الجميل: اسم من أسماء الله الحسنى، فهو سبحانه جميل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، جميل من كل وجوه الجمال اللائق بالله جلّ جلاله[1].
[1] انظر: الحق الواضح المبين للسعدي (226)، وتوضيح الكافية الشافية له (378) [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ]، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (162 ـ 163) [دار إيلاف الدولية، الكويت، ط1، 1417هـ].
إن الله سبحانه وتعالى جميل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فذاته سبحانه أجمل الذوات، ولا يمكن لمخلوق أن يعبِّر عن جمال ذاته سبحانه وتعالى، وأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات مدح وكمال، وأفعاله كلها في غاية العدل والرحمة، فهو عزّ وجل جميل من كل وجوه الجمال ومتصف بجميع نعوت العظمة والكمال[1].
[1] انظر: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (3/706 ـ 707) [دار عالم الفوائد، ط1، 1428هـ]، والجواب الكافي (262) [دار ابن حزم، ط1].
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة. قال: «إن الله جميل، يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»[1].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله! أَمِنَ الكبر أن ألبس الحلة الحسنة؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال»[2].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 91).
[2] أخرجه الحاكم في المستدرك (كتاب الإيمان، رقم 70) وصححه على شرط مسلم، ووافقه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/166 رقم 1626).
قال قوام السُّنَّة الأصبهاني رحمه الله ردًّا على من أنكر وصف الله بالجميل: «ولا وجه لإنكار هذا الاسم أيضًا؛ لأنه إذا صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا معنى للمعارضة، وقد صح أنه قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله جميل يحب الجمال» ؛ فالوجه إنما هو التسليم والإيمان»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «ومن أسمائه الحسنى: الجميل، وفي الصحيح عنه: «إن الله جميل يحب الجمال» وجماله سبحانه على أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها صفات كمال وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة...»[2].
قال السعدي رحمه الله: « وكذلك هو الجميل بذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله؛ فلا يمكن مخلوقًا أن يعبِّر عن بعض جمال ذاته، حتى إن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم، واللذات، والسرور، والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا رأوا ربهم، وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم، وتلاشى ما هم فيه من الأفراح، وودّوا أن لو تدوم هذه الحال واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحًا تكاد تطير له القلوب.
وكذلك هو الجميل في أسمائه، فإنها كلها حسنى بل أحسن الأسماء على الإطلاق وأجملها، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] ، وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} [مريم] ، فكلها دالَّة على غاية الحمد، والمجد، والكمال، لا يسمى باسم منقسم إلى كمال وغيره.
وكذلك هو الجميل في أوصافه؛ فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد، فهي أوسع الصفات، وأعمّها، وأكثرها تعلقًا، خصوصًا أوصاف الرحمة، والبر، والكرم، والجود.
وكذلك أفعاله كلها جميلة؛ فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويثنى عليه ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث ولا سفه، ولا سدى ولا ظلم، كلها خير وهدى ورحمة ورشد وعدل {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *} [هود] .
فلكماله الذي لا يحصي أحد عليه به ثناءً كملت أفعاله كلها؛ فصارت أحكامه أحسن الأحكام، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع، وأتقن ما صنعه: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] . وأحسن ما خلقه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ *} [المائدة] »[3].
[1] الحجة في بيان المحجة (2/489 ـ 490) [دار الراية، الرياض، ط2، 1419هـ].
[2] الفوائد لابن القيم (182)، وانظر: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (3/706 ـ 707).
[3] الحق الواضح المبين للسعدي (226)، وانظر: توضيح الكافية الشافية (378).
المسألة الأولى: الجميل اسم من أسماء الله الحسنى:
هذا الاسم لم يرد في القرآن الكريم ولكنه ورد في الحديث النبوي بصورة الاسم، وقد ذكره كثير من أهل العلم الذين اعتنوا بأسماء الله الحسنى وجمعوها وصنفوا فيها[1]، فهو من أسماء الله الحسنى كما جاء في الحديث، ولا وجه لإنكاره. قال الحافظ قوام السُّنَّة أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني رحمه الله: «لا وجه لإنكار هذا الاسم أيضًا؛ لأنه إذا صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا معنى للمعارضة، وقد صحَّ أنه قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله جميل يحب الجمال» ؛ فالوجه إنما هو التسليم والإيمان»[2].
المسألة الثانية: إن هذا الاسم يدل على ثبوت صفة الجمال لله تعالى:
وهي من صفات الله الذاتية التي لا تنفك عنه، فله سبحانه الجمال المطلق، كما يليق بجلاله وعظمته[3]. قال ابن القيم رحمه الله: «والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك ـ أي: الجمال ـ، فإنه جميل يحب الجمال بل الجمال كله له»[4]. وقال المناوي رحمه الله: «إن الله جميل، له الجمال المطلق، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال»[5].
