الحَمْلُ: إقلال الشيء على الظهر أو الرأس[1].
العرش: في كلام العرب يدل على ارتفاع شيء مبني. ومن معانيه: سرير الملك، ومن ذلك سرير ملكة سبأ، سماه الله عرشًا، فقال تعالى حكاية عن هدهد سليمان: {إِنِّي وَجَدْتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ *} [النمل] ، وقال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] ، وعرش البيت سقفه، وكل بناء يُستظلُ به يسمى عرشًا، وعريشًا[2].
[1] انظر: مقاييس اللغة (264) [دار إحياء التراث العربي، 1429هـ].
[2] انظر: مقاييس اللغة (725)، وعمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (3/63) [عالم الكتب، ط1، 1414هـ].
هم الملائكة الذين تعبدهم الله عزّ وجل بحمل عرشه سبحانه[1]، وهم يحملونه بقدرة الله تعالى[2]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فأخبر أن للعرش حملة اليوم، ويوم القيامة، وأن حملته ومن حوله يسبحون ويستغفرون للمؤمنين»[3].
[1] انظر: الأسماء والصفات (2/272) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ].
[2] انظر: كتاب العرش (1/297) [أضواء السلف، ط1، 1420هـ].
[3] مجموع الفتاوى (6/550) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ].
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} [غافر: 7] ، وقال جلّ جلاله: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *} [الحاقة] ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أذن لي أن أحدث عن مَلَك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام»[1].
[1] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4727)، وصححه الذهبي في العلو (رقم 234)، والألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 151).
المسألة الأولى: الملائكة حملة العرش هم أقرب الملائكة إلى الرحمن:
يدلُّ عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال. قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضًا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا» [1].
أما عدد حملة العرش من الملائكة، فهو ثمانية كما دلَّ عليه قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *} [الحاقة] ، واختلف السلف: هل المقصود ثمانية من الملائكة أم ثمانية صفوف من الملائكة، وليس هناك نصٌّ صريح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسألة[2].
المسألة الثانية: الكَرُوبيون:
هم المُقَرَّبُوْن من الملائكة[3]: أطلق كثير من العلماء هذا الاسم على حملة العرش عليهم السلام ومن حولهم[4]، وهذه التسمية لم ترد في القرآن الكريم، ولا في صحيح السُّنَّة، وغاية ما ورد فيها أحاديث ضعيفة جدًّا أو منكرة[5]. وسموا بذلك: لأجل ما يعلوهم من الكرب والشدة[6]، ولعل ذلك من حمل العرش، إذ إن العرش أثقل المخلوقات كما دلَّ عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لأم المؤمنين جويرية رضي الله عنها: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» [7]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فهذا يبيِّن أن زنة العرش أثقل الأوزان»[8]، وقيل: من (الكَرْب) بمعنى: الشدَّة والحزن، وكأن وصفهم بذلك لأنهم أشد الملائكة خوفًا[9]، والله أعلم.
المسألة الثالثة: المقربون:
هم الملائكة الذين قرَّبهم الله ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه[10]. وهذه التسمية وردت في قول الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:172] ، وقوله تعالى: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ *} [المطففين] ، قال ابن كثير: «هم الملائكة»[11]، ومما يشهد لهذه التسمية قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال. قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضًا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا» [12]. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: «فمنهم حملة العرش، ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة؛ وهم المقربون»[13]، وقال ابن عثيمين: «الملائكة المقربون حملة العرش»[14].
المسألة الرابعة: العرش:
العرش سرير ذو قوائم[15]، يدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان صعق أم حوسب بصعقته الأولى»[16].
[1] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2229).
[2] انظر: كتاب العرش (1/297).
[3] انظر: غريب الحديث (1/440) [جامعة أم القرى، 1402هـ]، والنهاية في غريب الحديث والأثر (796) [دار ابن الجوزي، ط1، 1421هـ].
[4] انظر: الحبائك في أخبار الملائك (133) [دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ]، ومعتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين (58) [أضواء السلف، ط1، 1422هـ].
[5] انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/323) [دار المعارف، ط1، 1412هـ].
[6] انظر: الحبائك في أخبار الملائك (251).
[7] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2726).
[8] مجموع الفتاوى (6/553).
[9] روح المعاني (24/402).
[10] انظر: تفسير الطبري (6/38) [دار الفكر، 1405هـ].
[11] انظر: تفسير ابن كثير (8/352) [دار طيبة، ط4، 1428هـ].
[12] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2229).
[13] أصول الإيمان لمحمد بن عبد الوهاب (1/253).
[14] القول المفيد على كتاب التوحيد (1/432) [دار ابن الجوزي، ط1، 1418هـ].
[15] انظر: الأسماء والصفات (2/272)، والاعتقاد 116) [دار الفضيلة، ط1، 1420هـ]، والعلو للعلي العظيم (1/562) [دار الوطن، ط1، 1420هـ]، والبداية والنهاية (1/20) [دار هجر، ط1، 1417هـ].
[16] أخرجه البخاري (كتاب الخصومات، رقم 2412)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2374).
1 ـ «أصول الإيمان»، لابن أبي زمنين
2 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
4 ـ «عالم الملائكة الأبرار»، للأشقر.
5 ـ «العلو للعلي العظيم» (ج1)، للذهبي.
6 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد» (ج1)، لابن عثيمين.
7 ـ كتاب «العرش» (ج1)، للذهبي.
8 ـ «لوامع الأنوار البهية» (ج2)، للسفاريني.
9 ـ «معارج القبول» (ج2)، للحكمي.
10 ـ «معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين»، للعقيل.
11 ـ «الحبائك في أخبار الملائك»، للسيوطي.