التوحيد: مصدر وحّد الشيء يوحّده توحيدًا؛ إذا أفرده وجعله واحدًا، والوحدة: الانفراد، والله تعالى هو الواحد، والأحد: ذو الوحدانية والتوحيد[1].
الربوبية: مصدر رَبَبَ، ومنه الربّ. والربّ هو الله سبحانه وتعالى، هو ربُّ كل شيء؛ أي: مالكه ومستحقه[2]، وقيل: صاحبه، ولا يقال الربّ في غير الله إلا بالإضافة: فيقال: فلان ربّ هذا الشيء؛ أي: ملكه له. وكل من ملك شيئًا فهو ربه. يقال: هو رب الدابة، ورب الدار، وفلان رب البيت، وهن ربات الحجال[3].
وكلمة (الرب) في اللغة تطلق أيضًا على المَلِك[4]. وتطلق على السيد المطاع[5]. ومن معاني الرب أيضًا: المصلح للشيء[6].
[1] تهذيب اللغة (5/127) [دار إحياء التراث العربي، ط1].
[2] انظر: الصحاح (1/147) [دار العلم للملايين، ط4].
[3] تهذيب اللغة (15/128).
[4] انظر: المصدر السابق. وانظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/179) [المكتبة العلمية، ط1399هـ].
[5] انظر: الصحاح (1/147) [دار العلم للملايين، ط4]، ولسان العرب (1/400).
[6] انظر: مقاييس اللغة (2/381) [دار الفكر].
توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بأفعاله، من الخلق، والملك، والتدبير[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (10/331) (11/50) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1416هـ]، ودرء تعارض العقل والنقل (9/377) [جامعة الإمام، ط2]، والفتاوى السعدية (10) [منشورات المؤسسة السعدية بالرياض]، ولوامع الأنوار للسفاريني (1/128 ـ 129) [مؤسسة الخافقين ومكتبتها، ط2، 1402هـ].
يجب توحيد الله وإفراده بربوبيته، فهو واحد في ربوبيته لا شريك له، فليس شيء من ربوبيته لغيره، وإثبات الربوبية جزء من الإيمان لا يتم الإيمان إلا به؛ بل هو أصل في التوحيد، فمن أنكر ربوبية الله فقد جحد وكفر.
إلا أن إثبات الربوبية ليس هو كلّ الواجب، وليس هو مناط الإيمان والكفر، ولا مناط التوحيد والشرك، وليس بمجرد الإقرار به يكون العبد مؤمنًا موحِّدًا؛ بل لا بد من الإتيان بتوحيد الألوهية[1].
[1] انظر: كتاب التوحيد وإخلاص العمل لله عزّ وجل لابن تيمية (58، 59).
توحيد الربوبية يشتمل على أمور لا بد من إثباتها؛ هي:
الأول: الإيمان بوجود الله وبوحدانيته في ذاته، وأنه واحد في ربوبيته لا شريك له، فليس شيء من ربوبيته لغيره.
الثاني: الإيمان بأفعال الله تعالى العامة؛ كالخلق، والرِّزق، والتدبير، والملك، ونحو ذلك.
الثالث: إثبات صفات الله سبحانه وتعالى وإفراده بها على وجه الكمال المطلق؛ لأن أفعال الربوبية صادرة عن الصفات مثبتة لها.
الرابع: إفراد الرب بالعبادة وتوحيده في الألوهية، وهذا ما تستلزمه الربوبية.
الخامس: الإيمان بأن للرب معنى الربوبية قبل أن يوجد مربوب؛ لأن الربوبية صفة قائمة بذات الرب وتصدر آحادها عنه متى شاء، فهو خالق قبل أن يوجِد مخلوقًا، فمتى شاء أن يوجِد المخلوق خلق.
السادس: الإيمان بأن كل شيء سوى الله سبحانه وتعالى مخلوق، فالله سبحانه وتعالى بصفاته العلا هو الخالق وما سواه مخلوق[1].
[1] انظر: مفهوم الربوبية لسعد ندا (124) [مجلة الجامعة الإسلامية ـ العدد 2]، ومعنى الربوبية وأدلتها وأحكامها لمحمد بن عبد الرحمن أبو سيف الجهني (14 ـ 15).
تبرز منزلة توحيد الربوبية في أنه أحد أصول الاعتقاد وركائز الإيمان وأركان التوحيد، والإنسان في ضرورة إليه، وبالإيمان به تسكن نفس المسلم وتركن إلى خالقها ومدبر أمرها وتسلم له وجهها، ويحصل لها السعادة والاستقرار والطمأنينة[1].
