حرف الحاء / حسن الظن بالله

           

الحُسن من مادة: (ح.س.ن)، قال ابن فارس رحمه الله: «الحاء والسين والنون أصل واحد، فالحسن ضد القبح، يقال: رجل حسن، وامرأة حسناء وحسَّانة، والمحاسن من الإنسان وغيره: ضد المساوي»[1].
الحُسن: ضد القبح ونقيضه، والمحاسن: خلاف المساوي والحَسن: ما حسن من كل شيء، يقال: حسّنت الشيء تحسينًا: زينته، وأحسنت إليه وبه، وهو يحسن الشيء؛ أي: يعمله، ويستحسنه: يعده حسنًا، والحسنة: خلاف السيئة[2].
والظن من مادة: (ظ.ن.ن)، قال ابن فارس رحمه الله: «الظاء والنون أصل صحيح يدل على معنيين مختلفين: يقين، وشك»[3].
الظن: يدل على معنيين مختلفين يقين وشك، فأما اليقين فقول القائل: ظننت ظنًّا؛ أي: أيقنت، قال الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ} [البقرة: 249] ، أراد والله أعلم: يوقنون، والأصل الآخر: الشك، يقال: ظننت الشيء إذا لم يتيقنه، ومن ذلك الظِّنَّة: التهمة، والظنين: المتهم[4].


[1] مقاييس اللغة (2/57 ـ 58) [دار الجيل، 1420هـ].
[2] انظر: مقاييس اللغة (3/462)، ولسان العرب (3/177) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ]، وترتيب القاموس المحيط (1/643) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ].
[3] مقاييس اللغة (3/462).
[4] انظر: الصحاح (5/2099) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، ولسان العرب (8/271)، وترتيب القاموس المحيط (3/130).


حسن الظن بالله: هو رجاء الخير من الله تعالى، مع حسن العمل، وانعقاد أسباب النجاح[1].


[1] انظر: معالم السنن (1/301) [المطبعة العلمية بحلب، ط1، 1352هـ]، والداء والدواء (48 ـ 50) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ].


حسن الظن بالله: واجب من واجبات التوحيد، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن» [1]، ولقوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154] فهذه النصوص تدل على وجوب إحسان الظن بالله تعالى وتحريم إساءة الظن به[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2877).
[2] الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد (92).


حقيقة حسن الظن بالله تعالى هو حسن العمل نفسه؛ فهو فرع عن الإحسان في عبادته، والقيام بها وفق مراده، وبعدها تأميل الخير من الله تعالى، ورجاؤه في حسن المجازاة.
قال الخطابي رحمه الله: «إنما يحسن بالله الظن من حسن عمله، فكأنه قال: أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم بالله، فإن من ساء عمله ساء ظنه؛ وقد يكون أيضًا حسن الظن بالله من ناحية الرجاء وتأميل العفو والله جواد كريم، لا آخذنا الله بسوء أفعالنا ولا وكلنا إلى حسن أعمالنا برحمته»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه، فالذي حمله على العمل حسن الظن، فكلما حسن ظنه حسن عمله، وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز»[2].


[1] معالم السنن (1/301).
[2] الداء والدواء (48).


حسن الظن بالله تعالى من أجلّ العبادات القلبية وأشرفها وأعلاها شأنًا، فقد أثنى الله تعالى على أهله المتصفين به، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [البقرة] .
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «فتأمل كيف جعل رجاءهم مع إيمانهم بهذه الطاعات؟ فالرجاء إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله تعالى، شرعه وقدرته، وثوابه وكرامته، ولو أن رجلاً له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يحرثها ولم يبذرها، ورجا أنه يأتي من مغلها مثل ما يأتي من حرث وزرع وتعاهد الأرض؛ لعدَّه الناس من أسفه السفهاء، فكذلك من حسَّن ظنه بربه، وقوَّى رجاؤه في الفوز بالدرجات العلا والنعيم المقيم من غير طاعة، ولا تقرب إلى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه»[1].
وبالجملة؛ فحسن الظن بالله تعالى من أخص صفات أهل الإيمان، وأشرفها وتحقيقه منهم كان بحسن العمل بفعل الأوامر، وترك المناهي والاجتهاد في ذلك رجاء مغفرة الله تعالى وحسن جزائه وثوابه.


[1] شرح العقيدة الطحاوية (2/449) [مؤسسة الرسالة، ط13، 1419هـ].


قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ *} [النحل] .
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ *لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ *} [فاطر] .
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته بثلاث يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني» [2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2877).
[2] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7405)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2675).


قال النووي رحمه الله: «قال العلماء: معنى حسن الظن بالله: أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل: علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه»[2].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «والظن بالله عزّ وجل على نوعين: الأول: أن يظن بالله خيرًا. الثاني: أن يظن بالله شرًّا. والأول: له متعلقان:
1 ـ متعلق بالنسبة لما يفعله في هذا الكون، فهذا يجب عليك أن تحسن الظن بالله عزّ وجل فيما يفعله سبحانه وتعالى في هذا الكون، وأن تعتقد أن ما فعله إنما هو لحكمة بالغة، قد تصل العقول إليها، وقد لا تصل، وبهذا تتبين عظمة الله وحكمته وتقديره، فلا يظن أن الله إذا فعل شيئًا في الكون فعله لإرادة سيئة، حتى الحوادث والنكبات، لم يحدثها الله لإرادة السوء المتعلق بفعله، أما المتعلق بغيره بأن يحدث ما يريد به أن يسوء هذا الغير، فهذا واقع كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17] .
2 ـ متعلق بالنسبة لما يفعله بك، فهذا يجب أن تظن بالله أحسن الظن، لكن بشرط أن يوجد لديك السبب الذي يوجب الظن الحسن، وهو أن تعبد الله على مقتضى شريعته مع الإخلاص، فإذا فعلت ذلك، فعليك أن تظن أن الله يقبل منك، ولا تسيء الظن بالله بأن تعتقد أنه لن يقبل منك، وكذلك إذا تاب الإنسان من الذنب فيحسن الظن بالله أنه يقبل منه، ولا يسيء الظن بالله بأن يعتقد أنه لا يقبل منه»[3].


