حرف الجيم / جامع الناس

           

جامع: مضاف، والناس: مضاف إليه، والجامع اسم فاعل من جمع يجمع جمعًا، قال ابن فارس: «الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تَضَامِّ الشيء... وجمعُ مكة سمِّي لاجتماع الناس به»[1].
الناس: هم الذكور والإناث من البشر والجن، ودليل دخول الإناث في الناس قول أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: «كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما كان يومًا من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أيها الناس» فقلت للجارية: استأخري عني، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني لكم فرط على الحوض،...»[2].
ويدل على دخول الجن في الناس قول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] ، حيث قال: «كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن؛ فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم»[3]، فذكر ناسًا من الجن كما ذكر ناسًا من الإنس.


[1] مقاييس اللغة (224) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، رقم 2295).
[3] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4714).


جامع الناس ليوم لا ريب فيه: هو الله «الذي يجمع الخلق يوم القيام للعرض والحساب والجزاء»[1].


[1] انظر: أسماء الله الحسنى آثارها وأسرارها (349) [دار المنار، ط1، 1421هـ]، وتفسير ابن كثير (3/21) [دار عالم الكتب، ط1، 1425هـ].


العلاقة بين المعنيين واضحة، حيث يجمع الله الناس يوم القيامة للعرض والحساب والجزاء.



كون الله سبحانه وتعالى يجمع الناس ليوم الدين الذي لا ريب فيه.



إثبات اسم جامع الناس ليوم لا ريب فيه لله سبحانه وتعالى، ووجوب الإيمان بأن الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه.



من الأدلة على أن الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه قول الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 9] ، وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [الجاثية: 26] ، وقوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: 9] ، وقوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ *} [سبأ] وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ *لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ *} [الواقعة] ، دلَّت الآيات السابقة على أن الله تعالى هو يجمع الناس الأولين والآخرين إنسهم وجنّهم، ليوم معلوم وهو يوم القيامة، ثم يفصل بينهم بالحق.
كما دلَّ حديث الشفاعة المشهور وفيه: «يجمع الله الناس يوم القيامة... »[1]. وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله الناس ـ الأولين والآخرين ـ في صعيد واحد...» [2]، أن الله يجمع الناس أجمعين ليوم لا ريب فيه؛ فمن أسمائه سبحانه وتعالى جامع الناس ليوم لا ريب فيه. ونقل القرطبي رحمه الله وغيره[3] إجماع الأمة على ثبوته اسمًا لله سبحانه وتعالى.


[1] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6565)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 193).
[2] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4712)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 182). وانظر: الجامع لأسماء الله الحسنى (56).
[3] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/478)، والجامع لأسماء الله الحسنى (56).


قال بعض أهل العلم[1]: إن جامع الناس من الأسماء المضافة التي تطلق على الله تعالى، ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: «وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، وربُّ العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب وغير ذلك مما ثبت في الكتاب أو السُّنَّة، وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين وليس هذا من التسعة والتسعين»[2]. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله وهو يعد الأسماء الحسنى: «البديع من قوله: بديع السماوات والأرض، والجامع من قوله: جامع الناس»[3]. وقال السعدي رحمه الله وهو يشرح أسماء الله تعالى: «جامع الناس ليوم لا ريب فيه، وجامع أعمالهم وأرزاقهم، فلا يترك منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وجامع ما تفرق واستحال من الأموات الأولين والآخرين، بكمال قدرته، وسعة علمه»[4].
ولم يعده بعض العلماء من أسماء الله الحسنى أصلاً[5]، بينما ذكره البعض من أسماء الله الحسنى محلى بـ (أل): الجامع، من غير إضافة[6].


[1] منهم: السعدي، وسعيد القحطاني وابن تيمية رحمهم الله. انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (191).
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (22/485).
[3] فتح الباري لابن حجر (11/218).
[4] تيسير الكريم الرحمن (948).
[5] كجعفر الصادق وابن حزم وابن عثيمين.
[6] كالخطابي، وابن منده، والحليمي، والبيهقي، قوام السُّنَّة الأصفهاني، وابن العربي، والقرطبي وابن القيم، وابن الوزير، وابن حجر والشرباصي وغيرهم.


من شروط إثبات اسم (جامع الناس) أن يذكر مضافًا، فإن العلماء الذين ذهبوا إلى اعتبار الأسماء المضافة من الأسماء الحسنى[1] اشترطوا أن تذكر مضافة كما جاء ذكرها في النص، قال ابن تيمية رحمه الله: «وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، وربُّ العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب وغير ذلك مما ثبت في الكتاب أو السُّنَّة، وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين وليس هذا من التسعة والتسعين»[2].


[1] كابن تيمية في مجموع فتاويه (22/485) [مجمع الملك فهد]، وغيره. انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (188)، وشرح أسماء الله الحسنى (117)، وأسماء الله الحسنى وصفاته في معتقد أهل السُّنَّة والجماعة (65) [دار النفائس، ط2، 1414هـ].
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (22/485).


من آثار اسم جامع الناس ليوم لا ريب فيه:
1 ـ أن يكون عباد الله على ذكر من يجمعهم لهذا اليوم الذي يجازى فيه كل واحد بعمله، فمن يعرف أن الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه؛ يعد للقائه بكثرة حسناته، والتوبة والاستغفار عن سيئاته.
2 ـ إحجام الظالم عن ظلمه إذ سيجمعه الله تعالى مع المظلوم في يوم لا ريب فيه ويجازيه.



1 ـ «أحكام القرآن» (ج2)، ابن العربي.
2 ـ «أسماء الله الحسنى وصفاته في معتقد أهل السُّنَّة والجماعة»، للأشقر.
3 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
5 ـ «الجوائز والصلات من جمع الأسامي والصفات»، لنور الحسن خان.
8 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لسعيد القحطاني.
9 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر.
10 ـ «كتاب التوحيد» (ج2)، لابن منده.
11 ـ «مجموع فتاوى» (ج22)، لابن تيمية.
12 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد التميمي.