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم من غير تعد لحدوده بغلو وإفراط أو جفاء وتفريط[1].


[1] انظر: تفسير الطبري (16/534) [دار هجر، ط1، 1422هـ]، وتفسير البغوي (5/383) [دار طيبة، 1411هـ]، وتفسير ابن كثير (3/292) [مؤسسة الريان، ط2، 1417هـ]، ومدارج السالكين (2/90) [مكتبة الرشد، ط1، 1426هـ].


إن تعظيم الله سبحانه وتعالى وتعظيم ما عظَّمه يتضمن الإجلال والإكرام والإكبار والتبجيل الذي هو معنى التعظيم في لغة العرب.



دين الإسلام قائم على تعظيم الله جلّ جلاله وتعظيم ما عظَّمه سبحانه، فواجب على كل عبد آمن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا رسولاً أن يعظم الله التعظيم المطلق المقتضي توحيده وإفراده بكل خصائص الربوبية والألوهية والأسماء الحسنى والصفات الكاملة العلى، والتمسك بدينه، وتعظيم كل ما عظمه سبحانه من الأوامر والنواهي والأشخاص والأزمنة والأمكنة كما عظمها في كتابه وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا التعظيم من منازل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *}، وهي منزلة تابعة للمعرفة فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب. وأعرف الناس به: أشدهم له تعظيمًا وإجلالاً وتعظيمًا لما عظمه سبحانه.
وقد ذمَّ الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته ولا عرفه حق معرفته ولا وصفه حق صفته، فقال تعالى: {مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا *} [نوح] ؛ أي: لا ترجون لله عظمة[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (2/617 ـ 618).


التعظيم: رتبة فوق المحبة، وحقيقته التبجيل والإكبار للمُعَظَّم؛ لما له في نفسه من الصفات العلية، ولما يتعلق به من حاجات المُعَظِّم التي لا قضاء لها إلا عنده ويلزمه من مننه التي لا قوام له بشكرها وإن جد واجتهد. ويتحقق هذا التعظيم بإجلال المُعَظَّم وتقديره والقيام بحقه وأمره وابتغاء مرضاته واجتناب مساخطه ونهيه وتعظيم ما عظمه كما أمر بتعظيمه[1].


[1] انظر: شعب الإيمان (3/95) [مكتبة الرشد، ط1، 1423هـ].


دين الإسلام قائم على تعظيم الله جلّ جلاله وتعظيم ما عظَّمه سبحانه، ولا تستقر لعبد قدم في الإسلام بدون تعظيم لله جلّ جلاله ولدينه وشرعه وشعائره ونبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم. فإن الدين قول وعمل، وأصل العمل عمل القلب وهو الحب والتعظيم المنافي للبغض والاستكبار.
وحقيقة التوحيد الذي هو أصل الإسلام وأساس دعوة الرسل: أن لا يعبد إلا الله. وهذه العبادة التي هي الغاية من خلق الإنس والجن وعليها مدار الدين تتضمن كمال الحب المتضمن معنى الحمد، وتتضمن كمال الذل المتضمن معنى التعظيم، ففي العبادة حبه وحمده على المحاسن، وفيها الذل له الناشئ عن عظمته وكبريائه. ففيها إجلاله وإكرامه. وهو سبحانه المستحق لغاية الإجلال وغاية الإكرام.
وهذا تحقيق قولنا: (لا إله إلا الله)؛ فإن الإله هو الذي تألهه القلوب؛ لكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإعظام والإكرام والرجاء والخوف ونحو ذلك.
فأصل الدين وقاعدته يتضمن أن يكون الله هو المعبود الذي تحبه القلوب وتخشاه وتعظمه وتكبره ولا يكون لها إله سواه.
ومعاني التعظيم كما هي ظاهرة في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فهي ظاهرة كذلك في بقية الباقيات الصالحات: (سبحان الله) و(الحمد لله) و(الله أكبر)، ففي (سبحان الله): إثبات عظمته، ولهذا قال عزّ وجل: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ *} [الواقعة] ، والتسبيح يتضمن التعظيم.
والأمر بتسبيحه يقتضي أيضًا تنزيهه عن كل عيب وسوء وإثبات صفات الكمال له. فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها. فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده.
وفي (سبحان الله وبحمده) و(الحمد لله): إثبات تنزيهه وتعظيمه وإلهيته وحمده والثناء عليه بأوصاف الكمال والجلال.
وفي (الله أكبر): إثبات عظمته، فإن الكبرياء تتضمن العظمة.
فالدين كله قائم على التعظيم، وما يضاد التعظيم من الاستخفاف والتنقص والاستهزاء مناف لدين الله بالكلية، ومسقط للهيبة والاحترام والتعظيم لله ولرسوله ولدينه، فقيام المدحة والثناء والتعظيم والتوقير قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (1/136، 10/248 ـ 254، 488، 11/523 ـ 524، 14/214، 16/125، 28/178)، والصارم المسلول (2/397).


قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ *} [الواقعة] .
وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ *} [الحِجر] .
وقوله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ *وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ *ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ *حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ *ذَلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ *لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ *} [الحج] .
وأما الأدلة من السُّنَّة على التعظيم فكثيرة نصًّا ومعنى؛ ومنها:
حديث صلح الحديبية الذي رواه عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها» [1].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع: «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا، قال: فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ ثلاثًا، كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. قال: ويحكم أو ويلكم لا ترجعُنّ بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» [2].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»[3].
أقوال أهل العلم:
قال ابن تيمية رحمه الله: «التوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار»[4].
قال السعدي رحمه الله: «وله التعظيم والإجلال، في قلوب أوليائه وأصفيائه. قد ملئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه...»[5].
3 ـ وقال ابن القيم رحمه الله: «ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} منزلة التعظيم. وهذه المنزلة تابعة للمعرفة فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب. وأعرف الناس به: أشدّهم له تعظيمًا وإجلالاً. وقد ذمَّ الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته ولا عرفه حق معرفته ولا وصفه حق صفته... وروح العبادة: هو الإجلال والمحبة فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت فإذا اقترن بهذين الثناء على المحبوب المعظم فذلك حقيقة الحمد، والله سبحانه أعلم»[6].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الشروط، رقم 2731، 2732).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الحدود، رقم 6785).
[3] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 52)، ومسلم (كتاب المساقاة، رقم 1599).
[4] الصارم المسلول (2/803) [رمادي للنشر، ط1، 1417هـ].
[5] تفسير السعدي (946) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[6] مدراج السالكين (2/617 ـ 618).


التعظيم: على ثلاث درجات:
الأولى: تعظيم الأمر والنهي. وهو: أن لا يعارضا بترخص جافٍ، ولا يعرّضا لتشدد غال، ولا يحملا على علّة توهن الانقياد. وهذه الدرجة تتضمن تعظيم الحكم الديني الشرعي.
الدرجة الثانية: تعظيم الحكم؛ أن يُبغَى له عوج، أو يدافع بعلم، أو يرضى بعوض. وهذه الدرجة تتضمن تعظيم الحكم الكوني القدري.
الدرجة الثالثة: تعظيم الحق سبحانه، وهذه الدرجة تتضمن تعظيم الحاكم سبحانه صاحب الخلق والأمر.
ومن تعظيم الله جلّ جلاله ثلاثة أشياء:
أحدها: أن لا تجعل دونه سببًا؛ أي: لا تجعل للوصلة إليه سببًا غيره؛ بل هو الذي يوصل عبده إليه، فلا يوصل إلى الله إلا الله.
الثاني: أن لا يرى عليه حقًّا؛ أي: لا ترى لأحد من الخلق ـ لا لك ولا لغيرك ـ حقًّا على الله؛ بل الحق لله على خلقه.
الثالث: أن لا ينازع له اختيارًا؛ أي: إذا رأيت الله سبحانه وتعالى قد اختار لك أو لغيرك شيئًا إما بأمره ودينه وإما بقضائه وقدره فلا تنازع اختياره؛ بل ارض باختيار ما اختاره لك، فإن ذلك من تعظيمه سبحانه[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (2/618 ـ 625)، و(2/91 ـ 109).


المسألة الأولى: تحريم تعظيم ما لم يعظمه الله جلّ جلاله:
مثل: الكفر، والمعاصي، والأنصاب، والأوثان، والتماثيل، وعَلَم الدولة (تحية العلم؛ أي: القيام له)، وأزمنة أو أمكنة غير مخصوصة بالشرع، ونحو ذلك[1].
المسألة الثانية: تحريم مجاوزة الحد في التعظيم المشروع:
ومن ذلك: الغلو في تعظيم الصالحين، وطاعة أي مخلوق في معصية الخالق[2].
وهذا لأن تعظيم أي شيء يشترط له في الشرع شرطان:
الأول: تعظيم الشرع له.
الثاني: التزام حدود الشرع في هذا التعظيم.
فما لم يعظمه الشارع فلا يجوز تعظيمه، وما عظمه يجب التزام حدود الشارع وشرطه في هذا التعظيم، من غير غلو وإفراط ولا جفاء وتفريط.
قال ابن تيمية رحمه الله: «يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء؛ بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله. وكل ما أحب لغير الله فمحبته فاسدة، وما عظم بغير أمر الله كان تعظيمه باطلاً»[3].
وقال أيضًا: «فإن كل ما عظم بالباطل من مكان أو زمان أو حجر أو شجر أو بنية يجب قصد إهانته، كما تهان الأوثان المعبودة، وإن كانت لولا عبادتها لكانت كسائر الأحجار»[4].


