حرف الجيم / الجليل

           

الجليل: مأخوذ من الجلال، قال ابن فارس رحمه الله: «الجيم واللام أصول ثلاثة؛ جَلَّ الشيء: عَظُمَ، وجُلُّ الشيء مُعْظَمُه، وجلال الله: عظمته، وهو ذو الجلال والإكرام»[1]. فالجلال بمعنى: العظمة. وهذا هو الأصل الأول لمعنى هذه الكلمة[2].


[1] مقاييس اللغة (1/213) [دار الكتب العلمية، 1420هـ]، وانظر: الصحاح (4/1658) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م].
[2] انظر: الأصلين الثاني والثالث لمعنى هذه المادة في مقاييس اللغة (1/213 ـ 214).


الجليل اسم من أسماء الله الحسنى[1].


[1] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى لمحمد التميمي (127، 204 ـ 205) [دار إيلاف الدولية، الكويت، ط1، 1417هـ].


يجب الإيمان بهذا الاسم وما دلَّ عليه من صفة الجلال لله تعالى، ويجب إثباتهما لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.



الجلال: معناه: العظمة، والله سبحانه وتعالى متصف بصفات العظمة والجلال والكبرياء.



قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} [الرحمن] ، وقال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} [الرحمن] .
عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: «اللَّهُمَّ! أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» [2].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنه كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسًا ورجل يصلي، ثم دعا: اللَّهُمَّ! إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد دعا الله باسمه العظيم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» [3].
قال ابن القيم معلقًا على هذا الحديث: «فهذا سؤال له وتوسل إليه وبحمده، وأنه الذي لا إله إلا هو المنان، فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته، وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعًا عند المسؤول، وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد»[4].


[1] أخرجه مسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 591).
[2] أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2566).
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1495)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3544)، والنسائي (كتاب السهو، رقم 1300)، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3858)، وابن حبان (كتاب الرقائق، رقم 893)، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم 1856) وصححه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (5/233) [مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، ط1، 1423هـ].
[4] بدائع الفوائد (1/282) [دار عالم الفوائد، ط1].


قال ابن فارس: «جلال الله: عظمته، وهو ذو الجلال والإكرام»[1]. وقال الجوهري: «جلال الله: عظمته»[2].
وقال البغوي: «{ذُو الْجَلاَلِ} ذو العظمة والكبرياء {وَالإِكْرَامِ *}؛ يعني: مكرم أنبيائه وأوليائه مع جلاله وعظمته»[3].
وقال ابن القيم في نونيته المشهورة:
وهو الجليل فكل أوصاف الجلا
ل له محققةٌ بلا بطلان[4]
قال السعدي رحمه الله في شرحه: «يعني: أن الله تعالى هو الجليل الذي له أوصاف الجلال، وهي أوصاف العظمة والكبرياء، ثابتة محققة لا يفوته منها وصف جلال وكمال»[5].
وقال عبد العزيز السلمان رحمه الله: «مثال صفات الذات: النفس، العلم، الحياة، القدرة، السمع، البصر، الوجه، اليد... الوحدانية، الجلال، وهي التي لا تنفك عن الله»[6].


[1] مقاييس اللغة (1/213).
[2] الصحاح (4/1658).
[3] معالم التنزيل (5/170) [دار الفكر، ط1].
[4] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (3/706) [دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط1، 1428هـ].
[5] الحق الواضح المبين للسعدي (226) [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].
[6] الكواشف الجلية عن معاني الواسطية (429) [رئاسة إدارة البحوث العلمية ولإفتاء، ط11].