ومما يدلُّ على منزلته أيضًا أنه باب توحيد الألوهية، ويقود من أقر به إلى الإقرار بألوهية الله وتحقيق عبوديته، فمن تعلق قلبه بربوبية الله تعالى ارتقى به الحال إلى توحيد الألوهية، وهذه صورة تبرز جليًّا في طريقة دعوة القرآن الناسَ إلى الإيمان بألوهية الله عن طريق احتجاجه عليهم بما يقرونه من توحيد الربوبية.
[1] انظر: معنى الربوبية وأدلتها وأحكامها (2).
توحيد الربوبية قد ثبت بالشرع والفطرة والعقل.
حيث دلَّت الآيات الشرعية على إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وأنه ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه، والخالق لهذا الكون المدبر لشؤونه، والقرآن مليء بالآيات التي تخاطب الإنسان، وتدعوه إلى استخدام العقل ليتأمل في الآيات الكونية، والنفسية وربطه ذلك بالنصوص الشرعية التي تقود إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيده.
ثم إن معرفة الله تعالى والإقرار بوجوده أمرٌ ضروري قد توافقت عليه جميع الفطر؛ فالله قد فطر عليه الخلق وجعله أمرًا مركوزًا فيهم، وشهدت به العقول السليمة، قال تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] ، وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ *} [لقمان] .
ومن السُّنَّة: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء»[1].
وحديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه مرفوعًا، وفيه: «السيد الله تبارك وتعالى ...» الحديث[2].
ولا شكَّ أن العقول الصريحة لا تخالف الفطر في معرفة الله وإثبات وجوده وكمال صفاته، كما أنها لا تتعارض مع النقل المشتمل على الآيات الشرعية الدالة على إثبات وحدانيته ومباينته لمخلوقاته.
والناظر بعين عقله في الآيات الكونية وما فيها من عجائب الصنع وبديع انتظام الكون وما فيه، ليجدها دالة على عظم قدرة الله تعالى، ووحدانية خالقها، وانفراده بالربوبية.
قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بَأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *} [الأعراف] . وقال عزّ وجل: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَِنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *} [الرعد] .
ومن الدلائل على ربوبية الله تعالى إثبات الأمم كلها له، لذا نجد أن ربوبية الله قد أجمع عليها جميع العقلاء؛ بل حتى المشركون يعترفون بذلك ويقرون به، ولم ينازع في ذلك إلا الدهريون والملاحدة[3].
[1] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2653).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، رقم 4806)، وأحمد (26/235) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والنسائي في الكبرى (كتاب عمل اليوم والليلة، رقم 10004) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والضياء في المختارة (9/468) [دار خضر، ط3]، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 3700).
[3] انظر: منهاج السُّنَّة النبوية (2/270) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]، والفتاوى الكبرى (6/368) [دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ]، والنبوات (1/292 ـ 293) [أضواء السلف، ط1، 1420هـ]، وشفاء العليل (302) [دار المعرفة، ط1398هـ].
قال ابن تيمية: «والشهادة تتضمن الإقرار بالصانع تعالى وبرسوله، لكن مجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمنًا؛ بل ولا يصير مؤمنًا بأن يعلم أنه ربَّ كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يصير مؤمنًا بذلك حتى يشهد أن محمدًا رسول الله»[1]. وقال أيضًا: «وإلا فمجرد توحيد الربوبية قد كان المشركون يقرون به، وذلك وحده لا ينفع»[2].
قال ابن أبي العز الحنفي: «فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل، فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة، وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق، ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق، واجتمع حكماء العالم على أن يصوروا منها شيئًا لم يقدروا. ومحال توهم عمل الطبائع فيها؛ لأنها موات عاجزة، ولا توصف بحياة، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير، فإذا تفكر في ذلك وانتقال هذه النطفة من حال إلى حال، علم بذلك توحيد الربوبية، فانتقل منه إلى توحيد الإلهية؛ فإنه إذا علم بالعقل أن له ربًّا أوجده، كيف يليق به أن يعبد غيره؟ وكلما تفكر وتدبر ازداد يقينًا وتوحيدًا»[3].
وقال ابن القيم: «فإن أول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية، ثم يرتقي إلى توحيد الإلهية، كما يدعو الله سبحانه عباده في كتابه بهذا النوع من التوحيد إلى النوع الآخر، ويحتج عليهم به، ويقررهم به، ثم يخبر أنهم ينقضونه بشركهم به في الإلهية»[4].
[1] درء التعارض (8/11 ـ 12).
[2] المصدر السابق (9/345).
[3] شرح الطحاوية (222 ـ 223) [وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ط1، 1418هـ].
[4] مدارج السالكين (1/413) [دار الكتاب العربي، ط3، 1416هـ].
