الحُلول: مصدر من حَلَّ يَحِل حُلُولاً، وهو نزول القوم بمحلَّة، وهو نقيض الارتحال[1].
وقال الجوهري: «وحَلَّ العذاب يحِل بالكسر؛ أي: وَجب، ويحُل بالضم؛ أي: نَزل»[2].
وفي الكليات: «الحُلول: هو أن يكون الشيء حاصلاً في الشيء ومُخْتصًا به، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، تحقيقًا أو تقديرًا»[3].
فالحلول من يحُل بمعنى النزول وهو نقيض الارتحال، والحلول من: يحِل بمعنى الوجوب.
[1] انظر: تهذيب اللغة (3/435) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، والعين (3/26) [دار مكتبة الهلال]، والصحاح (4/1672) [دار العلم للملايين، ط3].
[2] الصحاح (4/1674).
[3] الكليات (390) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1412هـ].
لفظ الحلول لفظ مجمل يراد به معنى باطل، ويراد به معنى حق، وقد جاء في كلام الأنبياء لفظ الحلول بالمعنى الصحيح، فتأوله من في قلبه زيغ كالنصارى، وأشباههم على المعنى الباطل، وقابلهم آخرون أنكروا هذا الاسم بجميع معانيه، وكلا الأمرين باطل، فالناس يقولون: أنت في قلبي، أو ساكن في قلبي، وأنت حالٌّ في قلبي، ونحو ذلك، وهم لا يريدون أن ذاته حلَّت فيه ولكن يريدون أن تصوره وتمثله وحبه وذكره حلَّ في قلبه[1]. والمصطلح عليه في الحلول هو القول بحلول ذات الله في شيء من مخلوقاته، أو في جميعها، قال شيخ الإسلام مبيِّنًا معنى الحلول عند الحلولية: «وهو حلول الحق في الخلق»[2].
[1] انظر: الجواب الصحيح (4/371) (3/345).
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية (2/308)، وانظر: مجموعة الرسائل والمسائل له (1/79).
يقول شيخ الإسلام: «ومن هؤلاء الحلولية والاتحادية من يخص الحلول والاتحاد ببعض الأشخاص: إما ببعض الأنبياء كالمسيح، أو ببعض الصحابة كقول الغالية في علي، أو ببعض الشيوخ كالحلاجية ونحوهم؛ أو ببعض الملوك؛ أو ببعض الصور كصور المرد، ويقول أحدهم: أنا أنظر إلى صفات خالقي وأشهدها في هذه الصورة. والكفر في هذا القول أبين من أن يخفى على من يؤمن بالله ورسوله»[1].
وقال أيضًا: «وبالجملة فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر، واتحاده به، وأن البشر يكون إلهًا، وهذا من الآلهة، فهو كافر مباح الدم»[2].
والحلولية من الصوفية والنصارى جعلوا توحيدهم هو القول بالحلول، وقد كان أئمة القوم يحذرون عن مثل هذا، سئل الجنيد عن التوحيد فقال: هو إفراد الحدوث عن القدم، فبيَّن أنه لا بد للموحد من التمييز بين القديم الخالق، والمحدث المخلوق، فلا يخلط أحدهما بالآخر[3].
أما سلف الأمة وأئمتها، فقد أثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسُّنَّة، من غير تحريف للكلم عن مواضعه، أثبتوا أن الله فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، وهم بائنون منه، وهو أيضًا مع العباد عمومًا بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضًا قريب مجيب[4]. وهذا لا يستلزم حلوله في خلقه.
[1] مجموع الفتاوى (21/256)، وانظر: مجموعة الرسائل والمسائل (1/79).
[2] مجموع الفتاوى (2/481).
[3] انظر: المصدر السابق (5/126).
[4] انظر: مجموع الفتاوى (5/126).
من كلام السلف والأئمة في الرد على الحلولية، الأثر المشهور عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف ربنا عزّ وجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه هاهنا في الأرض[1]، فقيل هذا لأحمد بن حنبل، فقال: هكذا هو عندنا[2].
[1] أخرجه بنحوه الدارمي في الرد على المريسي (24، 103) [دار الكتب العلمية]، والبخاري في خلق أفعال العباد (15) [الدار السلفية، ط1، 1405هـ]، والبيهقي في الأسماء والصفات (538) [دار الكتب العلمية]، وصححه الذهبي في مختصر العلو (151) [المكتب الإسلامي، ط1، 1401هـ]، والألباني في تعليقه عليه، وابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (2/525).
[2] انظر: مختصر العلو (151)، وبيان تلبيس الجهمية (2/525).
أولاً: أقسامه بالنظر إلى كيفية الحلول:
ينقسم إلى قسمين:
1 ـ الحلول السرياني: عبارة عن اتحاد الجسمين، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر؛ كحلول ماء الورد في الورد، فيسمى الساري حالًّا والمسري فيه محلًّا.
2 ـ الحلول الجواري: عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفًا للآخر؛ كحلول الماء في الكوز[1].
ثانيًا: أقسامه بالنظر إلى المحلول فيه:
ينقسم إلى قسمين:
1 ـ الحلول المقيد أو الخاص؛ كقول النصارى، وغلاة الرافضة، والصوفية؛ الذين يقولون بحلول الله عزّ وجل في عيسى عليه السلام أو في علي، أو غيره.