[1] انظر مثلاً: فتاوى اللجنة الدائمة (1/236، 12/20) [دار العاصمة، ط1، 1419هـ].
[2] انظر: المصدر نفسه.
[3] مجموع الفتاوى (10/153).
[4] اقتضاء الصراط المستقيم (1/535) [دار أشبيليا ـ ط2 ـ 1419هـ].


من ثمرات تعظيم الله وتعظيم حرماته:
1 ـ نيل الخيرية عند الله سبحانه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] .
2 ـ تحقيق التقوى الجامعة لكل خير: {ذَلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ *} [الحج] .
3 ـ صلاح القلب بازدياد محبة الله سبحانه وتعالى والخوف منه ورجاء رحمته، ونحو ذلك من أعمال القلوب التي تقوى كلما قوي تعظيم الله في القلب، وتضعف كلما ضعف تعظيم الله وتعظيم حرماته.
4 ـ مراقبته سبحانه، والاستحياء منه من تقصير في واجب أو فعل محرم ولو كان صغيرًا، فإن المعظم لله لا ينظر إلى صغر المعصية ولكن ينظر إلى عظمة من عصاه، فيحول ذلك بينه وبين الذنوب[1].
5 ـ حفظ حقوق الله وحقوق عباده، وإعطاء كل ذي حق حقه من غير غلو ولا جفاء.
6 ـ الاستقامة على دين الله والتمسك به تعلمًا وعملاً به، وتعليمًا ودعوة إليه.
7 ـ حراسة الدين وحماية شعائره ومقدساته من أن تنتهك حرمتها أو تمتهن عظمتها، والوقوف ضد عبث الملحدين وأشباههم بها.
8 ـ الفوز بالقرب من الله ونيل رضاه ودخول جنته، والنجاة من سخطه وناره.


[1] انظر: مدارج السالكين (1/362)، الجواب الكافي (46).


الناس في التعظيم طرفان ووسط:
أما الوسط: فهم أهل الحق أتباع المرسلين؛ وهؤلاء يعظمون الله ويعظمون ما عظمه الله جلّ جلاله وأمر بتعظيمه، وتعظيمهم كله وفق شرع الله سبحانه وتعالى وكما أمر بلا تعد لحدود الله وشرعه.
وأما الطرفان فهما:
الغلاة: وهم من يعظمون ما لم يعظمه الله تعالى، أو يتعدون الحدود في التعظيم ولا يلتزمون بحدود الشرع في ذلك، فيعظمون الله أو شعائره لكن بغير ما شرع؛ كمن يعظم الله بنفي أسمائه وصفاته أو شيء منها بشبهة نفي التشبيه؛ فيقعون فيما فروا منه من تعطيل الله عن كمال صفاته وحسن أسمائه وجلاله، وكمن يعظم الأنبياء والصالحين برفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله إياها فيدعي فيهم شيئًا من خصائص الربوبية أو الألوهية، ويصرف لهم شيئًا من العبادات التي لا تكون إلا لله وحده، ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وقد كان أصل عبادة الأوثان من تعظيم القبور، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا *} [نوح] . قال السلف كابن عباس رضي الله عنهما وغيره: «كان هؤلاء قومًا صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم»[1]»[2].
ثانيًا: الجفاة: وهم الذين لا يعظمون الله حق التعظيم، أو لا يعظمون ما عظمه الله وأمر بتعظيمه، فعندهم استخفاف بحرمات الله وشعائره. وهذه سمة الكفرة والمشركين، ومن شابههم من عصاة الموحدين أهل الكبائر لا سيما المجاهرون بالمعاصي منهم.
وهذا الغلو والجفاء موجود في كل الفرق الخارجة عن أهل السُّنَّة والجماعة؛ فإن انحرافهم عن سبيل الفرقة الناجية ـ الصراط المستقيم ـ يكون إما بسبب الغلو إما بسبب الجفاء، وهدى الله إلى الوسط الحق أهلَ السُّنَّة والجماعة الذين يمثلون الامتداد الصافي للإسلام الحق الذي كان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والذين وصفهم الله تعالى بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .


[1] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4920).
[2] مجموع الفتاوى (27/124).


1 ـ «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1)، لابن تيمية.
2 ـ «الجواب الكافي» (ج1) ابن القيم.
3 ـ «تفسير البغوي» (ج5).
4 ـ «تفسير الطبري» (ج16، 23).
5 ـ «تفسير ابن كثير» (ج5).
6 ـ «شعب الإيمان» (ج3)، للبيهقي.
7 ـ «الصارم المسلول»، لابن تيمية.
8 ـ «مدارج السالكين» (ج2)، لابن القيم.
9 ـ «مجموع الفتاوى» (ج1، 10، 11، 14، 16، 27، 28)، لابن تيمية.
10 ـ «تفسير السعدي».