المسألة الأولى: الصحيح من قولي أهل العلم أن الجليل اسم من أسماء الله الحسنى:
وهذا الاسم لم يرد في القرآن والحديث بصورة الاسم ولكن أخذ بطريق الاشتقاق من النصوص الواردة في ذلك، منها قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} [الرحمن] وقد ذكره كثير من أهل العلم الذين اعتنوا بأسماء الله الحسنى وصنفوا فيها[1].
المسألة الثانية: إن هذا الاسم يدل على ثبوت صفة الجلال لله تعالى:
وهي من صفات الله الذاتية، ثابتة بالقرآن والسُّنَّة[2].
المسألة الثالثة: اعتبار الأسماء المضافة من الأسماء الحسنى:
ذهب جمع من أهل العلم إلى اعتبار الأسماء المضافة وعدها من الأسماء الحسنى، قال ابن تيمية: «وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، وربُّ العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسُّنَّة، وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين»[3]. وقال ابن عثيمين: «ومن أسماء الله تعالى ما يكون مضافًا مثل: مالك الملك، ذي الجلال والإكرام»[4]. وذو الجلال والإكرام ذكره جماعة من أهل العلم في أسماء الله الحسنى[5]، وقد ورد النص بذلك مع الحث على الدعاء به، وعليه عمل المسلمين؛ فإنهم يدعون الله به في صلواتهم وأذكارهم كل يوم، ولذلك عَدُّه من أسماء الله الحسنى المضافة سائغ ومقبول، وليس عليه غبار البتة، والله أعلم.
المسألة الرابعة: هذا الاسم من الأسماء الدالة على أوصاف عديدة ومعان متعددة، وليس على وصف واحد ومعنى مفرد، ولا سيما في حالة الاقتران:
فإن وصف الرب تعالى بالجلال كثيرًا ما يرد مقرونًا بالإكرام، والمتأمل في هذا الاقتران يجد أن أوصاف الكمال كلها راجعة إليهما، فالجلال يدل على عظمة الله وكبريائه ومجده وسعته، وهذا يورث في قلب العبد الهيبة والخشية والخوف منه سبحانه، ويحثه على تعظيمه وتكبيره وتمجيده، والإكرام يدل على الإنعام والإحسان، وهذا يورث في قلب العبد الرغبة والرجاء والمحبة والشوق، ويقتضي الحمد والشكر على إنعامه وإحسانه وإكرامه. وهذا الاقتران مثل اقتران الحميد والمجيد. قال ابن القيم: «الحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله، فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة... وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال، كما يدل عليه موضوعه في اللغة، فهو دالٌّ على صفات العظمة والجلال، والحمد يدل على صفات الإكرام، والله سبحانه ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، فـ(لا إله إلا الله) دالٌّ على ألوهيته وتفرده فيها، فألوهيته تستلزم محبته التامة، والله أكبر دالٌّ على مجده وعظمته، وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره، ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيرًا»[6]. فالجلال من جنس المجد والعظمة، والإكرام جنس الحمد والمحبة[7].
المسألة الخامسة: ذكر أهل العلم ثلاثة معان لـ(ذي الجلال والإكرام)، وهي كما يلي:
أ ـ أن الله سبحانه وتعالى مستحق أن يُجَلَّ ويُكْرَم، فلا يُجْحَد ولا يُكْفَر به.
ب ـ أن الله سبحانه وتعالى يُجِلُّ ويُكْرِمُ أهل ولايته، فيوفقهم لطاعته، ويتقبل منهم أعمالهم، ويرفع درجاتهم في الدنيا والآخرة.
ج ـ أن أحد الأمرين وهو الجلال مضاف إلى الله تعالى، بمعنى: أنه صفة له سبحانه، والآخر وهو الإكرام مضاف إلى العبد، بمعنى الفعل منه، كما في قوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ *} [المدثر] فانصرف أحد الأمرين وهو المغفرة إلى الله سبحانه، والآخر إلى العباد وهو التقوى، فكذلك الشأن هنا.
هذه الأقوال الثلاثة أوردها ابن تيمية في مجموع فتاواه، وعزاها إلى أصحابها، وذكر أن القول الأول أقربها إلى المراد[8]، ثم قال: «وإذا كان مستحقًّا للإجلال والإكرام لزم أن يكون متَّصفًا في نفسه بما يوجب ذلك، كما إذا قال: الإله هو المستحق لأن يؤله؛ أي: يُعبد، كان هو في نفسه مستحقًّا لما يوجب ذلك، وإذا قيل: هو أهل التقوى؛ كان في نفسه متَّصفًا بما يوجب أن يكون هو المتّقَى»[9].
المسألة السادسة: حكم إطلاق (الجلالة) على مخلوق:
إن إطلاق لفظ الجلالة على مخلوق إذا كان ذا رتبة ومكانة فلا بأس بذلك، وقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم عن إطلاق لفظة (جلالة الملك) على الملوك فأجاب بقوله: «لا يظهر لي أن فيها باسًا؛ لأن له جلالة تناسبه»[10].
وجاء بيان ذلك وتقريره في فتاوى اللجنة الدائمة بشكل أوضح وتفصيل أكثر فجاء فيها: «إن كثيرًا من الأسماء مشتركة بين الله تعالى وبين غيره من مخلوقاته في اللفظ والمعنى الكلي الذهني، فتطلق على الله بمعنى يخصه تعالى ويليق بجلاله سبحانه، وتطلق على المخلوق بمعنى يخصه ويليق به، فيقال مثلاً: الله حليم، وإبراهيم الخليل صلّى الله عليه وسلّم حليم، وليس حلم إبراهيم كحلم الله... والله تعالى جليل كريم ذو الجلال والإكرام على وجه الإطلاق، وكل نبي كريم جليل، وليست جلالة كل نبي وكرمه كجلالة غيره من الأنبياء وكرمه ولا مثل جلال الله وكرمه؛ بل لكل من الجلالة والكرم ما يخصه، والله تعالى حي، وكثير من مخلوقاته حي، وليست حياتهم كحياة الله تعالى... إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة، المذكورة في كتاب الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم الثابتة عنه، ولا يلزم من ذلك تشبيه المخلوق بالخالق في الاسم أو الصفة، وأسلوب الكلام وما احتف به من القرائن يدل على الفرق بين ما لله من الكمال في أسمائه وصفاته وما للمخلوقات مما يخصهم من ذلك على وجه محدود يليق بهم»[11].


