الآخِرُ: نقيض المتقدم[1]، وقيل: خلاف الأول[2]، تقول: جاء آخِرًا؛ أي: أخيرًا، وتقديره: فاعل، والأنثى: آخره، والجمع أواخر[3]، «والآخَر بالفتح: أحد الشيئين، وهو اسم على أفعل، والأنثى: أخرى»[4].
[1] تهذيب اللغة (7/227) [دار إحياء التراث العربي، ط1]، ولسان العرب (4/11) [دار صادر، ط1].
[2] لسان العرب (4/11)، والقاموس المحيط (437) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1407هـ].
[3] المصباح المنير (1/10) [المكتبة العصرية]، ومختار الصحاح (15) [المكتبة العصرية، ط1، 1416هـ].
[4] الصحاح (2/576) [دار العلم للملايين، ط4].
صحَّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أنت الآخر فليس بعدك شيء»[1].
وللآخِر معنيان في الشرع:
1 ـ المعنى الأول: الذي ليس بعده شيء، ولا نهاية له، الباقي بعد فناء خلقه. قال ابن منده رحمه الله: «معنى الآخر هو الآخر الذي لا يزال آخرًا دائمًا باقيًا، الوارث لكل شيء، بديموميته وبقائه»[2].
2 ـ المعنى الثاني: هو الغاية الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها. قال ابن القيم رحمه الله: «الآخِر الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها، فليس وراء الله شيء يُقصد ويُعبد ويُتألَّه، كما أنه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ»[3].
والصفة من اسم الآخر: هي البقاء والآخرية فهي صفة ذاتية[4].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2713).
[2] التوحيد لابن منده (2/82) [مطابع الجامعة الإسلامية، ط1، 1409هـ].
[3] طريق الهجرتين (41) [دار ابن القيم، ط2، 1414هـ]، وانظر: المصدر نفسه (49).
[4] انظر: صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة 388 [دار الهجرة، ط3، 1426هـ].
أما على المعنى الأول؛ فالله تعالى ليس بعده شيء، ولا نهاية له، الباقي بعد فناء خلقه. واسم الآخر بهذا المعنى صفة ذاتية[1]، فهو سبحانه المتفرد بالبقاء بعد هلاك ما كتب عليه الفناء من الخلائق، كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} [الرحمن] ، ولهذا يرث خلقه بعد موتهم كما قال: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ *} [الحِجر] .
وعلى المعنى الثاني، فإن الله عزّ وجل هو الغاية الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها. واسم الآخر بهذا المعنى يتعلق بالمخلوقين، فهو الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها إيجادًا وإمدادًا، وبقاء والتجاء، وقضاء وتقديرًا، فبيده سبحانه تصريف المقادير، فهو نهاية مطلبهم وسؤالهم، والغاية، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتأهلها، ورغبتها، ورهبتها، وجميع مطالبها[2].
[1] انظر: الاعتقاد للبيهقي (37) [عالم الكتب، ط2، 1405هـ].
[2] انظر: المقصد الأسنى (216) [مكتبة الجفان والجابي، ط1، 1407هـ]، وشرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة (78) [مؤسسة الجريسي، ط11،1427هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (20)، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة، [العدد 112، 1421هـ]، وأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة (268) [مكتبة سلسبيل، ط1].
ورد هذا الاسم في القرآن مرة واحدة في قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *} [الحديد] ، وأثبته النبي صلّى الله عليه وسلّم مفسرًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنّا الدين وأغننا من الفقر»[1].
أقوال أهل العلم:
قال ابن منده: «معنى الآخر: هو الآخر الذي لا يزال آخرًا دائمًا باقيًا، الوارث لكل شيء، بديموميته وبقائه»[2].
وقال الزجاج: «هو المتأخر عن الأشياء كلها ويبقى بعدها»[3].
وقال ابن الأثير: «في أسماء الله تعالى الآخِرُ... هو الباقي بعد فناء خلقه كله، ناطقه وصامته»[4].
وقال ابن القيم: «الآخر الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها، فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويتأله، كما أنه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ»[5].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء، رقم 2713).