[1] صحيح مسلم بشرح النووي (17/210) [المطبعة المصرية بالأزهر، ط1، 1347هـ].
[2] الداء والدواء (48).
[3] القول المفيد (2/382 ـ 383) [دار ابن الجوزي، ط2، 1423هـ].


المسألة الأولى: ضابط حسن الظن بالله تعالى:
حسن الظن بالله تعالى لا يكون إلا مع إحسان العمل والاجتهاد في إيقاعه على الوجه المشروع، وأما مع ترك العمل والتمادي في الذنوب والمعاصي اعتمادًا على سعة رحمة الله ومغفرته وكريم عفوه فليس من حسن الظن في شيء.
يقول ابن القيم رحمه الله: «ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئًا استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدها: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوف من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله قدر الإمكان.
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني، والرجاء شيء والأماني شيء آخر، فكل راج خائف، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات، وهو سبحانه كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الصالحة، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة.
فعلم أن الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل، والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن، ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف»[1].
وجماع القول: أن حسن الظن لا يتأتى لأحد إلا مع إحسان العمل، وهذه حال الأنبياء والمرسلين وأتباعهم كما قال تعالى في وصفهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ *} [الأنبياء] .
المسألة الثانية: إحسان الظن بالله تعالى عند الموت:
استحب السلف للعبد عند خروجه من الدنيا أن يقوي جانب الرجاء وحسن الظن بالله تعالى على جانب الخوف، وقد دلَّ على هذا حديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول قبل أن يموت بثلاث: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن»[2].
ونقل البغوي في شرح السُّنَّة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا رأيتم الرجل بالموت فبشروه ليلقى ربه وهو حسن الظن به، وإذا كان حيًّا، فخوفوه بربه عزّ وجل»[3]، وقال معمر بن سليمان رحمه الله: «قال أبي عند موته: يا معمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله وأنا حسن الظن به»[4].
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: «الخوف أفضل من الرجاء، ما دام العبد صحيحًا، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل»[5].
وقال النووي رحمه الله: «في حال الصحة يكون خائفًا راجيًا ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإن دنت أمارات الموت غلّب الرجاء أو محّضه؛ لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن الافتقار إلى الله تعالى والإذعان له»[6].


[1] الداء والدواء (87 ـ 88).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2877).
[3] أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق (148، رقم 441) [دار الكتب العلمية].
[4] شرح السُّنَّة للبغوي (5/275).
[5] سير أعلام النبلاء (8/432) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1402هـ].
[6] صحيح مسلم بشرح النووي (17/210).


الفرق بين حسن الظن بالله تعالى والتمني:
حسن الظن بالله لا بد أن يعتمد على عمل صالح وإلا أصبح غرورًا وأمانيَ، وهذا ما قرره ابن القيم رحمه الله بقوله: «والفرق بينه [أي: الرجاء] وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل»[1].
وقال رحمه الله: «حسن الظن إن حمل على العمل، وحث عليه، وساق إليه؛ فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة، والانهماك في المعاصي؛ فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه حاديًا على الطاعة، زاجرًا له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء، ورجاؤه بطالة وتفريطًا، فهو مغرور»[2].
وقال ابن حجر رحمه الله: «والمقصود من الرجاء: أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله، ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيًا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور»[3].


[1] مدارج السالكين (1/458) [مؤسسة المختار، ط1، 1422هـ].
[2] الجواب الكافي (86).
[3] فتح الباري شرح صحيح البخاري (11/301).


إذا كان حسن الظن بالله تعالى في محله وعلى وجهه الصحيح وجادته القويمة فإنه يثمر ثمرات عظيمة وفوائد جمة؛ منها:
1 ـ إظهار العبودية والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه العبد من ربه ويستشرفه من إحسانه، وأن لا يستغني عن فضله، وإحسانه طرفة عين.
2 ـ أن حسن الظن بالله محبوب لله، فهو سبحانه يحب من عباده أن يحسنوا ظنهم بربهم، ويأملوه، ويسألوه من فضله لأنه الملك الحق الجواد فهو أجود من سئل وأكرم من أعطى.
3 ـ إحسان الظن بالله حاد يحدو بالعبد في سيره إلى الله، ويطيب له المسير، ويحثه عليه، ويبعثه على ملازمته.
4 ـ أنه يوجب المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها، والتعلق بها.
5 ـ أن الخوف مستلزم للرجاء وحسن الظن بالله، والرجاء وحسن الظن بالله مستلزم للخوف، فكل راج خائف، وكل خائف راج[1].


[1] رسائل الشيخ الحمد في العقيدة (8/13).


1 ـ «إعانة المستفيد بشرح كتاب»، للفوزان.
2 ـ «الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد»، للفوزان.
3 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
4 ـ «الداء والدواء»، لابن القيم.
5 ـ «رسائل في العقيدة»، محمد الحمد.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
7 ـ «حسن الظن بالله»، لابن أبي الدنيا.
8 ـ «أعمال القلوب: حقيقتها وأحكامها عند أهل السُّنَّة»، لسهل العتيبي.
9 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيم.
10 ـ «الآداب الشرعية»، لابن مفلح.