قال ابن فارس رحمه الله: «التاء والواو واللام كلمة ما أحسبها صحيحة، لكنّها قد رويت. قالوا: التِّوَلة جنس من السِّحر، وقالوا: هو شيء تجعله المرأة في عنقها؛ تتحسَّن به عند زوجها»[1].
التِّولة والتُّولة ـ بكسر التاء وضمها ـ شبيهة بالسحر، وقيل: التِّولة ـ بكسر التاء ـ وهو الذي يحبِّب المرأة إلى زوجها، والتُّولة ـ بضمها ـ: الداهية، وقيل: التِّولة والتُّولة: ضربٌ من الخرز يوضع للسحر، فتحبب بها المرأة إلى زوجها. وقيل: هي معاذة تعلق على الإنسان[2].
[1] مقاييس اللغة (1/359) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/190)، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/20)، ولسان العرب (11/83).
التولة من المحرمات الشرعية، فهي ضرب من السحر الذي هو من السبع الموبقات، وقد عدَّها النبي صلّى الله عليه وسلّم من الشرك الذي هو أعظم الذنوب، وإنما كانت من الشرك لما يراد بها من دفع المضارّ، وجلب المنافع من غير الله تعالى[1].
وهل هي شرك أكبر أم أصغر؟ الجواب: بحسب ما يريد الإنسان منها؛ إن اتخذها معتقدًا أنّ المسبِّب هو الله فهي شرك أصغر، وإن اعتقد أنها تفعل بنفسها فهي شرك أكبر[2].
وبعض أهل العلم يجعلها من الشرك الأكبر مطلقًا؛ لأنها نوع من أنواع السحر، والسحر لا يتوصل به إلا بالاستعانة بالجن، والاستغاثة بهم، ونحو ذلك من الكفريات، كما جاء ذلك منصوصًا عليه في «فتاوى نور على الدرب»، وفي بعض شروح «كتاب التوحيد»[3].
[1] انظر: فتح الباري لابن حجر (10/196).
[2] القول المفيد على كتاب التوحيد (1/182) [دار ابن الجوزي، ط2، 1423هـ].
[3] انظر: فتاوى نور على الدرب (3/328) ـ باب ما جاء في السحر: بيان أن التولة من أنواع السحر ـ ضمن موقع اللجنة الدائمة للإفتاء، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد (112، 300).
قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102] ، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151] ، وقال تعالى: {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *} [لقمان] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»[1].
فعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرقى والتمائم والتولة شرك»، فقيل لابن مسعود رضي الله عنه: هذه الرقى والتمائم قد عرفناها، فما التولة؟ قال: «شيء يصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الوصايا، رقم 2766)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 89).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3883)، وابن ماجه (كتاب الطب، رقم 3530)، وأحمد (6/110) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب الرقى والتمائم، رقم 6090)، والحاكم (كتاب الطب، رقم 7504، 7505) وصححه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 331).
قال ابن حجر رحمه الله: «والتولة... شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها وهو ضرب من السحر؛ وإنما كان ذلك من الشرك؛ لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله»[1].
وقال ابن باز رحمه الله: «وأما التولة: فهي الصرف والعطف، وهي نوع من السحر، وكله محرم؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102] ؛ فأبان سبحانه بهذه الآية أن تعليم السحر من عمل الشيطان، وأنه كفر، وأنه يتوصل إليه بعبادتهم، والتقرب إليهم بما يحبون»[2].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «التولة: شيء يعلقونه على الزوج، يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى امرأته، وهذا شرك؛ لأنه ليس بسبب شرعي، ولا قدري للمحبة»[3].
[1] فتح الباري لابن حجر (10/196).
[2] مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (9/454) [ضمن موقع اللجنة الدائمة للإفتاء].
[3] القول المفيد على كتاب التوحيد (1/181).
المسألة الأولى: مسألة الصرف والعطف:
ويطلق عليه اسم التولة، وهما في الحكم سواء؛ فالصرف: صرف الزوجة عن زوجها إلى غيره، أو صرف الزوج عن زوجته إلى غيرها؛ بحيث يصبح أحدهما يبغض الآخر. وأما العطف: فهو أن يعطف الزوج على زوجته دون غيرها؛ أي: يميل إليها دون غيرها، أو تعطف الزوجة إلى زوجها، فلا تميل إلى غيره[1].
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالته «نواقض الإسلام»: «الناقض السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر. والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102] »[2].
قال صالح الفوزان حفظه الله: «السحر في الشرع ينقسم إلى قسمين: حقيقي، وتخيلي: فالحقيقي منه عبارة عن عمل يؤثر في الأبدان، أو القلوب؛ يؤثر في الأبدان بالمرض، أو الموت... أو يؤثر في القلب فيورث به كراهة أو محبة غير طبيعيين، فهذا هو الصرف والعطف؛ بأن يعطف الإنسان يحدث فيه محبة غير عادية لبعض الأشياء، أو بعض الأشخاص، أو يكرهه لذلك الشيء، أو يبغضه إليه؛ كأن يفرق بين المرء وزوجه، أو يحبب أحدهما للآخر، ويسمى بالتولة»[3].
المسألة الثانية: دبلة الخطوبة:
ومما يلحق بالتولة ما يُسمَّى بـ: دبلة الخطوبة: وهي خاتم يشترى عند الزواج يوضع في يد الزوج، فإذا ألقاه الزوج قالت المرأة: إنه لا يحبها؛ فهم يعتقدون فيه النفع والضرر، فما دام في يد الزوج فالعلاقة بين الزوجين ثابتة، والعكس بالعكس، فإذا وجدت هذه النية فإنه من الشرك الأصغر، وإن لم توجد هذه النية. ـ وهي بعيدة ألا تصحبها ـ ففيه تشبه بالنصارى فإنها مأخوذة عنهم، وإن كانت من الذهب فهي بالنسبة للرجل محذورٌ ثالث وهو لبس الذهب، فهي من الشرك، أو مضاهاة للنصارى، أو تحريم النوع إن كانت للرجال[4].
[1] انظر: فتاوى نور على الدرب (1/351، 352).
[2] نواقض الإسلام مع شرحها للفوزان (142) [مكتبة الرشد، ط4، 1428هـ].
[3] شرح نواقض الإسلام (142 ـ 143).
[4] القول المفيد على كتاب التوحيد (1/181 ـ 182).
1 ـ «التمهيد» (ج17)، لابن عبد البر.
2 ـ «المصطلحات المستعملة في توحيد الألوهية عند السلف» (ج2)، لمحمد آل باجسير.
3 ـ «إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد»، لصالح الفوزان.
4 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح آل الشيخ.
5 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
6 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
7 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
8 ـ «المفيد في مهمات التوحيد»، لعبد القادر عطا صوفي.
9 ـ «نواقض الإيمان القولية والعملية»، لعبد العزيز العبد اللطيف.