قال ابن فارس: «الجيم والسين والميم يدلُّ على تجمُّع الشيء. فالجسم كلُّ شخصٍ مُدْرَكٍ. كذا قال ابن دريد[1]. والجَسيم: العظيم الجِسم، وكذلك الجُسام. والجُسْمان: الشخص»[2].
وقال الأزهري: «قال الليث: الجِسمُ يَجْمَعُ البَدَنَ وأعضاءَهُ من الناس والإبلِ والدَّوابِّ ونحو ذلك مما عَظُمَ من الخَلق الجسيم»[3].
وقال الجوهري: «قال أبو زيد: الجِسْم: الجسد، وكذلك الجُسْمان والجُثْمان. وقال الأصمعي: الجِسْم والجُسْمان: الجسد، والجُثْمان: الشخص. قال: وجماعة جسم الإنسان أيضًا يقال له: الجسمان»[4].
[1] جمهرة اللغة لابن دريد (1/475) [دار العلم للملايين، ط1، 1987م].
[2] مقاييس اللغة (1/457) [دار الجيل، ط2].
[3] تهذيب اللغة (10/316) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2001م].
[4] الصحاح (172) [دار المعرفة، ط1، 1426هـ].
الجسم هو: «جوهر قابل للأبعاد الثلاثة، وقيل الجسم: هو المركب المؤلف من الجوهر»[1].
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:
لا علاقة بينهما؛ لأن الجسم في اللغة هو الجسد والبدن، وأما تفسيرهم له بالمؤلَّف والمركَّب ونحو ذلك فلا يعرف له أصل في اللغة.
[1] انظر: التعريفات للجرجاني (103) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ]، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (217) [مكتبة وهبة، ط3، 1416هـ]، وبغية المرتاد لابن تيمية (411 ـ 412) [مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط3، 1415هـ].
ورد لفظ الجسم في اللغة والشرع بمعنى: البدن والجسد؛ أما في اللغة فقد تقدم بيانه، وأما في الشرع فمنه قوله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] [1].
وأما حقيقة الجسم عند المتكلمين فهو اسم لكل ما يشار إليه، أو كل موجود أو قائم بنفسه[2]. وهذا المفهوم لا تؤيده لغة ولا شرع كما ترى، وستأتي مناقشته والرد عليه في موضعه إن شاء الله.
[1] انظر: مجموع الفتاوى (3/32 ـ 33)، والصواعق المرسلة (3/939 ـ 940) [دار العاصمة، ط1].
[2] انظر: المسائل الخمسون في أصول الدين للرازي (33)، وتفسير سورة الإخلاص لابن تيمية (229 ـ 230) [الدار السلفية، الهند، ط1، 1406هـ].
يشير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى تعدد أقوال الناس الاصطلاحية في مفهوم الجسم فيقول: «إن لفظ الجسم للناس فيه أقوال متعددة اصطلاحية غير معناه اللغوي فإن أهل اللغة يقولون: الجسم هو الجسد والبدن، وبهذا الاعتبار فالروح ليست جسمًا، ولهذا يقولون: الروح والجسم؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون: 4] ، وقال تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] .
وأما أهل الكلام: فمنهم من يقول: الجسم هو الموجود؛ ومنهم من يقول: هو القائم بنفسه، ومنهم من يقول: هو المركب من الجواهر المفردة، ومنهم من يقول: هو المركب من المادة والصورة، وكل هؤلاء يقولون: إنه مشار إليه إشارة حسية، ومنهم من يقول: ليس مركبًا من هذا ولا من هذا بل هو مما يشار إليه ويقال: إنه هنا أو هناك»[1].
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: «فلفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتًا فتكون له حرمة الإثبات، ولا نفيًا فيكون له إلغاء النفي، فمن أطلقه نفيًا أو إثباتًا سئل عما أراد به، فإن قال: أردت الجسم معناه في لغة العرب وهو البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه، ولا يقال: للهواء جسم لغة، ولا للنار ولا للماء، فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا، فهذا المعنى منفي عن الله عقلاً وسمعًا، وإن أردتم به المركب من المادة والصورة، أو المركب من الجواهر المفردة فهذا منفي عن الله قطعًا، والصواب نفيه عن الممكنات أيضًا، فليس الجسم المخلوق مركبًا من هذا ولا من هذا.
وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات، ويرى بالأبصار، ويتكلم ويكلم، ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب، فهذه المعاني ثابتة للربِّ تعالى، وهو موصوف بها، فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسمًا»[2].
[1] مجموع الفتاوى (3/32 ـ 33).
[2] الصواعق المرسلة (3/939 ـ 940).
اتضح مما سبق في تعريف الجسم لغة وشرعًا بأن الجسم هو الجسد والبدن، وقد خالف في ذلك المتكلمون فجعلوا الجسم اسمًا لما يشار إليه، أو كل موجود أو قائم بنفسه[1]، وزعموا أن كل ما تقوم به الصفات، فهو مركب من أجزاء[2]، وجعلوا ذلك كله سُلّمًا لنفي صفات الله سبحانه وتعالى.
[1] انظر: المسائل الخمسون للرازي (33)، وتفسير سورة الإخلاص لابن تيمية (229 ـ 230).
[2] مجموع الفتاوى (5/364).
إن تفسيرهم للجسم بالشيء الموجود، أو القائم بنفسه، أو بما يشار إليه لا يعرف في اللغة ولا الشرع[1].
اعتقادهم: أن كل ما تقوم به الصفات فهو مركب من أجزاء هو في غاية البطلان؛ لأن الله موصوف بالصفات، وليس جسمًا مركبًا لا من الجواهر المفردة، ولا من المادة والصورة كما يدّعون[2].
إن لفظ الجسم الذي أحدثه المتكلمون وتأثر بهم فيه بعض الناس، هو لفظ مجمل، لا يطلق على الله نفيًا ولا إثباتاً، إلا بعد معرفة مراد قائليه، فيقال لهم: ماذا تعنون بالجسم؟ فإن أرادوا به جسمًا مركبًا من لحم وعظم وجلد فهذا باطل، ومنتف عن الله سبحانه؛ لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وإن أرادوا به الذات القائمة بنفسها، المتصفة بما يليق بها من صفات الكمال ونعوت الجلال فهذا حق، ولكن لا يطلق لفظه على الله لعدم ورود الدليل به، وإنما يعبر عنه بالألفاظ الشرعية[3].
[1] انظر: الجواب الصحيح لابن تيمية (4/436).
[2] مجموع الفتاوى (5/364).
[3] انظر: شرح الواسطية لابن عثيمين (1/394)، ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (8/334).
1 ـ «الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية»، لآمال بنت عبد العزيز العمرو.
2 ـ «بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية»، لابن تيمية.
3 ـ «تفسير سورة الإخلاص»، لابن تيمية.
4 ـ «تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة»، لسليمان بن سحمان.
5 ـ «الأصول التي بنى عليها المبتدعة أصول مذهبهم في الصفات» (ج2)، لعبد القادر عطا صوفي.
6 ـ «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (ج4)، لابن تيمية.
7 ـ «التدمرية»، لابن تيمية.
8 ـ «الصفات الخبرية بين الإثبات والتأويل»، لعثمان عبد الله آدم الأثيوبي.
9 ـ «الصواعق المرسلة» (ج2، 3)، لابن القيم.
10 ـ «قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر»، لصدّيق حسن خان.
11 ـ «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (ج1)، لعبد الرحمن بن صالح المحمود.