حرف الألف / الأزَلِـيّ

           

الأزليُّ: من الأزَل، وهو القديم، قال ابن فارس رحمه الله: «وأمّا الهمزةُ والزاءُ واللامُ: فأصلان: الضِّيْقُ، والكَذِب، قال الخليلُ: الأَزْلُ: الشدَّة... وأمَّا الكذبُ: فالإِزْلُ... وأمّا الأزَلُ الذي هو القِدَمُ: فالأصلُ ليس بقياس، ولكنه كلامٌ موجَزٌ مُبدَلٌ، إنما كان لم يَزَلْ، فأرادوا النِّسبةَ إليه فلم يَستقِم، فنسبوا إلى يَزَل، ثم قلبوا الياءَ همزةً فقالوا: أزَلِي، كما قالوا في ذي يَزَن حين نسبوا الرُّمحَ إليه: أزَنِيٌّ»[1].


[1] مقاييس اللغة (1/96 ـ 97) [دار الجيل، 1999م]، وانظر: القاموس المحيط (1241) [مؤسسة الرسالة، ط2].


عُرِّف الأزلي بتعريفات عدة متقاربة؛ ومنها:
قال ابن تيمية رحمه الله: «فالأزلي هو الذي لم يزل كائنًا»[1]. وقال أيضًا: «بل الأزل عبارة عن عدم الابتداء، وما لا ابتداء له فهو أزلي»[2].
وقال الجرجاني رحمه الله: «الأزل هو الشيء الذي لا بداية له... أو يقال: الأزل هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية من جانب الماضي»[3].
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:
العلاقة واضحة؛ حيث إن الأزل مبدل من (لم يزل) على غير قياس، كما سبق في كلام ابن فارس، فما لم يزل فهو قديم، والأزلي هو الذي لا ابتداء له، فالعلاقة واضحة.
على أنه يؤخذ من كلام الكفوي وجود علاقة بين المعنيين حتى على كونه بمعنى الضيق، حيث قال: «الأزل اسم لما يضيق القلب عن تقدير بدايته من الأزل، وهو الضيق»[4].


[1] درء تعارض العقل والنقل (2/225) [جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1، 1401هـ].
[2] المصدر السابق (3/37).
[3] التعريفات للجرجاني (21) [دار الكتب العلمية، ط1].
[4] انظر: الكليّات (80) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1993م].


سمي دوام القدم في الماضي بالأزلي لما فيه من استمرار القدم، فهو قديم ولا يزال قديمًا.



بعضهم يطلقه مرادفًا للقديم، ولكنه لا يصح؛ لأن بينهما فروقًا، كما سيأتي في الفروق.



حكم إطلاق الأزلي على الله تعالى وعلى صفاته: سيأتي بيانه في المسائل المتعلقة.



حقيقة الأزلي: إثبات الأبدية والدوام في الماضي، كما أن الأبدي إثبات الدوام في المستقبل.



قال ابن تيمية رحمه الله: «وليس الأزل وقتًا محدودًا، بل هو عبارة عن الدوام في الماضي، الذي لا ابتداء له، الذي لم يسبق بعدم، الذي ما زال»[1].
وقال الشنقيطي رحمه الله: «الأزل عبارة عما لا افتتاح له، سواء كان وجوديًّا؛ كذات الله وصفاته، أو عدميًّا؛ كإعدام ما سوى الله؛ لأن العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له، فهو أزلي»[2].
وقال الجرجاني رحمه الله: «الأزل هو الشيء الذي لا بداية له... أو يقال: الأزل هو استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية من جانب الماضي»[3].


[1] الصفدية (1/283) [دار الهدى النبوي].
[2] منهج ودراسات لآيات الصفات، للشنقيطي (94) [دار عالم الفوائد، مكة، ط1، 1426هـ].
[3] التعريفات للجرجاني (21) [دار الكتب العلمية، ط1].


