حرف الألف / الأحوال

           

الأحوال جمعُ حال، قال ابن فارس رحمه الله: «حول: الحاء والواوُ واللامُ أصلٌ واحد، وهو تحرُّكٌ في دَوْر...»[1]. وهو في اللغة كِينةُ الإنسان وما هو عليه[2]، وما كان عليه الإنسانُ أو الحيوانُ أو الشيءُ من هيئةٍ وصفات. ولفظُ الحال يُذَكَّرُ ويؤنَّث[3]، وكلاهما ـ الحال والحالة ـ بمعنى واحد، إلا أن الأول: يُنبئُ عن الإبهام، فيناسبُ الإجمال، والثاني: يدلُّ على الإفراد، فيناسبُ التفصيل[4].


[1] مقاييس اللغة (2/121) [دار الجيل، 1999م].
[2] القاموس المحيط (12) [دار الرسالة، ط2، 1987م].
[3] الرائد (331) [دار العلم للملايين، ط3، 2005م].
[4] انظر: الكليّات للكفوي (374) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1993م]، والمعجم الفلسفي لجميل صليبا (1/437 ـ 438) [الشركة العالمية للكتاب، 1414هـ].


عرَّفه الإيجي بأنه: «الواسطة بين الموجود والمعدوم»[1].
وقال الكفوي: «وأثبت بعض المتكلمين واسطة بين الموجود والمعدوم، وسمّاها الحال، وعرف بأنها صفة لا موجودة ولا معدومة، لكنها قائمة بموجود؛ كالعالمية، وهي النسبة بين العالم والمعلوم»[2].
وسيأتي شرح التعريف بعد استعراض نشأة نظرية الحال.


[1] المواقف للإيجي (57) [عالم الكتب، بيروت].
[2] الكليات للكفوي (374).


يدل على الحال أسماء أخر؛ منها: الكيفية، والمقام، والهيئة، والصفة، والصورة.



نظرية الأحوال نظرية باطلة لا تعني سوى المماحكة اللفظية، والتستر وراء الألفاظ في محاولة دفع مدلولات النصوص التي تثبت صفات الكمال لله عزّ وجل، وإثبات صفة لا موجودة ولا معدومة أمر لا يقبله العقل، فضلاً عن تفسيرها، ولذلك قال بعض السلف: عجائب الكلام التي لا حقيقة لها ثلاثة: طفرة النظام، وأحوال أبي هاشم، وكسب الأشعري، وأنشد في ذلك:
مما يقال ولا حقيقة تحته
معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري، والحال عنـ
ـد البهشمي وطفرة النظام[1].


[1] انظر: منهاج السُّنَّة النبوية (1/459) [جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط1، 1406هـ].


الأحوال التي اخترعها أبو هاشم الجبائي وتبعه من تبعه من المتكلمين لا حقيقة لها إن لم تكن هي الصفات، ولذلك جزم من جزم من السلف أن الحال مما يقال ويذكر ولا حقيقة تحته، أما ما سبق من محاولات تعريفه، وأنه واسطة بين الموجود والمعدوم؛ فإنه أمر لا وجود له.



أهمية نظرية الأحوال عند من قال بها من المعتزلة مرتبطة بأهمية الموضوع، فبما أنهم بحاجة إلى تسويغ نفيهم للصفات التي يثبتها الله سبحانه لنفسه، ويثبتها له نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فلا بد من تسويغ لهذا النفي، وإلا؛ فكيف يمكن الجمع بين وصف الله سبحانه نفسه بالصفات، وبين كون إثباتها له منافيًا للتوحيد على زعم المعتزلة؟
وهي نظرية من أشهر النظريات التي اخترعها أبو هاشم الجبائي لبيان استحقاق الله سبحانه وتعالى للصفات، إلا أنه لا يسميها صفات؛ بناء على زعم المعتزلة أن إثبات الصفات يلزم منه تعدد القدماء.
ونظرية الأحوال شاهدة على تخبط المعتزلة في هذه المسألة المهمة من أصول الدين؛ إذ حاول أبو هاشم التخلص من استعمال لفظة (الصفات)، وسماها أحوالاً، وهي: إما هي الصفات، وإما لا حقيقة لها، والاحتمال الأخير هو المتقرر بالنظر إلى إصرار أبي هاشم على أن أحواله لا هي موجودة ولا هي معدومة، وأنها ليست صفات.