المسألة الثالثة: أن الله سبحانه وتعالى متصف بالجمال:
وله سبحانه الجمال المطلق الكامل من جميع الوجوه، قال ابن القيم رحمه الله: «المحبة لها داعيان: الجمال والإجلال، والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك، فإنه جميل يحب الجمال بل الجمال كله له، والإجلال كله منه، فلا يستحق أن يحب لذاته من كل وجه سواه»[6]. فالله سبحانه وتعالى جميل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا مقارنة بل ولا مقاربة لأحد في شيء من ذلك، فهو سبحانه المحبوب الحقيقي الوحيد الذي يستحق أن يحب لذاته من كل وجه، وهذا يستوجب أن يكون حب الله سبحانه وتعالى في نفوس عباده أشد وأكثر وأقوى من محبة جميع المحبوبين سواه، وأن يقدموا حكم الله ورضاه على أحكام غيره ورضاهم، ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.
المسألة الرابعة: إن الله جميل يحب الجمال:
يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة، يحب الجمال وأهله، وبالعكس يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والأحوال والمعتقدات، ويبغض أهلها؛ فهذا يقتضي من المرء المسلم أن يجتنب ويبتعد عن كل ما يذهب بجماله الظاهري والباطني من الأفعال القبيحة والأقوال السيئة والمعتقدات الفاسدة الباطلة التي يبغضها الله تعالى ويكرهها، ويقتضي منه أن يهتم بتجميل باطنه وتزيين داخله وإصلاح نفسه وعمارة قلبه بالعلم النافع والعقيدة الصحيحة والأقوال الطيبة والأعمال الصالحة، كما يقتضي منه الاعتناء بجمال مظهره ومنظره وملبسه وهيئته وشكله وصورته حسب استطاعته وقدرته ووفق حدود الشريعة الإسلامية وضوابطها، فإن ذلك مما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه، فإنه سبحانه جميل يحب الجمال.
[1] انظر: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (3/706 ـ 707)، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (162 ـ 163).
[2] الحجة في بيان المحجة (2/489 ـ 490).
[3] انظر: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (3/706 ـ 707)، والجواب الكافي (262)، وصفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (80) [دار الهجرة الرياض، ط1، 1414هـ].
[4] الجواب الكافي (262).
[5] التيسير بشرح الجامع الصغير (1/504) [مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، ط3، 1408هـ].
[6] الجواب الكافي (262).
إن الله تعالى جميل، ولذلك سمَّى نفسه بأسماء كلها حسنى، ووصف نفسه بصفات كلها مدح وكمال، ويفعل أفعالاً كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة، وكل ما في الدنيا والآخرة من الحسن والجمال والبهاء فهو من آثار اسم الله الجميل، ولا يمكن لمخلوق أن يعبِّر عن جمال الله تعالى ولا عن آثار حسنه وجماله في خلقه حق التعبير البتة[1].
مذهب المخالفين:
الجميل: يدل على اتصاف الله سبحانه وتعالى بصفة الجمال، وهي من صفات الله الذاتية، فهي من جملة الصفات التي أنكرتها الجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية، وهم يؤولون قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله جميل» بتأويلات؛ فمنهم: من يزعم أن الجميل هنا بمعنى الجليل، ومنهم من يزعم أنه بمعنى مالك الجمال، ومنهم من يزعم: أنه بمعنى معطي الجمال، ومنهم يحمله على جمال الأفعال كالبر والإحسان والجزاء الكثير على العمل القليل، ويجعله مقصورًا عليها[2]، وهذه كلها تأويلات غير مقبولة وقصر للنصوص على بعض معانيها، وإنكار لما دلَّ عليه هذا الاسم، وإنكار لجمال ذات الباري سبحانه، والحديث النبوي الذي جاءنا عن أعرف الخلق بربِّ العالمين يرد على من أنكر هذا الاسم أو نفى ما دلَّ عليه من اتصاف الرب تعالى بصفة الجمال، كما يليق بجلال الله وعظمته، فهو سبحانه جميل في ذاته وجميل في أسمائه، وجميل في صفاته، وجميل في أفعاله[3].
[1] انظر: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (3/706 ـ 707)، والحق الواضح المبين (226).
[2] انظر: تفسير أبي السعود (4/53) [مكتبة الرياض الحديثة]، وكذلك انظر هذه التأويلات مع الرد المختصر عليها في: إبطال التأويلات لأبي يعلى (2/465 ـ 466) [دار إيلاف الدولية، الكويت، ط1، 1416هـ]، وشرح النووي لصحيح مسلم (2/90 ـ 91) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1393هـ]، ومن كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (151) [مكتبة وهبة، ط2، 1408هـ].
[3] انظر: الحجة في بيان المحجة (2/489 ـ 490)، وإبطال التأويلات (2/465 ـ 466)، وشرح النووي لصحيح مسلم (2/90 ـ 91).
1 ـ «إبطال التأويلات لأخبار الصفات» (ج2)، للقاضي أبي يعلى.
2 ـ «توضيح الكافية الشافية»، للسعدي.
3 ـ «الجواب الكافي»، لابن القيم.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج2)، لأبي القاسم التيمي.
5 ـ «الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين»، للسعدي.
6 ـ «شرح النووي لصحيح مسلم» (ج2).
7 ـ «صفات الله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
8 ـ «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» (ج3)، لابن القيم.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
10 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.