قيل: إنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين[1]، وتوفيت في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم في شعبان سنة خمس وأربعين للهجرة، عن ستين سنة[2].
[1] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (8/81) [دار صادر]، والإصابة في تمييز الصحابة (7/582).
[2] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (8/81 ـ 86)، والبداية والنهاية (11/172) [دار هجر، ط1].
أسلمت قبل الهجرة، وهاجرت إلى المدينة مع زوجها خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي، ثم مات عنها بعد بدر[1]، وذكر ابن الأثير أنه مات متأثرًا بجراحات أصابته في غزوة أُحد[2].
[1] انظر: سير أعلام النبلاء ـ سيرة (1/374) [مؤسسة الرسالة، ط3، 1405هـ]، والبداية والنهاية (11/172).
[2] انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة (1/624) [دار الفكر، بيروت، 1409هـ].
ـ أنها من المهاجرات اللاتي نلن شرف الهجرة في سبيل الله[1].
ـ أنها من المبشَّرات بالجنة.
ـ أنها زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا والآخرة.
ـ أن الله عزّ وجل شهد لها بكثرة الصيام والقيام.
ـ أن الله أمر نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم بإرجاعها حين طلقها.
يدلُّ لذلك بعض الأحاديث، منها حديث أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل، فقال: يا محمد طلقت حفصة تطليقة وهي صوامة قوامة، وهي زوجتك في الدنيا وفي الجنة» [2]. وعن عقبة بن عامر «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طلق حفصة، فأتاه جبريل فقال: راجعها فإنها صوّامة قوّامة»[3].
قال الألباني بعد كلامه على روايات الحديث المتقدم: «وجملة القول أن تطليقه صلّى الله عليه وسلّم لحفصة ثابت عنه من طرق، وكونه أُمر بإرجاعها ثابت من حديث أنس الصحيح، وقول جبريل له: «راجعها فإنها صوامة...» إلخ، حسن كما ذكرنا. والله أعلم»[4].
ومما يدلُّ على ذلك أيضًا حديث عمر بن الخطاب؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طلق حفصة ثم راجعها» [5].
وقال ابن القيم: «ومن خصائصها ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم طلقها فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة؛ فإنها صوّامة قوّامة، وإنها زوجتك في الجنة»[6].
[1] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (8/81).
[2] أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/27) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والطبراني في الأوسط (1/54) [دار الحرمين]، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 6754)، وسنده ضعيف، لكنه يعتضد بشواهده كما سيأتي.
[3] أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/26) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وسنده ضعيف، لكنه يعتضد بشواهده أيضًا كما سيأتي.
[4] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (5/18) [مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1416هـ].
[5] أخرجه أبو داود (كتاب الطلاق، رقم 2283)، وابن ماجه (كتاب الطلاق، رقم 2016)، وابن حبان (كتاب الطلاق، رقم 4275)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/34) [مكتبة المعارف، ط1، 1419هـ].
[6] جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام لابن القيم (241) [دار العروبة، الكويت، ط2، 1407هـ] .
المسألة الأولى: طلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم لحفصة رضي الله عنها ونزول الوحي بمراجعته إياها:
كان زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بها بعد زواجه بعائشة، سنة ثلاث من الهجرة على الراجح، وقيل: سنة اثنتين من الهجرة. وكانت حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قبل زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم منها تحت خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي رضي الله عنه، ثم مات عنها، فعرضها أبوها ـ بعد انقضاء عدتها ـ على عثمان بعد وفاة رقية منه، فاعتذر بأنه لا يريد الزواج الآن، ثم عرضها على أبي بكر رضي الله عنه فلم يرد عليه[1]، وقد روى ذلك الإمام البخاري بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ «أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتوفي بالمدينة، فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئًا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو تركها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبلتُها»[2].
