الحفِيظ والحافظ: اسمان مشتقان من الفعل: حفِظَ يحْفَظُ حِفظًا، بمعنى: مراعاة الشيء وحراسته. قال ابن فارس: «الحاء والفاء والظاء أصلٌ واحد يدلُّ على مراعاةِ الشيء، يقال: حَفِظْتُ الشيءَ حِفْظًا»[1].
وقال الجوهري: «حفظت الشيء حفظًا؛ أي: حرسته»[2].
[1] مقاييس اللغة (2/87) [دار الجيل، 1399هـ].
[2] الصحاح (3/308) [دار العلم للملايين، ط4].
الحفيظ والحافظ: اسمان ثابتان لله عزّ وجل يدلان على أن الله يحرس عباده ويصونهم عن أسباب الهلاك في أمور دينهم ودنياهم، وله معنيان:
الأول: أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية؛ وهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة، وعلمه بمقاديرها، وكمالها، ونقصها، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله وعدله.
والثاني: أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون[1].
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
تظهر العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي في أن الحفظ في كلٍّ منهما يدل على الحراسة ومراعاة الشيء، وتعاهده وعدم الغفلة عنه. غير أن المعنى الشرعي أوسع لاشتماله على حفظ الله للعباد وحفظه لأعمالهم من خير وشر، ولكونه في حق الله عزّ وجل يشمل جميع الخلائق، لا يعزب عن حفظه شيء في الأرض ولا في السماء، بخلاف حفظ المخلوق القاصر المحدود. وقد وصف الله عزّ وجل بعض خلقه بالحفظ فقال ـ حكاية عن يوسف عليه السلام ـ: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ *} [يوسف] ؛ أي: حفيظ للذي أتولاه، فلا يضيع منه شيء[2].
فتبيَّن أن حفظ المخلوق ليس كحفظ الله عزّ وجل؛ فالله حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة، يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر، ولا يخفى عليه خافية.
[1] انظر: شأن الدعاء للخطابي (67 ـ 68) [دار المأمون، ط1، 1404هـ]، المنهاج لشعب الإيمان (1/204) [دار الفكر، ط1، 1396هـ]، تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (183 ـ 184).
[2] تفسير السعدي (400) [مؤسسة الرسالة، ط1].
إن حفظ الله سبحانه وتعالى يتضمن أمرين:
أولهما: كمال علمه وإحاطته بجميع الأشياء، وعدم نسيان شيء منها، وكتابتها في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي بأيدي الملائكة، كما يقتضي علمه بمقاديرها في كمالها ونقصها، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب، ثم مجازاتهم عليها بفضله وعدله[1].
ثانيهما: حفظه لعباده وهو نوعان:
الأول: هو حفظه العام لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظ بنيتها، وتمشي إلى هدايته، وإلى مصالحها بإرشاده، وهدايته العامة التي قال عنها: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى *} [طه] .
الثاني: حفظه الخاص لأوليائه سوى ما تقدم، بحفظهم عما يضر إيمانهم أو يزلزل إيقانهم من الشبه، والفتن، والشهوات، ويحفظهم من أعدائهم من الجن وعن جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم[2].
[1] انظر: شرح النونية للهراس (2/473).
[2] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (183 ـ 184).
ورد ثبوت اسمَي الله تعالى (الحافظ) و(الحفيظ) في القرآن الكريم. قال تعالى: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [يوسف] ، وقال: {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ *} [هود] ، وقال: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ *} [سبأ] ، وقال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ *} [الشورى] .
قال الطبري في قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ *} «يقول: إن ربي على جميع خلقه ذو حفظ وعلم»[1].
وقال أيضًا: «وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة به، وغير ذلك من الأشياء كلها {حَفِيظٌ *} لا يعزب عنه علمُ شيء منه، وهو مجازٍ جميعهم يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من خير وشر»[2].
وقال ابن القيم:
«وهو الحفيظ عليهمُ وهو الكفيـ
ـلُ بحفظهم من كل أمر عان»[3].
وقال السعدي: «الحفيظ: الذي حفظ ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات، ولطف بهم في الحركات، والسكنات، وأحصى على العباد أعمالهم وجزاءها»[4].
[1] تفسير الطبري (15/365) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] تفسير الطبري (20/393).
[3] النونية لابن القيم (2/207) [مكتبة ابن تيمية، 1417هـ].
[4] تفسير السعدي (947).
ـ اسم الله الحافظ:
قال ابن منده رحمه الله تعالى: «ومن أسماء الله عزّ وجل: الحافظ والحفيظ»[1]، إلا أن هذا الاسم ورد مفضلاً[2]، كما في قوله تعلى: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *} [يوسف] . قال الطبري: «بمعنى: والله خيركم حفظًا»[3].
