حرف الجيم / الجهة

           

الجهة: أصلها الوجه الذي يتوجه إليها الشيء والهاء عوضٌ من الواو[1]، قال ابن فارس: «الواو والجيم والهاء: أصل واحد يدل على مقابلة لشيء. والوجه: مستقبل لكل شيء»[2]. وتطلق الجهة ويراد بها: الناحية[3]. وتأتي بمعنى: النحو، تقول: كذا على جهة كذا[4].


[1] انظر: لسان العرب (13/556) [دار صادر، ط3، 1414هـ]، وبيان تلبيس الجهمية (3/607 ـ 608) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1، 1426هـ].
[2] مقاييس اللغة (6/88) [دار الفكر، 1399هـ].
[3] انظر: القاموس المحيط (1255) [مؤسسة الرسالة، ط8، 1426هـ].
[4] انظر: تهذيب اللغة (6/186) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].


الجهة: لفظ مجمل قد يُراد به أمر وجودي وقد يُراد به أمر عدمي، وقد وُجد هذا اللفظ في عبارات أهل الكلام للتعبير به عن معان خاصة[1].
وقيل: الجهة: لفظٌ مجمل لا يفهم منه عند الإطلاق معنى معين[2].


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/146)، وشرح الطحاوية (193) [وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ط1، 1418هـ].
[2] انظر: روضة الناظر (1/516) [مؤسسة الريان، ط2، 1423هـ]، وشرح مختصر الروضة (2/647) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1407هـ].


يمنع إطلاق لفظ الجهة في حق الله سبحانه وتعالى أو نفيه؛ لأنه لم يرد في نصوص الكتاب والسُّنَّة، ولا أُثر عن أحدٍ من سلف هذه الأمة إثباته أو نفيه.
وموقف أهل السُّنَّة من هذا اللفظ هو التوقف فيه والاستفصال عن المعنى، فإن أريد به حقٌّ قُبل، وعلى المتكلم به أن يتكلم بالألفاظ الشرعية، وإن أريد به باطلٌ رُدّ[1].


[1] انظر: التدمرية (66 ـ 67) [مكتبة العبيكان، ط6، 142هـ]. وانظر: مجموع الفتاوى (6/39 ـ 40) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، طعام: 1416هـ]، والصواعق المرسلة (3/947) [دار العاصمة، ط1، 1408هـ].


الجهة: لفظ يطلقه أهل الكلام ويعبِّرون به عن معانٍ لم يعبر غيرهم عنها بهذه الألفاظ، فيفسرون تلك المعاني بعبارات أخرى ويبطلون ما دلَّ عليه القرآن بالأدلة العقلية والسمعية.
ومن أطلق هذا اللفظ من أهل التعطيل يريد من خلاله نفي علو الله تعالى[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/146).


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن مسمى لفظ الجهة يراد به أمر وجودي كالفلك الأعلى، ويراد به أمر عدمي كما وراء العالم. فإذا أريد الثاني أمكن أن يقال: كل جسم في جهة. وإذا أريد الأول امتنع أن يكون كل جسم في جسم آخر. فمن قال: الباري في جهة، وأراد بالجهة أمرًا موجودًا، فكل ما سواه مخلوق له، ومن قال: إنه في جهة بهذا التفسير فهو مخطئ. وإن أراد بالجهة أمرًا عدميًّا، وهو ما فوق العالم، وقال: إن الله فوق العالم، فقد أصاب. وليس فوق العالم موجود غيره، فلا يكون سبحانه في شيء من الموجودات. وأما إذا فسرت الجهة بالأمر العدمي، فالعدم لا شيء. وهذا ونحوه من الاستفسار، وبيان ما يراد باللفظ من معنى صحيح وباطل يزيل عامة الشبه»[1].
ويقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «وأما لفظ الجهة: فقد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقًا، والله تعالى لا يحصره شيء، ولا يحيط به شيء من المخلوقات، تعالى الله عن ذلك. وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله وحده. فإذا قيل: إنه في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح، ومعناه: أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات فهو فوق الجميع، عال عليه»[2].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «لفظ الجهة، لم يرد في الكتاب والسُّنَّة إثباتًا ولا نفيًا، ويغني عنه ما ثبت فيهما من أن الله تعالى في السماء. وأما معناه فإما أن يراد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علو لا تحيط به.
فالأول باطل؛ لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب، والسُّنَّة، والعقل والفطرة، والإجماع.
والثاني باطل أيضًا؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
والثالث حق؛ لأن الله تعالى العليّ فوق خلقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته»[3].


