الحليم: فعيل بمعنى فاعل من الحِلْم (بكسر الحاء) وهو خلاف الطيش وترك العجلة أو الأناة والعقل يقال: حَلُمْتُ عنه أحلُم، فأنا حليمٌ.
والحُلم (بالضم): يطلق على الرؤيا، ويقال: حَلَم في نومه حُلْمًا وحُلُمًا إذا رأى في المنام رؤيا[1].
[1] انظر: مقاييس اللغة (2/93) [دار الجيل]، والقاموس المحيط (1416) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1417هـ].
تظهر العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي في أن الحلم في كلٍّ منهما خلاف العجلة، وهو في حق الله على ما يليق بجلاله وعظمته، وفي حق الإنسان على ما يليق به، حيث جاز وصف الإنسان بالحلم، كما في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ *} [التوبة] ، لكن ليس الحليم كالحليم، وإن اتفق الوصف، فلا تماثل بين الموصوف.
ورد اسمه تعالى الحليم في أكثر من آية؛ منها قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ *} [البقرة] ، وقوله: {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ *} [البقرة] ، وقوله: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *} [الإسراء] ، وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا *} [الأحزاب] .
كما في ورد في السُّنَّة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو عند الكرب، «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض ربُّ العرش العظيم» [1].
وقد ذكر القرطبي إجماع الأمة على تسمية الله عزّ وجل بالحليم[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6345)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2730).
[2] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/93) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
قال الطبري ـ في قوله عزّ وجل: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *} ـ: «يقول تعالى ذكره: إن الله كان حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه في تركه تعجيل عذابه له، غفورًا لذنوب من تاب منهم، وأناب إلى الإيمان به، والعمل بما يرضيه»[1].
وقال أبو القاسم الأصبهاني: «ومن أسماء الله تعالى: (الحليم): حليم عمن عصاه؛ لأنه لو أراد أخذه في وقته أخذه، فهو يحلم عنه ويؤخره إلى أجله»[2].
وقال ابن القيم:
«وهو الحليم فلا يعاجل عبده
بعقوبة ليتوب من عصيان»[3].
وقال ابن كثير ـ في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *} ـ: «أي: أنه تعالى لا يعاجل من عصاه بالعقوبة؛ بل يؤجله وينظره، فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر»[4].
وقال السعدي: «الحليم الذي له الحلم الكامل، والذي وسع حلمه أهل الكفر، والفسوق، والعصيان، ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجلاً، فهو يمهلهم ليتوبوا، ولا يهملهم إذا أصروا، واستمروا في طغيانهم، ولم ينيبوا»[5].
[1] تفسير الطبري (20/482).
[2] الحجة في بيان المحجة (1/156) [دار الراية، 1419هـ].
[3] النونية لابن القيم (2/204) [مكتبة ابن تيمية، 1417هـ].
[4] تفسير ابن كثير (5/81) [دار طيبة، ط2، 1420هـ].
[5] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (189).
المسألة الأولى: يوصف الله عزّ وجل بالحِلم:
لأن اسمه الحليم يدل على العَلَمية والوصفية معًا، فيكون الحِلم من الصفات الثابتة لله عزّ وجل كما يليق بجلاله وعظمته، وتدل على سعة صبره وحكمته وتأنيه في تعامله مع خلقه حيث لا يسارع بعقوبة من يعصيه مع تمام قدرته على ذلك، لكنه يمهلهم لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب، فهو سبحانه ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب، ولا يستخفه جَهْلُ جَاهِل، ولا عِصْيانُ عاصٍ[1].
المسألة الثانية: الحليم من الأسماء المشتركة بين الله وخلقه:
فقد جاء إطلاقه على بعض أنبياء الله عزّ وجل، كما في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ *} [التوبة] ، وقوله تعالى ـ حكاية عن قوم شعيب ـ: {إِنَّكَ لأََنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ *} [هود] ، وقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ *} [الصافات] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم لأشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» [2]. لكن هذا الإطلاق لا يلزم منه تماثل المسميات، فليس حلم الله كحلم المخلوق، فالفرق بينهما كالفرق بين الخالق والمخلوق.
قال أبو القاسم الأصبهاني: «وهذا الاسم وإن كان مشتركًا يوصف به المخلوق، فحِلم المخلوقين حلمٌ لم يكن في الصغر ثم كان في الكبر، وقد يتغير بالمرض والغضب والأسباب الحادثة، ويفنى حلمه بفنائه، وحلم الله عزّ وجل لم يزل ولا يزول، والمخلوق يحلم عن شيء ولا يحلم عن غيره، ويحلم عمن لا يقدر عليه، والله تعالى حليم مع القدرة»[3].
[1] انظر: شأن الدعاء للخطابي (63) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ]، وصفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة لعلوي السقاف (101) [دار الهجرة، ط1، 1414هـ].
[2] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 17).
[3] الحجة في بيان المحجة (1/156).