[1] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى لمحمد التميمي (127، 204 ـ 205).
[2] انظر: صفات الله سبحانه وتعالى للسقاف (79) [دار الهجرة، ط1].
[3] مجموع الفتاوى (22/485) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].
[4] القواعد المثلى (16) [الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط3، 1409هـ].
[5] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (233)، وفقه الأسماء الحسنى للبدر (328) [مطابع الحميضي، ط1، 1429هـ].
[6] جلاء الأفهام (366 ـ 368) [دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط1، 1425هـ].
[7] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (16/320).
[8] انظر: مجموع الفتاوى (16/317 ـ 319).
[9] مجموع الفتاوى (16/319).
[10] الفتاوى والرسائل (1/206) [مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، ط1، 1399هـ].
[11] فتاوى اللجنة الدائمة (3/163 ـ 164) [رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط3، 1419هـ].


إن إيمان العبد بهذه الصفة لله تعالى وإثباته إياها له سبحانه وشعوره بجلال الرب وعظمته يجعله يخضع له ويخافه ويحبه ويعبده وحده، ويصفه بصفات الكبرياء والكمال ونعوت العظمة والجلال اللائقة به سبحانه، ويقدسه وينزه من جميع صفات النقص والذم والعيب.



الجليل: اسم من أسماء الله الحسنى، والجهمية وشيوخهم من الفلاسفة وتلاميذهم من غلاة الصوفية وزنادقة الباطنية ينكرون جميع أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فهذا الاسم من جملة تلك الأسماء التي ينكرونها هؤلاء النفاة.
وهذا الاسم يدل على اتصاف الله بصفة الجلال، وهي من صفات الله الذاتية، فهي من جملة الصفات التي أنكرتها الجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية. ولا يمكن وجود ذات في الخارج مجردة عن جميع الصفات، فهذا القول في الحقيقة يفضي إلى العدم وإنكار ذات الباري تعالى، وقد جاء بيان هذا الاسم وإثباته في القرآن والسُّنَّة، فالحق الصحيح أنه يجب إثبات هذا الاسم لله تعالى، ويجب إثبات ما دلَّ عليه من المعنى وهو اتصاف الرب بصفة الجلال كما يليق بجلال الله وعظمته، لدلالة القرآن والحديث على ذلك.



1 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيم.
2 ـ «جلاء الأفهام»، لابن القيم.
3 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
4 ـ «شرح القصيدة النونية» (ج2)، لمحمد خليل هراس.
5 ـ «صفات الله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
6 ـ «فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» (ج3).
7 ـ «فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم» (ج1).
8 ـ «فقه أسماء الله الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
10 ـ «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» (ج3)، لابن القيم.
11 ـ «الكواشف الجلية عن معاني الواسطية»، لعبد العزيز المحمد السلمان.
12 ـ «مجموع الفتاوى» (ج16)، لابن تيمية.
13 ـ «معالم التنزيل» (ج5)، للبغوي.
14 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.