المسألة الأولى: مسألة أزلية الصفات:
مذهب أهل السُّنَّة إثبات جميع الصفات، سواء كانت أزلية، أم فعلية.
أما المخالفون:
ـ فبعضهم لا يثبت الصفات أصلاً؛ كالجهمية والمعتزلة.
ـ وبعضهم يثبت بعضها، وهي الصفات العقلية، ولكنه يجعلها كلها أزلية، وينفي الصفات الاختيارية، وهؤلاء هم الأشاعرة.
ـ ومنهم ـ وهم الماتريدية ـ من يذهب إلى التفريق بين صفات الأفعال المتعدية واللازمة، فيذهبون إلى إثبات قيام القسم الأول به تعالى، وهذا صحيح موافق لمذهب السلف، ولكنهم يرون أن جميع صفات الأفعال المتعدية ترجع إلى صفة واحدة، وهي التكوين، كما أنهم يرون أن التكوين صفة أزلية لا تتجدد حسب مشيئته تعالى وقدرته، والتجدد في متعلقاتها فقط.
فهم مع السلف في أول الطريق، ومتأرجحون بين الطائفتين في وسطه، ومع الأشاعرة في النهاية.
أما الصفات الفعلية اللازمة: فينكرونها، وهذا يزيد مذهبهم تناقضًا؛ لأن هذا التفريق بين الأفعال المتعدية واللازمة ليس له أي مسوغ ومعنى.
ومما سبق يتضح الفرق بين موقف السلف وبين موقف الأشاعرة والماتريدية في هذه الصفات التي لا يختلفون من حيث المبدأ في إثباتها، ويتضح بذلك مقصودهم من التركيز على أزليتها، فمرادهم بذلك: نفي الجانب المتعلق بمشيئته وإرادته في هذه الصفات[1].
المسألة الثانية: حكم إطلاق الأزلي على الله تعالى وعلى صفاته:
أ ـ أما حكم إطلاق ذلك على الله تعالى: فلم يرد التصريح بذلك في شيء من نصوص الكتاب والسُّنَّة، كما لم يرد التصريح بإطلاق القديم عليه، ولكن لا إشكال في إطلاق الأزلي على الله تعالى؛ لأن معناه: إثبات الدوام لله تعالى في الماضي، وأن الله تعالى لا ابتداء له ولا افتتاح له، وأنه لم يسبق بعدم، فهو الأزلي الذي لم يزل موجودًا، كما أنه هو الأبدي الذي لا يزال.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: «نقول: الله القديم لم يزل، والخلق محدث مربوب...»[2].
وبهذا المعنى أطلقوا على الله تعالى أنه قديم، قال الإمام الطحاوي رحمه الله: «قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء»[3]. وقد نبَّه شارحه الإمام ابن أبي العز رحمه الله إلى أن معنى ما ذكره الطحاوي هو معنى اسميه: الأول والآخر، كما نبَّه أن التعبير بالأسماء الحسنى الواردة في الكتاب والسُّنَّة هو الأولى، وأن الأسماء الأخرى لا يمكن أن تؤدي المعنى الذي تشتمل عليها الأسماء الحسنى، وأن الشرع جاء «باسمه (الأول)، وهو أحسن من (القديم)؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه، وتابع له، بخلاف القديم، والله تعالى له الأسماء الحسنى، لا الحسنة»[4].
ب ـ أما إطلاق الأزلية على صفات الله تعالى:
فمذهب أهل السُّنَّة والجماعة أن الله تعالى أزلي بذاته وصفاته، وقد لخص مذهبهم الإمام الطحاوي رحمه الله قائلاً: «ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئًا لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليًّا؛ كذلك لا يزال عليها أبديًّا»[5].
فالله تعالى متصف بصفاته أزلاً وأبدًا.
ولكن ليس معنى كون اتصافه بصفات أزلاً نفي الصفات الاختيارية، أو نفي الجانب الاختياري من الصفات الأزلية، بل الصحيح إثبات ذلك، كما سبق في المسألة الأولى.
وقد نفى الكلابية ـ ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية ـ جميع الصفات الاختيارية، كما نفوا الجانب المتعلق بمشيئته في الصفات الفعلية؛ بحجة أن ذلك يستلزم حلول الحوادث بذات الله تعالى، ومذهبهم باطل لا أساس له من الصحة.


[1] للتفصيل في هذا الموضوع انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود (3/1053 ـ 1054) [مكتبة الرشد، الرياض، ط1]، والماتريدية، لأحمد الحربي (293) وما بعدها [دار الصميعي، ط2، 1421هـ].
[2] كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/65) [مكتبة الرشد بالرياض، ط6، 1418هـ].
[3] شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/75) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1408هـ].
[4] شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/75 ـ 87).
[5] المصدر السابق (2/96).


الفرق بين الأزل والأبد:
الأزل: ما لا بداية له في أوله؛ كالقدم، والأبد: ما لا نهاية له في آخره؛ كالبقاء.
الفرق بين الأزلي والقديم:
من الفروق التي ذكروها بينهما:
أن القديم أخص من الأزلي؛ لأن القديم هو الموجود الذي لا ابتداء لوجوده، والأزلي ما لا ابتداء له، وجوديًّا كان أو عدميًّا، فكل قديم أزلي ولا عكس[1].
فالأزلي أعم من القديم؛ لأن أعدام الحوادث أزلية، وليست بقديمة[2].
وهذا الفرق أوضحه الشنقيطي بقوله: «والقدم في الاصطلاح عندهم عبارة عن سلب العدم السابق، إلا أنه عندهم أخص من الأزل؛ لأن الأزل عبارة عما لا افتتاح له، سواء كان وجوديًّا؛ كذات الله وصفاته، أو عدميًّا؛ كإعدام ما سوى الله؛ لأن العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له، فهو أزلي، ولا يقال فيه قديم. والقدم عندهم عبارة عما لا أول له بشرط أن يكون وجوديًّا، كذات الله متصفة بصفات الكمال والجلال»[3].


[1] لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/38) [المكتب الإسلامي، ودار الخاني، ط3، 1411هـ].
[2] الكليات للكفَّوي (81).
[3] منهج ودراسات لآيات الصفات، للشنقيطي (94) [دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط1، 1426هـ].


1 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز.
2 ـ «التعريفات الاعتقادية»، لسعد بن محمد آل عبد اللطيف.
4 ـ «التعريفات»، للجرجاني.
5 ـ «كشاف اصطلاحات الفنون» (ج1)، للتهانوي.
6 ـ «الكليات»، للكفوي.
7 ـ «منهج ودراسات لآيات الصفات»، للشنقيطي.
8 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية»، لابن تيمية.
9 ـ «التحفة المهدية في شرح رسالة التدمرية»، لفالح الدوسري.
10 ـ «الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية»، لآمال بنت عبد العزيز العمرو.