الجواد: مأخوذ من الجود، قال ابن فارس: «الجيم والواو والدال أصل واحد، وهو التسمح بالشيء، وكثرة العطاء. يقال: رجل جَواد بَيِّن الجود، وقوم أجواد. والجَوْد: المطر الغزير. والجَواد: الفرس الذريع والسريع، والجمع جياد والمصدر الجودة»[1]. فالجواد معناه في اللغة: كثير العطاء.
[1] انظر: مقاييس اللغة (1/252) [دار الكتب العلمية، 1420هـ].
الجواد: اسم من أسماء الله الحسنى، فهو سبحانه كثيرُ العطاءِ بسماحة وسخاء، الذي عمَّ بجوده وكرمه جميع الكائنات[1].
[1] انظر: كتاب التوحيد لابن منده (2/99) [مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1، 1423هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/169) [مكتبة السوادي، جدة، ط1، 1413هـ]، والحق الواضح المبين للسعدي (247) [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].
يجب الإيمان بهذا الاسم وما دلَّ عليه من الصفة، ويجب إثباتهما لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، لدلالة الحديث النبوي عليه[1].
[1] انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/521) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1، 1426هـ]، وأسماء الله الحسنى لابن القيم (235) [دار الكلم الطيب، ط2، 1419هـ].
الجود: هو العطاء بسماحة وسخاء، والله عزّ وجل موصوف بأعلى أنواع الجود والكرم، فهو سبحانه من فضله وجوده وكرمه ملأ جميع الكائنات بنعمه الكثيرة المتنوعة، وعمَّ بها جميع المخلوقات، وخصَّ أولياءه في الآخرة بنعيم الجنة، وأعدَّ لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر[1].
[1] انظر: الحق الواضح المبين للسعدي (247).
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فسلوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فسلوني أرزقكم، وكلكم مذنب إلا من عافيت، فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالي، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي ما نقص ذلك من ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنية فأعطيت كل سائل منكم ما سأل ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه، ذلك بأني جواد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن؛ فيكون» [1].
[1] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم 2495) وقال: «هذا حديث حسن»، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4257)، وأحمد (35/294، رقم 21367) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 5375)، والحديث أصله في صحيح مسلم، وليس فيه جملة: (أني جواد ماجد). لكن أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن (89) [دار ابن كثير، ط1]، والشاشي في مسنده (80، رقم 20) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، والبيهقي في الشعب (13 / 287)[مكتبة الرشد، ط1]، من طريق طلحة بين عبيد الله بن كريز مرفوعاً: ""إن الله جواد يحب الجواد""، وهو مرسل ضعيف، لكنه يصلح شاهداً لحديث أبي ذر، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا ريب أن الله عند أهل الملل كريم جواد ماجد محسن عظيم المن قديم المعروف، وأن له الأسماء الحسنى التي يثنى عليه فيها بإحسانه إلى خلقه»[1].
وقال ابن القيم: «إن الله سبحانه غني حميد كريم رحيم، فهو محسن إلى عبده، مع غناه عنه، يريد به الخير، ويكشف عنه الضر، لا لجلب منفعة إليه سبحانه، ولا لدفع مضرة؛ بل رحمة وإحسانًا وجودًا محضًا؛ فإنه رحيم لذاته، محسن لذاته، جواد لذاته، كريم لذاته، كما أنه غني لذاته، قادر لذاته، حي لذاته، فإحسانه وجوده وبره ورحمته من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك، كما أن قدرته وغناه من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك»[2].
وقال في نونيته المشهورة:
وهو الجواد فجوده عم الوجودَ
جميعَه بالفضل والإحسان
وهو الجواد فلا يخيّب سائلاً
ولوَ انه من أمّة الكُفران[3]
وقال السعدي: «أنه تعالى (الجواد) المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات، وملأها من فضله وكرمه ونعمه المتنوعة، وخص بجوده السائلين بلسان المقال أو لسان الحال من بر وفاجر ومسلم وكافر، فمن سأل الله أعطاه سؤاله وأناله ما طلب فإنه البر الرحيم، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ *} [النحل] ومن جوده الواسع ما أعده لأوليائه في دار النعيم مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»[4].
[1] بيان تلبيس الجهمية (1/521).
[2] أسماء الله الحسنى235).
[3] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (3/720 ـ 721) [دار عالم الفوائد، ط1، 1428هـ].
[4] الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين (247).
إن هذا الاسم يدل على ثبوت صفة الجود لله تعالى، وهي من صفات الله الذاتية والفعلية، ثابتة لله جلّ جلاله كما يليق بجلاله وعظمته[1].
[1] انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/521)، وأسماء الله الحسنى لابن القيم (235)، وصفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (87 ـ 88) [دار الهجرة الرياض، ط1، 1414هـ].
1 ـ إن الله سبحانه وتعالى جواد كريم، ولا غنى لمخلوق عن جوده وكرمه طرفة عين ولا أقل من ذلك، فكلهم ينعمون بنعم الله التي أكرمهم الله بها بجوده وكرمه، وهذا أمر مشاهد ومحسوس، ولكن الناس في نيل جود الله وكرمه على مراتب ودرجات، وذلك حسب توفيق الله لهم واتخاذهم الأسباب المقتضية لذلك.
2 ـ إن الله عزّ وجل حثَّ على الجود والإنفاق والإيثار والكرم في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وكذلك حثَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك في أحاديث كثيرة، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أكرم الناس وأجود الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم على درجة عالية من الجود والكرم والبذل والعطاء، وكانوا أجود وأكرم ممن جاء بعدهم، والمسلمون عمومًا عندهم من الجود والكرم ما لا عند غيرهم، وهذا أمر مشاهد ومحسوس، ولا سيما في المجتمعات البشرية التي يسكنها المسلمون وغيرهم، وكل ذلك من فضل الله وجوده وكرمه عليهم، وذلك فضل الله يعطيه من يشاء.
لا شكَّ أن الجواد اسم من أسماء الله الحسنى، والجهمية وشيوخهم من الفلاسفة وتلاميذهم من غلاة الصوفية وزنادقة الباطنية ينكرون جميع أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فهذا الاسم من جملة تلك الأسماء التي ينكرونها هؤلاء النفاة.
وهذا الاسم يدلُّ على اتصاف الله بصفة الجود، وهي من صفات الله الذاتية والفعلية، فهي من جملة الصفات التي أنكرتها الجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية، ومن جملة الصفات التي أنكرتها الكلابية ومن وافقهم الذين ينكرون صفات الأفعال الاختيارية لله تعالى[1]. وقد جاء إثبات هذا الاسم لله تعالى على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو أعلم الناس وأعرفهم بالله عزّ وجل، وأسماء الله عزّ وجل لا تتخلى عن معانيها، ولذا يجب إثبات هذا الاسم وما دلَّ عليه من اتصاف الرب بصفة الجود لله جلّ جلاله كما يليق بجلال الله وعظمته.
[1] انظر من كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (151) [مكتبة وهبة، ط2، 1408هـ].
1 ـ «أسماء الله الحسنى»، لابن القيم.
2 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
3 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج1)، لابن تيمية.
4 ـ «الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين»، للسعدي.
5 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
6 ـ «القواعد المثلى»، لابن العثيمين.
7 ـ «الكافية الشافية» (ج3)، لابن القيم.
8 ـ كتاب «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
10 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.