فهذا صريح في أن عمر عرض ابنته على عثمان فاعتذر إليه عثمان بقوله: «قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا»، وأما ما جاء من أن عثمان هو الذي طلب من عمر أن يزوجه ابنته حفصة لكنه لم يجبه إلى ذلك فقد ذكره الحافظ، وذكر وجوهًا في الجمع بينه وبين ما تقدم في الصحيح، فقال: «قوله: أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، إلى أن قال: قد بدا لي أن لا أتزوج، هذا هو الصحيح، ووقع في رواية ربعي بن حراش عن عثمان عند الطبري وصححه هو والحاكم: أن عثمان خطب إلى عمر بنته فرده، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما راح إليه عمر قال: «يا عمر ألا أدلك على ختن خير من عثمان وأدل عثمان على ختن خير منك؟» قال: نعم يا نبي الله، قال: «تزوجني بنتك، وأزوج عثمان بنتي» ، قال الحافظ الضياء: إسناده لا بأس به، لكن في الصحيح أن عمر عرض على عثمان حفصة فرد عليه: قد بدا لي أن لا أتزوج، قلت: أخرج ابن سعد من مرسل الحسن نحو حديث ربعي، ومن مرسل سعيد بن المسيب أتم منه، وزاد في آخره: فخار الله لهما جميعًا، ويحتمل في الجمع بينهما أن يكون عثمان خطب أولاً إلى عمر فرده كما في رواية ربعي، وسبب رده يحتمل أن يكون من جهتها، وهي أنها لم ترغب في التزوج عن قرب من وفاة زوجها، ويحتمل غير ذلك من الأسباب التي لا غضاضة فيها على عثمان في رد عمر له، ثم لما ارتفع السبب بادر عمر فعرضها على عثمان رعايةً لخاطره كما في حديث الباب، ولعل عثمان بلغه ما بلغ أبا بكر من ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم لها، فصنع كما صنع من ترك إفشاء ذلك، ورد على عمر بجميل»[3].
المسألة الثانية: إفشاء حفصة سر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عائشة في قصة شرب النبي صلّى الله عليه وسلّم العسل وما ترتب عليها:
وخلاصة هذه القصة: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يمكث بعض الوقت عند زينب بنت جحش رضي الله عنها ويشرب عندها عسلاً، وفي يوم من الأيام اتفقت عائشة وحفصة رضي الله عنهما على أن تقول كل منهما للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه يشَمُّ منه رائحة مغافير، وهو نبت ذو رائحة كريهة، ولما دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم على حفصة قالت له ذلك، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يحب الطيب، فكره أن تنسب إليه ريح كريهة، وأخبرها بأنه شرب عسلاً عند زينب، وأنه لن يعود إلى شربه، وأمرها بالكتمان، لكنها أفشته لعائشة، فأخبر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بإفشائها سره، فذكر لها النبي صلّى الله عليه وسلّم بعض ما أفشته وأعرض عن البعض الآخر تكرمًا وسترًا، وعاتبه الله على تحريم الحلال على نفسه ـ وهو إما شرب العسل، وإما مارية القبطية وإما الاثنين معًا حسب ما سيأتي بيانه في سبب نزول الآية ـ مراعاة لخاطر بعض زوجاته، وأنزل تبارك وتعالى آيات في تأديب أمهات المؤمنين، وتوجيههن نحو الأكمل والأفضل في معاملة النبي صلّى الله عليه وسلّم والبعد عما يحزنه ويقلقه، ودعا كلًّا من عائشة وحفصة رضي الله عنهما إلى التوبة، وبيّن لهما بأنه قد وجد منهما ما يوجب التوبة، حيث مالت قلوبهما إلى محبة ما يكرهه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنه إذا تعاونتا على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بما يسوؤه، فإن الله وليه وناصره، وجبريل والملائكة وصالح المؤمنين، وهددهن تعالى بأن يستبدل بهنَّ زوجاتٍ أخرَ لنبيِّه هن خير منهن، مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكار. وهذا يدل على أن الله يختار لنبيِّه أفضل النساء، وأن الله لما لم يستبدلهن بغيرهن دلَّ على أنهنَّ أفضل النساء وأكملهن[4].
فقد روى الشيخان من طريق عبيد بن عمير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيّتنا دخل عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا؛ بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له» ، فنزلت: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 1 ـ 4] لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: 3] لقوله: بل شربت عسلاً»[5].
قال النووي: «وهذا أحد الأقوال في معنى السر، وقيل: بل ذلك في قصة مارية، وقيل غير ذلك»[6].
