حرف الحاء / الحركة

           

الحركة ضد السكون قال ابن فارس: «الحاء والراء والكاف أَصلٌ واحد، فالحركة ضدُّ السكون. ومن الباب الحارِكانِ، وهما ملتقى الكتِفَين؛ لأنَّهما لا يزالان يتحرَّكان»[1].
وقال الأزهري: «حرك؛ الليث: تقول: حَرَكَ الشيءُ يحرُك حَرَكًا وحَرَكَة وكذلك يتحرَّك وتقول: قد أعْيا فما به حَراكٌ. قال. وتقول: حركْت مَحْركَه بالسيف حَرْكًا، والمَحْرَك: مُنتهى العُنُقِ عند مِفْصل الرّأس. والحاركُ: أعلى الكاهِل»[2].
التعريف اصطلاحًا:
الحركة هي: «الخروج من القوة إلى الفعل على سبيل التدريج... وقيل هي شغل حيز بعد أن كان في حيز آخر، وقيل: الحركة كونان في آنين في مكانين»[3].


[1] مقاييس اللغة (2/45) [دار الجيل، ط2، 1420هـ].
[2] تهذيب اللغة (4/60) [دار إحياء التراث العربي].
[3] التعريفات للجرجاني (114) [دار الكتاب العربي].


لفظ الحركة لم يرد في الكتاب ولا في السُّنَّة إثباتًا ولا نفيًا، وإنما هو من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقًّا وباطلاً، لذا فلا يقبل في حق الله بإطلاق لعدم وروده في النص، ولاحتماله معنًى غير لائق بالله، ولا ينفى بإطلاق لعدم الدليل النافي له، وخوفًا من نفي ما هو حق، وإنما الواجب الاستفسار عن المراد به، فإن قُصد به المعنى الصحيح قبل المعنى وعُبّر عنه باللفظ الشرعي، وتوقف في اللفظ، وإن أريد به المعنى الفاسد رد المعنى.



الحركة ضد السكون فهي جنس الفعل، فكل من فعل فعلاً فقد تحرك؛ وتسمى أحوال النفس حركة، فيقال: تحركت فيه المحبة، وتحركت فيه الحمية، وتحرك غضبه[1].


[1] انظر: مقاييس اللغة (2/45)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (5/568) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف].


اختلف العلماء في إطلاق لفظ الحركة على الله ونفيه عنه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الله يوصف بالحركة وهو قول الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين والهشامية والكرامية وغيرهم من أهل الكلام والفلسفة الذين صرحوا بلفظ الحركة[1]، وقال به الإمام أبو سعيد الدارمي ونصره على أنه قول أهل السُّنَّة[2]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وذكر عثمان بن سعيد الدارمي إثبات لفظ الحركة في كتاب نقضه على بشر المريسي ونصره على أنه قول أهل السُّنَّة والحديث، وذكره حرب بن إسماعيل الكرماني: لما ذكر مذهب أهل السُّنَّة والأثر، عن أهل السُّنَّة والحديث قاطبة، وذكر ممن لقي منهم على ذلك: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور»[3].
القول الثاني: نفي الحركة عن الله. وأول من عرف بهذا القول هم الجهمية والمعتزلة، ثم تبعهم على ذلك الكلابية والأشعرية والسالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة[4].
القول الثالث: التوقف والإمساك عن النفي والإثبات وهو اختيار كثير من أهل الحديث والفقه والتصوف[5].
وذكر ابن القيم أن هذا القول أسلم وأسعد بالصواب من غيره حيث قال: «وأما الذين أمسكوا عن الأمرين وقالوا: لا نقول يتحرك وينتقل، ولا ننفي ذلك عنه، فهم أسعد بالصواب والاتباع، فإنهم نطقوا بما نطق به النص، وسكتوا عما سكت عنه، وتظهر صحة هذه الطريقة ظهورًا تامًّا فيما إذا كانت الألفاظ التي سكت النص عنها مجملة محتملة لمعنيين: صحيح وفاسد؛ كلفظ الحركة والانتقال... ونحو ذلك من الألفاظ التي تحتها حق وباطل، فهذه لا تقبل مطلقًا ولا ترد مطلقًا، فإن الله سبحانه لم يثبت لنفسه هذه المسميات ولم ينفها عنه، فمن أثبتها مطلقًا فقد أخطأ، ومن نفاها مطلقًا فقد أخطأ؛ فإن معانيها منقسمة إلى ما يمتنع إثباته لله، وما يجب إثباته له»[6].