2 ـ الحلول المطلق أو العام، وهم الذين يقولون: إن الله عزّ وجل حال في كل شيء أو متحد بكل شيء أو الوجود واحد[2]. والقائلون بالحلول العام هم الحلولية الذين يزعمون أن الله عزّ وجل في كل مكان بذاته، وينزهونه عن استوائه على عرشه، وعلوه على خلقه، ولم يصونوه عن أقبح الأماكن، وأقذرها وهؤلاء هم قدماء الجهمية[3].
وهناك معنى صحيح للحلول وهو حلول معرفة الشيء، ومحبته ومثاله العلمي في القلب[4]، مثل قولك لمن تحب أنت ساكن في قلبي.
[1] انظر: التعريفات (12) [عالم الكتب، ط1، 1407هـ]، والأربعين للرازي (4) [مكتبة الكليات الأزهرية، ط1، 1406هـ]، والكليات (390)، وموسوعة النكري (381 ـ 382) [مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1997م].
[2] انظر: درء التعارض (6/151) (5/170) [مكتبة ابن تيمية]، وبيان تلبيس الجهمية (2/521) [مؤسسة قرطبة]، ومجموع الفتاوى (2/364 ـ 368، 435، 465 ـ 468) (10/59) (12/293) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ]، والجواب الصحيح (1/95) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ]. ومن كتب المتكلمين: الفرق بين الفرق (241) وما بعدها [مكتبة دار التراث]، والمعجم الصوفي للحفني (81 ـ 82) [دار الرشاد، ط1، 1417هـ].
[3] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (2/172)، ودرء التعارض (5/170)، وبيان تلبيس الجهمية (2/521)، ومعارج القبول (1/370) [مطبوعات الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء].
[4] انظر: الجواب الصحيح (3/345).
الفرق بين القول بوحدة الوجود والحلول والاتحاد:
القائلون بوحدة الوجود هم اتحادية، وحلولية، فهم يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، ولأن مذهبهم متناقض في نفسه فهم يلبسون على من لم يفهمه[1].
والحلول يقارب معنى الاتحاد من صيرورة الشيئين، شيئًا واحدًا، لذا يطلق على الاتحادية، بأنهم حلولية، كما يطلق على النصارى بأنهم حلولية؛ لأن بعضهم يفسر الاتحاد بالحلول، ولتقارب معناهما، ويختلف الحلول عن الاتحاد عند البعض في الكيفية التي يتم بها اقتران الذاتين ليكونا ذاتًا واحدة.
كما يختلف الاتحاد والحلول عن القول بالوحدة، بأنهما يقتضيان شيئين منفصلين تم اتحادهما، أو حلول أحدهما بالآخر، في حين القول بالوحدة ينفي الاثنينية. ولتناقض قولهم فهم يقبلون بوصف الاتحادية بناء على أن الكثرة صارت وحدة[2].
إلا أن القائلين بالاتحاد الخاص والحلول الخاص، لا يسمّون أهل وحدة، ولا ينطبق عليهم ذلك، فبينهما عموم وخصوص فكل من قال بوحدة الوجود فهو قائل بالاتحاد والحلول، وليس كل من قال بالحلول والاتحاد هو من أهل الوحدة.
[1] انظر: مجموع الفتاوى (2/368) بتصرف.
[2] انظر: مجموع الفتاوى (2/140 ـ 141) بتصرف.
الحلولية هم القائلون بحلول ذات الله عزّ وجل في مخلوقاته ومنهم غلاة الرافضة، الذين يقولون بحلول ذات الله في علي أو بعض أئمتهم، والصوفية الذين يقولون بحلول الله عزّ وجل في بعض شيوخهم كالحلاجية ونحوهم.
ومن الحلولية أصحاب القول بوحدة الوجود وهم الذين يقولون: إن الله عزّ وجل حال في كل شيء، أو متحد بكل شيء، أو الوجود واحد[1]. ويزعمون أن الله عزّ وجل في كل مكان بذاته، وينزهونه عن استوائه على عرشه، وعلوه على خلقه، ولم يصونوه عن أقبح الأماكن، وأقذرها وهؤلاء هم قدماء الجهمية[2].
[1] انظر: درء التعارض (6/151) (5/170)، وبيان تلبيس الجهـمية (2/521)، ومجموع الفتاوى (2/364 ـ 368، 435) (10/59) (12/293)، ومن كتب المتكلمين: الفرق بين الفرق (241) وما بعدها. وانظر: المعجم الصوفي للحفني (81 ـ 82).
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (2/172)، ودرء التعارض (5/170)، وبيان تلبيس الجهمية (2/521)، ومعارج القبول (1/370) [مطبوعات الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء].
1 ـ «الاستقامة» (ج1)، لابن تيمية.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج2)، لابن تيمية.
3 ـ «الجواب الصحيح» (ج3، 4)، لابن تيمية.
4 ـ «درء التعارض» (ج5، 6)، لابن تيمية.
5 ـ «الرد على القائلين بوحدة الوجود»، لعلي القاري.
6 ـ «شن الغارات على أهل وحدة الوجود وأهل المعية للذات»، للديماني، محقق برسائل علمية.
7 ـ «عقيدة الحلول، عرض ونقض»، لمحمد العلي.
8 ـ «وحدة الوجود في ضوء العقيدة الإسلامية»، لخضر سوندك.
9 ـ «وحدة الوجود عند الصوفية»، لأحمد القصير، [رسالة دكتوراه] .
10 ـ «مجموع الفتاوى» (ج2 ـ 5)، لابن تيمية.