المسألة الأولى: الإقرار بتوحيد الربوبية وحده لا يكفي للنجاة من النار:
بيَّن القرآن الكريم في مواضع عدة أن المشركين يقرون بربوبية الله، كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ *} [العنكبوت] ، إلا أنه مع ذلك لم يدخلهم في الإسلام؛ بل حكم الله فيهم بأنهم مشركون كافرون، وتوعدهم بالخلود في النار، وقد استباح النبي صلّى الله عليه وسلّم دماءهم وأموالهم لكونهم لم يحققوا لازم توحيد الربوبية وهو توحيد الله في العبادة دون ما سواه.
يقول ابن تيمية رحمه الله: «والشهادة تتضمن الإقرار بالصانع تعالى وبرسوله، لكن مجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمنًا؛ بل ولا يصير مؤمنًا بأن يعلم أنه ربَّ كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يصير مؤمنًا بذلك حتى يشهد أن محمدًا رسول الله»[1]. ويقول أيضًا: «وإلا فمجرد توحيد الربوبية قد كان المشركون يقرون به، وذلك وحده لا ينفع»[2].
المسألة الثانية: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية:
ومعنى ذلك: أنَّ من أقر بتوحيد الربوبية لله، فاعترف بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبِّر للكون إلا الله سبحانه وتعالى لزمه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده، فلا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يصرف شيئًا من أنواع العبادة إلا لله وحده دون سواه[3].
يقول ابن القيم رحمه الله: «فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الإلهية، ولذلك وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره، لصحة دلالته وظهورها وقبول العقول والفطر لها»[4].
[1] درء التعارض (8/11 ـ 12).
[2] المصدر السابق (9/345).
[3] انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للفوزان (34) [دار ابن الجوزي، ط4، 1420هـ].
[4] طريق الهجرتين (45) [دار السلفية، ط2، 1394هـ].
الفرق بين الألوهية والربوبية:
1 ـ أن اشتقاق الألوهية من الإله؛ أي: المعبود، والربوبية من الربِّ، والرب: مأخوذ من التربية والرعاية والسيادة. وعلى هذا: فهما مفهومان متغايران وليسا مترادفين.
2 ـ أن متعلق توحيد الربوبية: الأمور الكونية؛ كالخلق والرزق والإحياء والإماته ونحوها.
ومتعلق توحيد الألوهية: الأوامر والنواهي: من الواجب والمحرم والمكروه ونحو ذلك.
3 ـ أن توحيد الربوبية أقر به المشركون في الجملة، أما توحيد الألوهية فقد وقعت فيه الخصومة بين الرسل وأقوامهم، ولو كانت الألوهية هي الربوبية لما حصل نزاع بين الرسل وأقوامهم.
4 ـ أن توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، وهذا يستوجب التصديق والاعتـقاد بموجبه لأنها أخبار من الله عزّ وجل. أما توحيد الألوهية فهو توحيد الله بأفعال العباد من الخوف والرهبة والرغبة والمحبة والصلاة والصوم ونحو ذلك.
5 ـ توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية؛ فمن أتى بتوحيد الربوبية، لزمه أن يأتي بتوحيد الألوهية. أما توحيد الألوهية فإنه متضمن لتوحيد الربوبية؛ فمن جاء بتوحيد الألوهية، فقد أتى ضمنًا بتوحيد الربوبية.
6 ـ أن الإجماع منعقد على أنه لو آمن بالربوبية ولم يأت بالألوهية لا يكون بذلك مسلمًا كما أنه لو قال بدل: (لا إله إلا الله) قال: (لا خالق إلا الله) لا يتم له عقد الإسلام بذلك[1].
[1] حقيقة التوحيد بين أهل السُّنَّة والمتكلمين للسلمي (109 ـ 111) [دار المعلمة].
إن العلم بتوحيد الربوبية، والإيمان بمقتضاه يثمر إجلال الرب وتعظيمه ورجاءه ومحبته والخوف منه.
الاستسلام والانقياد التام لقضائه وأمره الصادر عن كمال أفعاله.
حصول التقوى لمن أيقن أن له ربًّا خالقًا قاهرًا لعباده مدبرًا لشؤونهم لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
تحقيق العبودية لله تعالى: فمن آمن بربوبية الله على حقيقتها أيقن أنه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
المخالفون في توحيد الربوبية طوائف عدة:
1 ـ المنكرون له بالكلية؛ كالملاحدة الدهرية الذين قالوا بقدم العالم وأبديته، وأهل وحدة الوجود الذين قالوا: ما ثَمَّ خالق ومخلوق بل الوجود كله شيء واحد، وكشرك فرعون الذي قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *} [الشعراء] [1].
