حرف الحاء / الحق

           

الحق: مصدر (حقَّ)، يقال: حق الشيء؛ إذا وجب وثبت، وهو يأتي بمعنى: نقيض الباطل، وبمعنى: الثبات وعدم الزوال، والوجوب، والمطابقة، والصدق والعدل، وغيرها من المعاني.
قال ابن فارس: «الحاء والقاف أصلٌ واحد، وهو يدل على إحكام الشيء وصحّته. فالحقُّ نقيضُ الباطل، ثم يرجع كلُّ فرعٍ إليه بجَودة الاستخراج وحُسْن التّلفيق ويقال: حَقَّ الشيءُ وجَبَ. قال الكسائيّ: يقول العرب: إنك لتعرف الحَقَّةَ عليك، وتُعْفي بما لدَيْكَ»[1].


[1] مقاييس اللغة (2/15) [دار الجيل، ط2، 1420هـ].


الحقُّ: هو الله عزّ وجل الحق في ذاته وصفاته وأفعاله، الموجود الثابت الذي وجوده من لوازم ذاته، وكل ما ينسب إليه فهو حق[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/384) وتفسير السعدي (949).


العلاقة بين المعنيين قوية مع ملاحظة وسع المعنى اللغوي على المعنى الشرعي، فقد قيد الشرع الحق في باب الصفات بالمعنى اللائق بالله.



يجب إثبات اسم الله الحق لورود النصوص الشرعية بإثباته لله عزّ وجل اسمًا، كما يليق بجلاله وعظمته[1].


[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/384)، وتفسير السعدي (949).


الحق هو: الحق في ذاته وصفاته وأفعاله، وكل ما ينسب إليه فهو حق، وهو سبحانه الموجود الواجب الثابت الذي لا يزول، فوجوده من لوازم ذاته، لم يسبق بعدم ولا يلحقه عدم[1].


[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/384)، وفتح الباري لابن حجر (3/4، و7/153) [دار المعرفة]، وتفسير السعدي (949).


من أسماء الله الحسنى الثابتة بالكتاب والسُّنَّة اسمه (الحق)، قال الله عزّ وجل: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ *} [النور] . وقال الله سبحانه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ *} [المؤمنون] . قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: «{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: 114] ؛ أي: تنزه وتقدس الملك الحق، الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق، ورسله حق، والجنة حق، والنار حق، وكل شيء منه حق»[1].
وثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل يتهجد قال: اللَّهُمَّ لك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم حق، والساعة حق»[2].


[1] تفسير ابن كثير (9/371) [مؤسسة قرطبة، ط1].
[2] أخرجه البخاري (كتاب التهجد، رقم 1120)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 769).


تضافرت النقول عن أهل العلم في شرح وبيان معنى اسم الله (الحق)، وفيما يلي أذكر بعضها:
قال أبو القاسم الأصبهاني: «ومن أسمائه تعالى: الحق: وهو المتحقق كونه ووجوده وكل شيء صح وجوده وكونه فهو حق»[1].
وقال ابن تيمية: «اسم الحق يقع على ذات الله تعالى وعلى صفاته القدسية»[2].
وقال السعدي: «الحق في ذاته وصفاته، فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به. فهو الذي لم يزل ولا يزال بالجلال والجمال والكمال موصوفًا، ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفًا.
فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له هي الحق، وكل شيء ينسب إليه فهو حق»[3].


[1] الحجة في بيان المحجة (1/146) [دار الراية ط2، 1419هـ].
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/384).
[3] تفسير السعدي (949).


سبق بيان اشتمال دلالة اسم (الحق) على ذات الله المقدسة، وعلى صفاته العليا، والملاحظ لدى المخالفين من الصفاتية أنهم يؤولون اسم الله الحق، بأنه يحق الحق[1].


[1] شرح أسماء الله الحسنى للقشيري (186) [دار آزال، ط2، 1406هـ].


الواجب إثبات الاسم وما دلَّ عليه من المعاني والصفات على الوجه اللائق بالله تعالى.
فتأويلهم لاسم الله (الحق) بأنه يحق الحق، ولو كان هذا صحيحًا في حق الله، كما قال جلّ جلاله: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ *} [الأنفال] وقال الله سبحانه: {وَيَمْحُو اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الشورى: 24] فإن اسم (الحق) دالٌّ على اتصاف الله بنعوت الجلال وصفات الكمال، فلا بد من الإقرار بهذا وذاك.



1 ـ «أسماء الله الحسنى»، لماهر مقدم.
2 ـ «أسماء الله الحسنى»، لعبد الله بن صالح الغصن.
3 ـ «بدائع الفوائد» (ج4)، لابن القيم.
4 ـ «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
5 ـ «تفسير السعدي».
6 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، للأصبهاني.
7 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، لسعيد القحطاني.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
9 ـ «المنهاج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج1)، لزين محمد شحاتة.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج2)، لمحمد بن الحمود النجدي.