يشير بقصة مارية إلى ما رواه النسائي من حديث أنس: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت له أَمَةً يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله عزّ وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى آخر الآية»[7].
وفي الجمع بين هذا السبب، وهو تحريم الجارية عليه، وبين تحريم العسل على نفسه في نزول الآية يقول الحافظ ابن حجر: «يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معًا»[8].
وقال الشوكاني: «فهذان سببان صحيحان لنزول الآية، والجمع ممكن بوقوع القصتين؛ قصة العسل، وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعًا، وفي كل واحد منهما أنه أسرَّ الحديث إلى بعض أزواجه»[9]. بقي التنبيه على ما جاء في بعض الأحاديث من أن إفشاء حفصة رضي الله عنها سر النبي صلّى الله عليه وسلّم أدى إلى اعتزال النبي صلّى الله عليه وسلّم عن زوجاته شهرًا كاملاً، وجاء في بعضها أن سبب الاعتزال كان سؤالهن النبي صلّى الله عليه وسلّم النفقة[10]، وجمع الحافظ ابن حجر بينهما فقال: «يمكن الجمع بأن يكون القضيتان جميعًا سبب الاعتزال، فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما، وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة، ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين»[11].
[1] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (8/81 ـ 84)، والاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/1811)، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (3/185، و5/213) [دار الكتب العلمية، ط1، 1412هـ]، والكامل في التاريخ (2/171) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1417هـ]، والإصابة في تمييز الصحابة (7/581 ـ 582).
[2] أخرجه البخاري (كتاب النكاح، رقم 5122).
[3] فتح الباري لابن حجر (9/176 ـ 177).
[4] انظر: تفسير السعدي (872) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[5] أخرجه البخاري (كتاب الطلاق، رقم 5267) واللفظ له، ومسلم (كتاب الطلاق، رقم 1474).
[6] شرح النووي على مسلم (10/77) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1392هـ]، وانظر: تفسير القرطبي (18/177 ـ 179) [دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1384هـ].
[7] أخرجه النسائي (كتاب عشرة النساء، رقم 3959)، والحاكم في المستدرك (كتاب التفسير، رقم 3824) وصححه، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (9/376) [دار المعرفة]، والألباني في صحيح سنن النسائي (3/63) [مكتبة المعارف، ط1، 1419هـ]، وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند من أسباب النزول (218) [مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط4، 1408هـ].
[8] فتح الباري لابن حجر (8/657).
[9] فتح القدير للشوكاني (5/300) [دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، ط1، 1414هـ].
[10] جاء هذا في صحيح مسلم (كتاب الطلاق، رقم 1478). وانظر: فتح الباري لابن حجر (8/521).
[11] فتح الباري لابن حجر (8/521).
الروافض:
أطلق الروافض طعونهم في أم المؤمنين حفصة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحشدوا لإثبات ذلك كل ما هب ودب من القصص والروايات الباطلة[1]. وبيان هذا على النحو التالي:
ـ ادّعوا بأنها تآمرت هي وعائشة مع أبويهما على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسقتاه السم حتى مات بسببه، وزعموا أن قوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] نزل فيهم. وذكروا أن سبب هذا التآمر هو إفشاء حفصة إلى عائشة الحديث الذي أسرّه النبي صلّى الله عليه وسلّم إليها، وهو عند بعضهم: أن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده صلّى الله عليه وسلّم[2]، ولما وصل الخبر إلى أبي بكر وعمر استعجلا الأمر.
وعند بعضهم الآخرين: هو أن عليًّا وصي النبي صلّى الله عليه وسلّم من بعده، وفي كلا الأمرين يقولون بتآمر الأربعة على وضع السم للنبي صلّى الله عليه وسلّم[3].
ـ تصريحهم بتكفيرها؛ لأن الله قال فيها وفي عائشة: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ؛ أي: زاغت، والزيغ الكفر[4]. واستباحوا لعنها ولعن حفصة ولعن أبويهما[5]، وجعلوا بالإجماع البراءة منهم شرطًا لصحة الإيمان[6].
[1] انظر: الكافئة للمفيد (16) [دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1414هـ].