وقد عدَّه الحافظ ابن حجر من جملة الأسماء التي استدركها على من سبقه، واستدل له بالآية السابقة، واستدل له أيضًا بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *} [الحجر] [4].
ويظهر من صنيع بعض أهل العلم المعاصرين أنهم عدُّوا (الحافظ) من أسماء الله تعالى؛ إذ قرنوه باسمه الحفيظ، وفسروهما بمعنى واحد.
يقول الشيخ محمد خليل هراس: «فالحافظ والحفيظ مأخوذ من الحفظ؛ وهو الصيانة، ومعناه: الذي يحفظ عباده بالحفظ العام؛ فييسِّر لهم أقواتهم، ويقيهم أسباب الهلاك والعطب، وكذلك يحفظ عليهم أعمالهم، ويحصي أقوالهم، ويحفظ أولياءه بالحفظ الخاص؛ فيعصمهم من مواقعة الذنوب، ويحرصهم من مكايد الشيطان، وعن كل ما يضرهم في دينهم، ودنياهم»[5].
ولا شكَّ أن الله خير من حفظ، فهو الذي حفظ نبيَّه يوسف عليه السلام بعد أن كاد له إخوانه. فهو من باب وصفه بأكمل ما يتضمنه صفة الحفظ، والله تعالى أعلم.
[1] كتاب التوحيد (348).
[2] انظر: المستدرك على الفتاوى لابن تيمية (1/58).
[3] تفسير الطبري (16/160).
[4] انظر: فتح الباري (11/218) [دار المعرفة].
[5] شرح العقيدة الواسطية (105) [دار الهجرة، ط3].
1 ـ يجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه هو الحافظ لجميع الكائنات[1].
2 ـ وأنه تعالى حفيظ الأشياء يعلم جملها وتفاصيلها علمًا لا زوال فيه، ولا سهو، ولا نسيان[2].
3 ـ فيجب عليه أن يحفظ نفسه من الهلاك ودينه من الضياع، ويحفظ حدود الله، وهي أوامره ونواهيه وجميع شرائع الدين، وفي مقدمة ذلك قضية التوحيد، إذ هو أعظم ما ينبغي أن يحفظ ويصان[3].
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/311).
[2] الجامع لأسماء الله الحسنى لحامد أحمد الطاهر (79) [دار الفجر للتراث، ط1، 1423هـ].
[3] انظر: فقه الأسماء الحسنى للبدر (167).
من آثار حفظ الله لعباده:
1 ـ كمال علمه سبحانه فلا ينسى، وكمال إحصائه فلا يضيع شيء من أعمال العباد.
2 ـ حفظه لعباده بأقواله وأفعاله وبملائكته من جميع الشرور والهلاك.
3 ـ حفظه للقلوب وحراسة الدين عن الكفر والنفاق، وأنواع الفتن وفنون الأهواء والبدع حتى لا يزلّ عن الطريقة المثلى[1].
4 ـ حفظه لكتابه العزيز من التحريف والتبديل، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}.
5 ـ حفظه سبحانه للسماوات السبع والأرض وما فيهما، كما في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ *} [الأنبياء] .
والله يحفظ ذلك كله بلا مشقة ولا كلفة، ودون أدنى تعب أو نصب، كما قال سبحانه: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *} [البقرة] .
[1] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/311).
وقد خالف في هذا الاسم الجهمية والمعتزلة؛ فالجهمية لا يثبتون لله أي اسم لا حفيظ ولا غيره؛ فالله عندهم لا يسمى بشيء، وذلك لظنهم أن إثبات الأسماء يلزم منه التشبيه، والمعتزلة أثبتوا الأسماء مجردة عن الصفات، فالله عندهم حافظ بلا حفظ كما أنه عالم بلا علم، وقادر بلا قدرة وحي بلا حياة... إلخ[1]. وهذه الأقوال كلها مخالفة لما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسُّنَّة من وجوب إثبات أسماء الله وصفاته كما أثبتها الله لنفسه في كتابه وأثبتها له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من غير تحريف ولا تأويل ومن غير تشبيه ولا تعطيل.
[1] انظر: مقالات الإسلاميين (1/235) [مكتبة التخصصية المصرية، ط3]، ومجموع الفتاوى (6/34 ـ 35) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ]، ومنهاج السُّنَّة النبوية لابن تيمية (2/526) [مؤسسة قرطبة ط1، 1406هـ].
1 ـ «أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرزاق.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «الجامع لأسماء الله الحسنى»، لحامد أحمد الطاهر.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «المنهاج لشعب الإيمان»، للحليمي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.