[2] التوحيد لابن منده (2/82).
[3] تفسير أسماء الله الحسنى (60).
[4] النهاية في غريب الحديث (1/29) [دار الفكر، 1399هـ]، ولسان العرب (4/11)، وانظر مزيدًا من الأقوال في: مدارج السالكين (3/113) [دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ]، وتفسير السعدي (949) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
[5] طريق الهجرتين (41) [دار ابن القيم، ط2، 1414هـ]، وانظر: المصدر نفسه (49).
المسألة الأولى: اسم الأول مع اسم الآخر يدل على كمال حياته تعالى:
اسم الأول والآخر يدل على كمال حياته، فهو الأول الذي لم يسبق وجوده عدم، وهو الآخر الذي ليس لحياته زوال، فله وحده البقاء والدوام من أزل الأزل إلى أبد الأبد[1].
قال ابن القيم رحمه الله: «التعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به»[2].
وقال الحليمي رحمه الله: «إذا كان موجودًا لا عن أول ولا بسبب لم يجز عليه الانقضاء والعدم، فإن كل منقض بعد وجوده فإنما يكون انقضاؤه لانقطاع سبب وجوده، فلما لم يكن لوجود القديم سبب فيتوهم أن ذلك السبب إن ارتفع عدم علمنا أنه لا انقضاء له»[3].
المسألة الثانية: الأسماء الأربعة (الأول والآخر والظاهر والباطن) تدل على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية:
قال ابن القيم رحمه الله: «مدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية، فإحاطة أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته، وكل آخر انتهى إلى آخريته، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده، فالأول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه... فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا»[4].
المسألة الثالثة: اسم الأول والآخر يقتضيان تجريد النظر لسبق فضل الله ورحمته، وعدم الوقوف مع الأسباب:
إن عبودية الله باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب، والوقوف أو الالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد؛ إذ لا وسيلة له في العدم قبل وجوده.
كما أن عبوديته سبحانه باسمه الآخر تقتضي أيضًا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها، فإنها تنعدم لا محالة، وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها.
فالتعلق بها تعلق بعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به[5].
المسألة الرابعة: صفة الآخرية لله تعالى لا تمنع أن يوصف غيره بدوام البقاء والخلود:
لا يمنع اسم الآخر أن تكون هناك مخلوقات لها صفة الديمومة؛ كالجنة والنار وغيرهما من المخلوقات، لكن من غير نفسها؛ بل من الله، وهذا ردٌّ على الجهمية الذين قالوا: لا بدّ من فناء كل شيء إلا الله، فقد زعموا أن الله يكون الآخر بعد الخلق، فلا تبقى جنة ولا نار، ولا ثواب ولا عقاب، ولا عرش ولا كرسي، وزعموا أن شيئًا مع الله لا يكون هو الآخر كما كان، وهذا باطل؛ فهذه الأشياء باقية بإبقاء الله لها، لا من نفسها، وبقاء الله صفة ذاتيه له غير مكتسبة من أحد.
[1] انظر: أسماء الله الحسنى لزين شحاته (94) [دار خضر، ط1، 1418هـ].
[2] طريق الهجرتين (40).
[3] الأسماء والصفات (1/44) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ].
[4] طريق الهجرتين (46 ـ 47)، وانظر: الاستقامة لابن تيمية (1/141) [جامعة الإمام، 1403هـ]، وانظر: علة ورود هذه الأسماء معطوفة بعضها على بعض بحرف الواو في بدائع الفوائد (1/198، 199) [دار نزار الباز، ط1].
[5] انظر: طريق الهجرتين لابن القيم (40).
1 ـ «الاستقامة» (ج1)، لابن تيمية.
2 ـ «أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرازق الرضواني.
3 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، البيهقي.
4 ـ «الاعتقاد»، للبيهقي.
5 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيم.
6 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج2)، لابن تيمية.
7 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
8 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
9 ـ «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
10 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
11 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لسعيد القحطاني.
12 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السَّقَّاف.
13 ـ «طريق الهجرتين»، لابن القيم.