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/576)، والاستقامة (1/70) [جامعة الإمام، ط1، 1403هـ].
[2] انظر: نقض الدارمي على المريسي (1/338) [مكتبة الرشد، ط1، 1418هـ].
[3] مجموع الفتاوى (5/577).
[4] انظر: المصدر السابق (5/576).
[5] انظر: المصدر السابق (5/578).
[6] انظر: مختصر الصواعق (472) [دار الحديث، مصر، ط1، 1422هـ].


تذرع المعطلة لنفي الصفات عن الله بألفاظ مجملة، وعلل عليلة، يضعون لها مقدمات طويلة عقيمة، فيقولون مثلاً: إن وصف الله بكذا فيه تجسيم، أو يلزم منه حركة وهي من أمارة الحدوث، وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث فتوصلوا أخيرًا إلى نفي الصفات الثابتة لله تعالى في الكتاب والسُّنَّة تنزيهًا لله عن صفات الحدوث على حسب زعمهم.
فانظر مثلاً إلى الغزالي وهو يتحدث عن قواعده في العقائد: «الأصل الخامس: التنزه عن الجسمية: العلم بأن الله تعالى ليس بجسم مؤلف من جواهر؛ إذ الجسم عبارة عن المؤلف من الجواهر، وإذ بطل كونه جوهرًا مخصوصًا بحيز بطل كونه جسمًا؛ لأن كل جسم مختص بحيز، ومركّب من جوهر، فالجوهر يستحيل خلوه عن الافتراق والاجتماع والحركة والسكون والهيئة والمقدار، وهذه سمات الحدوث»[1].
وقد تقدم بيان مفهوم الحركة عندهم وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان، بحيث يكون قد فرغ الحيز الأول وشغل الثاني، وبناء على هذا المفهوم نفوا بعض الصفات الإلهية؛ كالاستواء والنزول ونحوهما من الصفات الاختيارية.
وهذا باطل؛ لأن الله أعلم بنفسه من غيره، وقد وصف نفسه بصفة الاستواء والنزول وغيرهما من الصفات العليا في كتابه وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ فالواجب إثبات ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله كما يليق بجلاله وعظمته، ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والكف عن الألفاظ المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان، كما هو واضح من أقوال العلماء السابقة.


[1] قواعد العقائد (159 ـ 160) [عالم الكتب، لبنان، ط2، 1405هـ]، وانظر أيضًا: درء التعارض (1/1) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ].


1 ـ «الاستقامة» (ج1)، لابن تيمية.
2 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج1)، لابن تيمية.
3 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه»، لمحمد أمان الجامي.
4 ـ «الصفات الخبرية بين الإثبات والتأويل»، لعثمان عبد الله آدم الأثيوبي.
5 ـ «مجموع الفتاوى» (ج5)، لابن تيمية.
6 ـ «مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين» (ج3).
7 ـ «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (ج5)، لابن باز.
8 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، للموصلي.
9 ـ «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (ج3)، لعبد الرحمن بن صالح المحمود.
10 ـ «موقف شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم من الألفاظ المجملة المتعلقة بأبواب التوحيد والقضاء والقدر»، لعبد السميع بن عبد الأول [رسالة ماجستير، في الجامعة الإسلامية بالمدينة] .