[2] انظر: الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (3/100) [تحقيق: محمد الباقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية]، وكتاب الأربعين لمحمد طاهر القمي (627) [تحقيق: السيد مهدي الرجائي ط1، 1418هـ].
[3] انظر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة لعبد القادر عطا صوفي (1250).
[4] انظر: كتاب الأربعين للقمي (627).
[5] انظر: تهذيب الأحكام للطوسي (2/321) [تحقيق: السيد حسن الموسوي الخرساني، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط4]، والمحتضر لحسن بن سليمان الحلي (111) [تحقيق: علي أشرف، المكتبة الحيدرية، 1424هـ]، وبحار الأنوار للمجلسي (82/262) [تحقيق: إبراهيم الميانجي ومحمد الباقر البهبودي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1403هـ].
[6] انظر: الاعتقادات في دين الإمامية للصدوق (105 ـ 106) [تحقيق: عصام عبد السيد، دار المفيد، بيروت، 1414هـ].
لا شكَّ أن هذه الطعون في غاية الفساد لما يأتي:
أولاً: أن حفصة وعائشة وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم هم من المبشرين بالجنة، فالقدح فيهم ولعنهم وتكفيرهم تكذيب لله عزّ وجل ورسوله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، وهو كفر صريح لا يشوبه إيمان.
ثانيًا: إن ما ذكروه في الحديث المسر الذي نزلت الآية فيه باطل[1]. وقد سبق أن الصحيح في سبب نزول آيات صدر التحريم أمران اثنان؛ أحدهما: شرب العسل وتحريمه على نفسه صلّى الله عليه وسلّم، وثانيهما: تحريم النبي صلّى الله عليه وسلّم مارية القبطية على نفسه.
ثالثًا: إن تفسيرهم لـ{صَغَتْ} بزاغت، والزيغ: الكفر؛ هو من ضلالاتهم وسوء نياتهم تجاه الصحابة؛ فإن معنى {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}: مالت وأحبت ما كرهه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وليس معناه: ارتدت وكفرت كما زعم الروافض. قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري: «يقول تعالى ذكره: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4] أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالاً مما حرمه على نفسه بسبب حفصة»[2].
رابعًا: أما زعمهم بأن حفصة وعائشة وأبويهما قتلوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالسم واحتجاجهم على هذا بقوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} فهو ضرب من الأكاذيب، مبني على تحريف ممجوج، يرده تفسير السلف للآية قال الإمام ابن جرير في تفسيرها: «قال لأصحاب محمد معاتبهم على ما كان منهم من الهلع والجزع ـ حين قيل لهم بأحد: إن محمدًا قتل ـ ومقبحًا إليهم انصراف من انصرف منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم: {أَفَإِنْ مَاتَ} [آل عمران: 144] محمدٌ أيها القوم لانقضاء مدة أجله، أو قتله عدوُّكم، {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] ؛ يعني: ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدًا بالدعاء إليه، ورجعتم عنه كفارًا بالله بعد الإيمان به، وبعد ما قد وضحت لكم صحة ما دعاكم محمد إليه، وحقيقة ما جاءكم به من عند ربه»[3]. فشتّان بين هذا المعنى الذي فسر به السلف الآية، وبين تحريف الرافضة المخالف للحقيقة والواقع.
[1] انظر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة لعبد القادر عطا صوفي (1251).
[2] تفسير الطبري (23/93) [دار هجر، ط1، 1422].
[3] تفسير الطبري (6/96 ـ 97).
1 ـ «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج4)، لابن عبد البر.
2 ـ «الإصابة في تمييز الصحابة» (ج4 و7)، لابن حجر.
3 ـ «الاعتقادات في دين الإمامية»، للصدوق.
4 ـ «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (ج5)، للقاضي عياض.
5 ـ «البداية والنهاية» (ج11)، لابن كثير.
6 ـ «تفسير الطبري» (ج23).
7 ـ «سير أعلام النبلاء (سيرة)» (ج1)، للذهبي.
8 ـ «شرح صحيح مسلم» (ج10)، للنووي.
9 ـ «الطبقات الكبرى» (ج8)، لابن سعد.
10 ـ «فتح الباري» (ج8)، لابن حجر.