2 ـ الذين أشركوا في توحيد الربوبية، مثل: المجوس الثنوية والنصارى وغلاة الرافضة والصوفية: هؤلاء كلهم جعلوا مع الله إلهًا آخر متصرفًا ومدبرًا في الكون[2].
3 ـ أهل الكلام من الفلاسفة والمعتزلة والأشاعرة، الذين ذهبوا إلى أن إثبات الربوبية قائم على النظر المؤدي إلى معرفة الله وجعلوا ذلك أول الواجبات على المكلفين؛ لأنه أصل المقاصد الشرعية وآكدها. ومنهم من بالغ في ذلك وجعل القصد إلى النظر هو أول الواجبات، ومنهم من غلا وقال: إن أول واجب على المكلف هو الشك[3].
[1] مقالة التعطيل والجعد بن درهم (21 ـ 22) [أضواء السلف، ط1، 1418هـ]، والجواب الكافي (114 ـ 115) [دار المعرفة، ط1]، وموسوعة الفلسفة (1/539) [مؤسسة المربية للدراسات والنشر، ط1، 1984م].
[2] انظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (37)، وهذه هي الصوفية لعبد الرحمن الوكيل (35 ـ 38، 133) [دار الكتب العلمية، ط4، 1984م]، والخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب (69) [تحقيق: محمد مال الله].
[3] انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار (60 ـ 76) [مكتبة وهبة، ط1384هـ]، ومناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد (134) [مكتبة الأنجلو، ط2، 1964م]، وشرح المقاصد للتفتازاني (290 ـ 303) [مكتبة الكليات الأزهرية]، والشامل في أصول الدين للجويني (120 ـ 122) [دار المعارف، ط1969م]، والتمهيد للقاضي الباقلاني (6 ـ 23) [المكتبة الشرقية، 1957م].
أما الرد على الطائفة الأولى والثانية فإنه واضح بيِّن لكل ذي بصيرة، وما سقناه من الأدلة وكلام الأئمة السالف كاف في الردِّ على من أنكر ربوبية الله أو جعل معه إلهًا آخر.
أما أصحاب الكلام فيقال لهم: إن أصل المعرفة والإقرار بالربوبية لا يقف على النظر والاستدلال، إنما يحصل بديهة وضرورة، ولهذا فإن جميع الأمم يقرون بالصانع مع عظيم شركهم وكفرهم وأنهم لا يسلكون هذه الطرق المحدثة عند المتكلمين. فوجود الخالق سبحانه وتعالى أظهر من كل شيء على الإطلاق. ثم إن هذه المقدمات التي أحدثوها لإثبات ربوبية الله تعالى لم يستدل بها أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين، فلو كانت معرفة الله سبحانه وتعالى والإيمان به موقوفة عليها للزم أنهم كانوا غير عارفين بالله ولا مؤمنين به، وهذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين[1].
يقول أبو المظفر السمعاني: «وقد علمنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يدعهم في هذه الأمور إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر وذكر ماهيتهما ولا يمكن لأحد من الناس أن يروي في ذلك عنه ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم من هذا النمط حرفًا واحدًا فما فوقه، لا في طريق تواتر ولا آحاد فعلمنا أنهم ذهبوا خلاف مذهب هؤلاء وسلكوا غير طريقهم وأن هذا طريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أصحابه رضي الله عنهم، وسلوكه يعود عليهم بالطعن والقدح ونسبتهم إلى الجهل وقلة العلم في الدين واشتباه الطريق عليهم»[2].
[1] انظر: النبوات (1/274)، ومنهاج السُّنَّة (1/303)، ومجموع الفتاوى (6/50)، ودرء التعارض (7/223 ـ 224)، وبيان تلبيس الجهمية (4/570 ـ 571) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1، 1426هـ].
[2] الانتصار لأصحاب الحديث (70 ـ 71) [مكتبة أضواء المنار، ط1، 1417هـ].
1 ـ «الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد»، للعريفي.
2 ـ «الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد»، للفوزان.
3 ـ «الجواب الكافي»، لابن القيم.
4 ـ «حقيقة التوحيد بين أهل السُّنَّة والمتكلمين»، للسلمي.
5 ـ «درء التعارض» (ج8، 9)، لابن تيمية.
6 ـ «شرح الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
7 ـ «قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية»، لسعود بن عبد العزيز الخلف.
8 ـ «مجموع الفتاوى» (ج2)، لابن تيمية.
9 ـ «معنى الربوبية وأدلتها وأحكامها وإبطال الإلحاد فيها»، لمحمد أبو سيف الجهني.
10 ـ «مفتاح دار السعادة»، لابن قيم الجوزية.