الجبت في اللغة: أصله الجبس، قلبت سينه تاء: وهو الفسل الذي لا خير فيه، وأبدلت السين تاءً؛ تنبيهًا على مبالغته في الفسولة[1]، قال أهل اللغة: كل معبود من دون الله جبت وطاغوت. وهي كلمة تقع على الصنم، والكاهن، والساحر، والسحر، ونحو ذلك.. وهذا ليس من محض العربية لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذَولقيّ[2].
[1] انظر: المفردات في غريب القرآن (85) [دار المعرفة]، وترتيب القاموس المحيط (2/435) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ]. والفسل: هو الضعف والقلة؛ من ذلك الرجل الفسْل: وهو الرديُّ من الرجال. انظر: مقاييس اللغة (4/503) [دار الجيل، ط1422هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (11/8) [الدار المصرية للتأليف]، والصحاح (1/245) [دار العلم للملايين، ط3].
اختلفت أقوال السلف في تعريف الجبت، فجاءت تعريفاتهم في غالبها مقصورة على بعض آحاده، غير شاملة لجميع أفراده[1]، ومن أجمع ما عرف به الجبت قول ابن جرير الطبري رحمه الله: «الجبت، والطاغوت: اسمان لكل معظَّم بعبادة من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له، كائنًا ما كان ذلك المعظم، من حجر، أو إنسان، أو شيطان»[2].
فالجبت إذن اسم عام لكل ما فيه مخالفة لأمر الله تعالى، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في باب الاعتقاد، فقد يكون الجبت سحرًا، وهو ما فسَّر به كثير من السلف الجبت، وقد يكون الجبت: الكاهن، وقد يكون الشيء المرذول الذي يضر صاحبه[3].
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
لم يخرج المعنى الشرعي للجبت عن معناه في اللغة فالجبت عند اللغويين: هو الذي لا خير فيه، وهو كل معبود من دون الله من حجر، أو صورة، أو شيطان، وقال بعض اللغويين: إنه كل ما عُبِد من دون الله، وبهذا يكون المعنى الشرعي واللغوي للجبت واحدًا.
[1] انظر: تفسير الطبري (7/134) [دار هجر، ط1]، وزاد المسير (2/107) [المكتب الإسلامي، ط3]، وتفسير ابن كثير (4/115) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1421هـ].
[2] تفسير الطبري (7/134).
[3] انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (285) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ]، والقول المفيد على كتاب التوحيد (1/456) [دار ابن الجوزي، ط2، 1423هـ].
حقيقة الجبت: هو كل باطل خلاف الحق، وكل شيء لا خير فيه، وهو يعم السحر، والساحر، والكهانة، والكاهن، والشيطان، والطاغوت، والصنم، فهو يطلق على الأعيان والأفراد، من أهل الباطل والفساد، كما جاء تفسير ذلك عن بعض السلف أنه: حيي بن أخطب، وقيل: كعب بن أشرف، ويطلق الجبت على الأفعال والأقوال الباطلة والمحرمة؛ كالسحر، والكهانة، ويطلق على المعبودات من دون الله تعالى؛ كالصنم، وغير ذلك[1].
[1] انظر: تفسير الطبري (7/140 ـ 141)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (28/200) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف]، وتيسير العزيز الحميد (1/647) [دار الصميعي، ط1]، وفتح المجيد (296) [دار ابن الأثير، ط15]، وحاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (187) [ط 14، 1424هـ]، والقول المفيد (1/456)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد (285).
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً *} [النساء] .
وعن قبيصة رضي الله عنه؛ أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت»[1].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان»[2].
[1] أخرجه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3907)، وأحمد (25/256) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب النجوم والأنواء، رقم 6131)، وقد اختلف أهل العلم في تضعيفه وتصحيحه، فحسَّنه النووي في رياض الصالحين (409)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (رقم 1794) [مكتبة المعارف].
[2] أخرجه سعيد بن منصور في سننه رقم (649) (4/1283) [دار الصميعي، ط1، 1414هـ]. وذكره البخاري معلقًا بصيغة الجزم في صحيحه (كتاب التفسير، تفسير سورة النساء باب قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43])، ووصله ابن حجر في تغليق التعليق (4/196) [المكتب الإسلامي، ط1، 1405هـ]، وقال في فتح الباري (8/252): «وصله عبد بن حميد في تفسيره، ومسدد في مسنده، وعبد الرحمن بن رستة في كتاب الإيمان... وإسناده قوي»، وأخرجه ابن جرير في جامع البيان (7/135)، وغيرهم.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «والصواب من القول في تأويل قوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} أن يقال: يصدقون بمعبودين من دون الله، فيعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين، وذلك أن الجبت، والطاغوت: اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له، كائنًا ما كان ذلك المعظم، من حجر، أو إنسان، أو شيطان، وإذا كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظمة بالعبادة من دون الله، فكانت جُبوتًا وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن، اللذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشرك، وكذلك حييُّ بن أخطب، وكعب بن أشرف؛ لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما، من اليهود في معصية الله، والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين طاغوتين»[1].
وقال الحافظ المنذري رحمه الله: «والجبت بكسر الجيم كل ما عُبِد من دون الله تعالى»[2].
وقال المناوي رحمه الله: «من الجبت؛ أي: من أعمال السحر، فكما أن السحر حرام، فكذا هذه الأشياء، أو مماثل عبادة الجبت في الحرمة. قال القاضي: والجبت في الأصل: الفسل الذي لا خير فيه. وقيل: أصله: جبس، فأبدلت السين تاءً؛ تنبيهًا على مبالغته في الفسولة، ثم استعير لما يعبد من دون الله، وللساحر والسحر، ولخساستهما، وعدم اعتبارها»[3].
[1] جامع البيان عن تأويل القرآن (7/134 ـ 135).
[2] الترغيب والترهيب للمنذري (3/1127).
[3] فيض القدير شرح الجامع الصغير (4/395 ـ 396) [دار المعرفة، ط2، 1391هـ].
الفرق بين الجبت والطاغوت:
جاء في بعض التفاسير المنقولة عن بعض السلف تفسير كل من الجبت والطاغوت بما يفسر به الآخر، فمن ذلك تفسيرهما بأنهما الشيطان، أو الكاهن، أو الساحر، أو الأصنام. وقد ذكر بعض أهل العلم فرقًا بينهما، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث قال: «فإن الطاغوت هو الطاغي من الأعيان، والجبت هو من الأعمال والأقوال، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الجبت: السحر والطاغوت: الشيطان. ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «العيافة والطيرة، والطرق من الجبت» [1]»[2].
فالذي يظهر والله أعلم أن الجبت والطاغوت إذا اجتمعا افترقا في المعنى؛ حيث يراد بالجبت: الأعمال والأقوال الباطلة، والطاغوت: الطاغي من الأعيان، وأما إذا افترقا فيكون الجبت أعم من الطاغوت، فيشمل الجبت الأقوال، والأعمال، والأعيان الباطلة، وأما الطاغوت فيكون أخص منه.
[1] تقدم تخريجه.
[2] مجموع الفتاوى (28/200).
1 ـ «التعريفات الاعتقادية»، لسعد آل عبد اللطيف.
2 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح آل الشيخ.
3 ـ «التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد»، لعبد الله الدويش.
4 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
5 ـ «تفسير الطبري».
6 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
7 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
8 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
9 ـ «روح المعاني»، للألوسي.
10 ـ «التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع»، للملطي.