أقوال أهل العلم في بيان بطلان نظرية الأحوال كثيرة؛ منها:
1 ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن يقول (عالم بالذات): «فإن كان يظن أن الذات التي لا تكون إلا عالمة قادرة يمكن وجودها مجردة عن العلم والقدرة، كما يقوله النفاة؛ فهو كلام ضال متناقض؛ فإن إثبات عالم بلا علم، وقادر بلا قدرة، وحي بلا حياة، وسميع بلا سمع، وبصير بلا بصر؛ مما يعلم فساده بالضرورة عقلاً وسمعًا، وهذا بمنزلة: متكلم بلا كلام، ومريد بلا إرادة، ومتحرك بلا حركة، ومحب بلا محبة، ومصل بلا صلاة، وصائم بلا صيام، وحاج بلا حج، وأبيض بلا بياض، وأسود بلا سواد، وحلو بلا حلاوة، ومر بلا مرارة، وطويل بلا طول، وقصير بلا قصر؛ ونحو ذلك من الألفاظ المشتقة: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المعدول عنها. فإن لم يكن هذا باطلاً في بدائة العقول عقلاً وسمعًا لم يكن لنا طريق إلى معرفة الحق من الباطل، ولهذا كان هؤلاء النفاة يعودون في آخر الأمر إلى السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات»[1].
وبيَّن شيخ الإسلام أيضًا أن مثبتي الأحوال من نفاة الصفات «يعترفون بما يستلزم إثباتها؛ فإنهم يثبتون كونه حيًّا عالمًا قادرًا، وهذا بعينه يستلزم إثبات الصفات»[2].
2 ـ وقال الإيجي عن الحال: «وبطلانه ضروري؛ لما عرفت أن الموجود ما له تحقق، والمعدوم ما ليس كذلك، ولا واسطة بين النفي والإثبات ضرورة واتفاقًا»[3].
3 ـ وقال البيجوري: «والمختار عند المحققين: أنه لا حال، وأن الحال محال...»[4].
وقد رد على القائلين بهذه النظرية كثيرون[5].


[1] درء تعارض العقل والنقل (5/33 ـ 34) [جامعة الإمام، الرياض، ط1، 1401هـ].
[2] شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام (91) [دار المنهاج، الرياض، ط1، 1430هـ].
[3] المواقف للإيجي (57).
[4] تحفة المريد للبيجوري (77) [دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ].
[5] انظر: الفصل، لابن حزم (5/51 ـ 53)، والفرق بين الفرق، للبغدادي (195 ـ 196) [المكتبة العصرية، بيروت، 1411هـ]، والمعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق (98 ـ 101) [مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 1416].


هناك فروق بين الحال وبين المصطلحات المقاربة لها، وهي: الكيفية، والمقام، والهيئة، والصفة، والصورة.
أما الفرق بين الحال والمقام : فالحال كيفية سريعة الزوال، مثل الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة العارضة، وهذه الكيفية إذا دامت وصارت ملكة سميت مقامًا.
والفرق بين الحال والملكة : إذا أطلق لفظ الحال على الهيئة النفسانية، تسمى الهيئة النفسانية أول حدوثها قبل أن ترتسخ حالاً، وبعد أن ترتسخ ملكة. والحالة: عبارة عن المعاني الراسخة؛ أي: الثابتة الدائمة، والصفة أعم منها؛ لأنها تطلق على ما هو في حكم الحركات؛ كالصوم، والصلاة. والحال أعم من الصورة؛ لصدق الحال على العرض أيضًا[1].


[1] انظر: الكليات (374)، والمعجم الفلسفي (1/438).


1 ـ «تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل»، للباقلاني.
2 ـ «الشامل في أصول الدين»، للجويني.
3 ـ «نهاية الأقدام»، للشهرستاني.
4 ـ «محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين»، للرازي.
5 ـ «أبكار الأفكار» (ج3)، للآمدي.
6 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج5)، لابن تيمية.
7 ـ «مصطلحات في كتب العقائد»، لمحمد بن إبراهيم الحمد.
8 ـ «المعتزلة وأصولهم الخمسة»، لعواد المعتق.
9 ـ «المعتزلة»، لزهدي حسن جار الله.
10 ـ «في علم الكلام: المعتزلة والأشاعرة»، لأحمد محمود صبحي.