[1] منهاج السُّنَّة النبوية (2/558) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]. وانظر: درء تعارض العقل والنقل (1/253) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ]، وبيان تلبيس الجهمية (3/610)، والجواب الصحيح (4/317 ـ 318) [دار العاصمة، ط2، 1419هـ].
[2] شرح الطحاوية (193).
[3] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (3/293) [دار الوطن، ط1، 1412هـ].


لا شكَّ أن استعمال الألفاظ المجملة الموهمة كلفظ: (الجهة) وترك الألفاظ الشرعية الواردة في الكتاب والسُّنَّة، يترك آثارًا سيئة وأضرارًا كبيرة في الأمة؛ بل إنها أصل البلاء وهي مورد الصديق والزنديق[1]. ومما يدل على خطورة ذلك أمور:
1 ـ أنه بسبب استخدام المتكلمين لهذه الألفاظ ـ والتي منها لفظ (الجهة) ـ واعتنائهم بها، وقعوا في تحريف نصوص الشرع ومعارضتها بحيث إن جاء نص يخالف ذلك اللفظ المجمل صار يحرفه عن مدلوله البيِّن الواضح، وقالوا: هذه أدلة لفظية لا تفيد اليقين، وإنما اليقين في معقولات اليونان[2].
2 ـ الانحراف عن الحق وتباين المواقف في النصوص: فالمبتدعة لما اهتموا بالطرق البدعية والأدلة المبتدعة المركبة من الألفاظ المجملة لا سيما فيما يتعلق بإثبات الخالق انحرفوا عن سواء السبيل، وصاروا شيعًا وطوائف مختلفة[3].


[1] انظر: مدارج السالكين (3/143) [دار الكتاب العربي، ط3، 1416هـ].
[2] انظر: موقف ابن تيمية وابن القيم من الألفاظ المجملة (74). وانظر: درء التعارض (1/209، 221)، والصواعق المرسلة (3/925 ـ 926).
[3] انظر: الفتوى الحموية الكبرى (274 ـ 277) [دار الصميعي، ط2، 1425هـ]، ومجموع الفتاوى (5/31 ـ 35)، ودرء التعارض (1/8 ـ 20، 201 ـ 208) والصواعق المرسلة (3/1048 ـ 1051).


عرَّف أهل الكلام الجهة بقولهم: أما الجهة: فجهة كل شيء ما له من الغاية المحدودة له. وبناء على ذلك قالوا: كل ما هو في جهة فهو محدود محدَث. وقال بعضهم: إن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية، فنفوا بذلك الجهة عن الله تعالى[1].
ويرد عليهم: بأن هذه المقدمات التي أوجبوها على أنفسهم ومن ثَمَّ ألزمتهم إلى القول بنفي الجهة عن الله هي باطلة من أصلها لم يدل عليها الدليل ولم يقل بها السلف الصالح. فهم أوهموا أن إثبات العلو صفة لله يلزم منه أن يكون في جهة أو حيز أو مكان كما يكون الإنسان في بيته، ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجًا إلى غيره. والله تعالى غني عن كل ما سواه، وهذا موضع الاشتباه، ولذلك أجاب أهل السُّنَّة عن ذلك بالاستفصال عن المراد بهذه الألفاظ كما تقدم بيان ذلك[2].


[1] انظر: الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد (145) [مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1998م]، والمبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي [مكتبة وهبة، ط2، 1413هـ]، والكليات للكفوي (348) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1419هـ]، وحاشية السيوطي على سنن النسائي (2/226) [مكتبة المطبوعات الإسلامية، ط2، 1406هـ]، وأساس التقديس (109) [مكتبة الكليات الأزهرية، ط1406هـ].
[2] انظر: منهاج السُّنَّة النبوية (2/323) (5/282)، واجتماع الجيوش الإسلامية (2/324) [مطابع الفرزدق التجارية، ط1، 1408هـ]، وشرح الطحاوية (193).


1 ـ «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ج2)، لابن القيم.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج3)، لابن تيمية.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج1، 6)، لابن تيمية.
4 ـ «شرح الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
5 ـ «الصواعق المرسلة» (ج2، 3)، لابن القيم.
6 ـ «مجموع الفتاوى» (ج5، 6)، لابن تيمية.
7 ـ «مصطلحات في كتب العقائد»، لمحمد الحمد.
8 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعامر بن عبد الله بن فالح.
9 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية» (ج2)، لابن تيمية.
10 ـ «موقف شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم من الألفاظ المجملة المتعلقة بأبواب التوحيد والقضاء والقدر»، لعبد السميع بن عبد الأول.