حرف الحاء / الحثو

           

قال ابن فارس: «الحاء والثاء والحرف المعتل يدلُّ على ذَرْوِ الشيء الخفيف السَّيْح»[1]، وقال ابن منظور: «والحَثْيُ ما رفعْتَ به يديك، وفي حديث الغسل «كان يَحْثي على رأْسه ثَلاثَ حَثَياتٍ؛ أَي: ثلاث غُرَفٍ بيديه، واحدتها حَثْيَة»[2] فالحثو بالواو والحثي بالياء كلاهما يستعملان فيما يعطيه الإنسان بكفيه من غير عدٍّ ولا إحصاء ولا وزن ولا كيل.


[1] مقاييس اللغة (1/336) [دار الكتب العلمية، ط1].
[2] لسان العرب (2/776) [دار المعارف، القاهرة].


الحثو: صفة من الصفات الفعلية الخبرية الاختيارية، فقد جاء في الأحاديث النبوية: «أن الله عزّ وجل يوم القيامة يحثو بكفيه ثلاث حثيات من هذه الأمة، فيدخلهم الجنة»[1].


[1] انظر: مختصر الصواعق (2/171) [مكتبة الرياض الحديثة، ط1349هـ]، وصفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (89 ـ 91) [دار الهجرة الرياض، ط1، 1414هـ]، ومعجم ألفاظ العقيدة (142 ـ 143) [مكتبة العبيكان، ط2، 1420هـ].


يجب الإيمان بهذه الصفة، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل؛ لدلالة الأحاديث النبوية عليها[1].


[1] انظر: الحجة في بيان المحجة (2/504) [دار الراية، الرياض، ط2، 1419هـ]، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم 128) [مكتبة دار البيان، دمشق ط3، 1421هـ]، وصفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (89 ـ 91).


الحثو: هو الإعطاء بالكفين، والله عزّ وجل موصوف باليدين والكفين، ويحثي بهما من هذه الأمة ثلاث حثيات، فيدخلهم الجنة[1].


[1] انظر: المعجم الكبير للطبراني (17/126 ـ 127 رقم 312) [مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط2، 1404هـ]، ومختصر الصواعق المرسلة (2/171).


عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «وعدني ربي سبحانه أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا، لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا، وثلاث حثيات من حثيات ربي عزّ وجل»[1].
وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن ربي وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفًا بغير حساب، ثم يتبع كل ألف بسبعين ألفًا، ثم يحثي بكفه ثلاث حثيات» ، فكبَّر عمر فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن السبعين ألفًا الأول يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم، وأرجو أن يجعل أمتي أدنى الحثوات الأواخر» [2].
وعن أبي سعيد الْحُبْرَاني الأنماري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ ربي وعدني أن يُدْخِل الجنةَ من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب، ويشفع لكل ألف سبعين ألفًا، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه» [3].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم 2437) وحسَّنه، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4286) واللفظ له، وأحمد في المسند (36/639 رقم 22303) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/513) [مؤسسة الريان] من طريقين: وقال في الأول منهما: «وهذا إسناد جيد»، وقال في الآخر: «وهذا أيضًا إسناد حسن»، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 3614) [مكتبة المعارف، ط5].
[2] أخرجه الدارمي في رده على المريسي (110) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ]، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 7247) واللفظ له، [مؤسسة الرسالة، ط2، 1414هـ]، والطبراني في المعجم الكبير (17/126 ـ 127 رقم 312) [مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط2، 1404هـ]، وجوّد ابن حجر إسناده في الفتح (3/2884) [بيت الأفكار الدولية].
[3] أخرجه الدارمي في رده على المريسي (111) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ]، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (2/384 ـ 385، رقم 814) [المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ]، والطبراني في المعجم الكبير (22/304 ـ 305 رقم 771)، والحديث في إسناده اضطراب، ولكنه صالح للاعتبار، والحديثان المذكوران يشهدان له. انظر للتفصيل: ظلال الجنة في تخريج السُّنَّة للألباني (2/384 ـ 385 رقم 814) [المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ].


إن عمر بن الخطاب لما سمع قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ثم يحثي لي ربي بكفيه ثلاث حثيات» ، كبَّر فرحًا، وقال: «وأرجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر» [1].
قال ابن القيم: «ورد لفظ اليد في القرآن والسُّنَّة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا متنوعًا متصرفًا فيه مقرونًا بما يدل على أنها يد حقيقة، من الإمساك والطي والقبض والبسط والمصافحة والحثيات والنضح باليد»[2].


[1] تقدم قريبًا في حديث عتبة بن عبد السلمي.
[2] مختصر الصواعق المرسلة (2/171).


الحثو: صفة فعلية، ويكون ذلك بالكفين كما جاء ذلك منصوصًا عليه في الأحاديث النبوية المذكورة، ولكن هناك طوائف أنكرت صفة الحثو لله تعالى؛ بل أنكرت صفة اليدين والكفين لله عزّ وجل، فزعمت أنه ليس ثمة يَدٌ ولا كَفٌّ ولا حثي، وهم الجهمية، والمعتزلة، والمتأخرون من الأشاعرة، والماتريدية[1]، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية قد جاءت بإثبات صفة اليد لله تعالى، وجاءت الأحاديث النبوية بإثبات الكفين والحثو بهما صفة لله تعالى، وهي كلها من صفات المدح والكمال، والنبي صلّى الله عليه وسلّم أعرف الناس بالله جلّ جلاله، وأفصحهم في التوضيح والبيان، وأنصحهم للخلق، وأحرصهم على هدايتهم، وأكثرهم تعظيمًا وتقديسًا وتسبيحًا لله جلّ جلاله، فيجب الإذعان والتسليم لهذه النصوص، ويجب إثبات ما دلَّت عليه من الصفات لله عزّ وجل، كما يليق بجلال الله وعظمته[2]، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


[1] انظر من كتب أهل السُّنَّة: سنن الترمذي (166 ـ 167) [مكتبة المعارف، ط1]، والاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة لابن قتيبة (40 ـ 43) [دار الراية، ط1، 1412هـ]، وانظر من كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (228 ـ 229) [مكتبة وهبة، ط2]، والكشاف للزمخشري (2/265 ـ 267 و5/320 ـ 323) [مكتبة العبيكان، ط1، 1418هـ]، ومن كتب الأشاعرة: المواقف للإيجي (298) [دار الجيل، ط1، 1997م]، ومن كتب الماتريدية: مدارك التنزيل للنسفي (1/ 291و4/62).
[2] انظر: مختصر الصواعق المرسلة (2/171)، وصفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (89 ـ 91)، ومعجم ألفاظ العقيدة (142 ـ 143).


1 ـ «اجتماع الجيوش الإسلامية»، لابن القيم.
2 ـ «الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة»، لابن قتيبة.
3 ـ «الأسماء والصفات» (ج2)، للبيهقي.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج2)، لأبي القاسم التيمي.
5 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
6 ـ «مختصر الصواعق»، لابن القيم (ج2)، للموصلي.
7 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.
8 ـ «نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد»، للدارمي.