1 ـ يجب على من عرف أن ربّه حليمٌ على من عصاه أن يحلم هو على من خالف أمره، فذلك به أولى، حتى يكون حليمًا، فينال من هذا الوصف بمقدار ما يكسر سَوْرَة غضبه، ويرفع الانتقام عن من أساء إليه؛ بل يتعود الصَّفْح حتى يعود الحِلم له سَجِيّة، فكما تحب أن يحلُم عنك مالكُك، فاحْلم أنت عمن تملك؛ لأنك متعبّد بالحِلْم مُثَابٌ عليه[1].
2 ـ من عرف هذا الاسم حفظ الود، وأحسن العهد، وأنجز الوعد، وستر العيوب، وتخلق بخُلق الحلم؛ لأنه من الأخلاق التي يحبها الله ورسوله[2].
[1] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/97 ـ 98).
[2] انظر: شرح أسماء الله الحسنى وصفاته للرازي (189) [ط1، 1323هـ].
إن آثار حلمه سبحانه وتعالى على عباده ظاهرة، فمن أبرزها:
1 ـ حلمه عمن يكفر به ويعصيه وهو يراه، وعليم به وقادر عليه لكنه يمهله ولا يعجل عقوبته.
فقد أخبر سبحانه عن هذا الحلم وأنه لو كان يؤاخذهم بمعاصيهم أولاً بالأول لما أبقى على ظهر الأرض من دابة، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَآبَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ *} [النحل] . فكم نرى من يكفر ويعصي ويقع في أنواع من مساخط الله يستوجب العقوبة، لكن الله يحلم عنهم، ويسوق إليهم أنواع الطيبات، ويرزقهم ويعافيهم[1].
2 ـ ومن آثار حلمه سبحانه أنه لا يؤاخذنا عما يخطر في قلوبنا وما يعرض لها من شهوات، لكن الله يحلم ويعفو ولا يؤاخذنا عليه، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا *} [الأحزاب] .
3 ـ ومن آثار حلمه سبحانه إمساكه للسماء أن تقع على الأرض، وإمساكهما أن تزولا مع كثرة ذنوب بني آدم ومعاصيهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *} [فاطر] . فما أعظم حلمه وأوسع فضله، وأجزل عطاه وله الحمد والشكر كما ينبغي لوجهه الكريم.
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/97)، وفقه أسماء الله الحسنى للبدر (209) [ط1، 1429هـ].
وقد خالف في هذا الاسم الجهمية والمعتزلة، فالجهمية لا يثبتون لله أي اسم لا حليم ولا غيره، فالله عندهم لا يسمى بشيء، وذلك لظنهم أن إثبات الأسماء يلزم منه التشبيه، والمعتزلة أثبتوا الأسماء مجردة عن الصفات، فالله عندهم حليم بلا حلم كما أنه عالم بلا علم، وقادر بلا قدرة وحي بلا حياة إلخ[1].
الرد عليهم[2]:
1 ـ أن الله تعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، وأمرنا بدعائه بها، وهذا يقتضي أن تكون دالة على معانٍ عظيمة تكون وسيلة لنا في دعائنا، فلو كانت أعلامًا محضة لكانت غير دالة على معنى سوى تعيين المسمى، فضلاً عن أن تكون حسنى ووسيلة في الدعاء.
2 ـ قولهم بأن الله تعالى حليم بلا حلم، وعليم بلا علم قول باطل مخالف لمقتضى اللسان العربي وغير العربي؛ لأن من المعلوم أن المشتق دالٌّ على المعنى المشتق منه، وأنه لا يمكن أن يقال عليم لمن لا علم له وحليم لمن لا حلم له.
3 ـ أن الله تعالى يسمي نفسه باسمين أو أكثر في موضع واحد؛ كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الحشر] ، فلو كانت الأسماء مترادفة ترادفًا محضًا لكان ذكرها مجتمعة لغوًا من القول لعدم الفائدة.
4 ـ أن الاتفاق في الاسم العام لا يقتضي تماثل المسميات في ذلك الاسم عند الإضافة والتقييد والتخصيص، فما سمى الله به نفسه اختص به عند الإضافة، وكذلك ما تسمى به العبد اختص به[3].
[1] انظر: مقالات الإسلاميين (1/235) [مكتبة التخصصية المصرية، ط3]، ومجموع الفتاوى (6/34 ـ 35) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ]، ومنهاج السُّنَّة النبوية لابن تيمية (2/526) [مؤسسة قرطبة ط1، 1406هـ].
[2] انظر: تقريب التدمرية لابن عثيمين (29، 31) [دار الوطن. 1424هـ].
[3] النقطة (4)، انظر: التدمرية (20 ـ 21) [مكتبة العبيكان، ط8، 1424هـ].
1 ـ «أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرزاق.
2 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
3 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لأبي القاسم الأصبهاني.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «المنهاج لشعب الإيمان»، للحليمي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.