الحميد: صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول)، وهو خلاف الذمّ، يقال: حَمِدْتُ فلانًا أحْمَدُه، ورجل محمود ومحمّد، إذا كثُرت خصاله المحمودة غيرُ المذمومة[1].
ويطلق الحمد أيضًا على الشكر والرضا والجزاء وقضاء الحق، والحمد والشكر مُتَقاربان، والحمد أعَمُّها؛ لأنَّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتيَّة وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته[2].
[1] مقاييس اللغة (2/100) [دار الجيل].
[2] انظر: القاموس المحيط (355) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1417هـ]، والنهاية في غريب الحديث (1/437) [مؤسسة التاريخ العربي].
حقيقة الحميد: دلالته على الاسمية والوصفية، وأنه حميد في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وشرعه وقدره، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها، ومن الأفعال أتمها، وأحسنها، فإن أفعاله تعالى دائرة بين الفضل، والعدل، وهذا الاسم تضمن وصف الله عزّ وجل بأنه حميد شكور يرضى عن أعمال العباد ويجازيهم عليها، وأنه حكيم في أفعاله لا يجري فيه الغلط ولا يعترضه الخطأ، وهو الذي يحمد في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء فهو محمود بكل لسان وعلى كل حال[1].
[1] انظر: تفسير الطبري (5/570)، وشأن الدعاء للخطابي (78)، تفسير أسماء الحسنى للسعدي (190).
ورد اسمه تعالى: الحميد في القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها:
قوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ *} [الحج] .
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ *} [فاطر] .
وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ *} [البقرة] .
وقوله تعالى: {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ *} [هود] .
كما ورد في السُّنَّة في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ أنه قال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علَّمنا كيف نُسَلِّم؟ قال: «قولوا: اللَّهُمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللَّهُمَّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد»[1].
وقد أجمعت الأمة على ثبوت هذا الاسم[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3370)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم 406).
[2] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/187) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
قال الخطابي: «هو المحمود الذي استحق الحمد بفِعَاله، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو الذي يحمد في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء؛ لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط ولا يعترضه الخطأ فهو محمود على كل حال»[1].
وقال ابن تيمية: «فإن الله سبحانه أخبر أن له الحمد وأنه حميد مجيد وأن له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم ونحو ذلك من أنواع المحامد»[2].
وقال ابن القيم: «فإنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم وإيمانهم وكفرهم، وهو المحمود على خلق الأبرار والفجار والملائكة والشياطين، وعلى خلق الرسل وأعدائهم، وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله وإنعامه على أوليائه، فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده، ولهذا سبح بحمده السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده»[3].
وقال ابن كثير ـ في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ *} ـ «وهو الحميد؛ أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه»[4].
[1] شأن الدعاء للخطابي (78).
[2] مجموع الفتاوى (6/83 ـ 84) [دار الوفاء، ط3، 1426هـ].
[3] طريق الهجرتين (192) [دار ابن القيم، ط2].
[4] تفسير ابن كثير (1/699) [دار طيبة، ط2].
أنواع الحمد في حق الله عزّ وجل:
الأول: حمده على إحسانه إلى عباده، وهو من الشكر، وذلك لأن النعمة موجبة لحمد المنعم، والنعم كلها من الله فهو الذي خلقهم، ورزقهم، وأسدى عليهم النعم الظاهرة، والباطنة الدينية، والدنيوية، وصرف عنهم النقم، والمكاره، فما بالعباد من نعمة فمن الله، ولا يدفع الشرور إلا هو، فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات، وأن يثنوا عليه، ويشكروه بعدد اللحظات.
والثاني: حمده لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله، وهذا الحمد لا يكون إلا على ما هو في نفسه مستحق للحمد، وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال، ولله من تلك الصفات أكملها وأعظمها، فكل صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد والثناء، فكيف بجميع الأوصاف المقدسة، فله الحمد لذاته، وله الحمد لصفاته، وله الحمد لأفعاله لأنها دائرة بين أفعال الفضل، والإحسان، وبين أفعال العدل، والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد، وله الحمد على خلقه، وعلى شرعه، وعلى أحكامه القدرية وأحكامه الشرعية، وأحكام الجزاء في الأولى، والآخرة، وتفاصيل حمده، وما يحمد عليه لا تحيط بها الأفكار، ولا تحصيها الأقلام[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (6/83 ـ 84)، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (191)، وفقه الأسماء الحسنى للبدر (198 ـ 200) [ط1، 1429هـ].
يوصف الله عزّ وجل بالحمد، وهو من الصفات الذاتية الثابتة له، فالله عزّ وجل حميد وذو حمد، حمد نفسه على كماله وعظمته، وحمده جميع الخلائق من إنسه وجنه قال سبحانه: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الجاثية] .
الفرق بين الحمد والشكر:
الحمد: هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية.
والشكر: لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان.
والحمد أعم من الشكر من حيث ما يقع عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول: حَمدته لفروسيته وحمدته لكرمه. وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقع عليه؛ لأنه يكون بالقول والعمل، والنية، وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، لا يقال: شكرته لفروسيته، وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إليّ، والله تعالى أعلم[1].
[1] تفسير ابن كثير (1/128).
1 ـ يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الحمد على الإطلاق إنما هو لله، وأن الألف واللام للاستغراق لا للعهد، فهو الذي يستحق جميع المحامد بأسرها، فنحمده على كل نعمة وعلى كل حلٍّ بمحامده كلها ما علم منها وما لم يعلم.
2 ـ ويجب عليه أن يسعى في خصال الحمد، وهي التخلق بالأخلاق الحميدة والأفعال الجميلة، ويترك نقيضها ويدع سفاسفها[1].
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/189 ـ 190).
خالف في هذا الاسم الجهمية والمعتزلة، فالجهمية لا يثبتون لله أي اسم لا حميد ولا غيره، فالله عندهم لا يسمى بشيء، وذلك لظنهم أن إثبات الأسماء يلزم منه التشبيه، والمعتزلة أثبتوا الأسماء مجردة عن الصفات، فالله عندهم حميد بلا حمد كما أنه عالم بلا علم، وقادر بلا قدرة وحي بلا حياة... إلخ[1].
[1] انظر: مقالات الإسلاميين (1/235) [المكتبة التخصصية، ط3، 1389هـ]، ومجموع الفتاوى (6/34 ـ 35) [دار الوفاء، ط3، 1326هـ]، ومنهاج السُّنَّة النبوية لابن تيمية (2/526) [مؤسسة قرطبة ط1، 1406هـ].
1 ـ أن الله تعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، وأمرنا بدعائه بها، وهذا يقتضي أن تكون دالة على معاني عظيمة تكون وسيلة لنا في دعائنا، فلو كانت أعلامًا محضة لكانت غير دالة على معنى سوى تعيين المسمى، فضلاً عن أن تكون حسنى ووسيلة في الدعاء.
2 ـ قولهم بأن الله تعالى حكيم بلا حكمة وعليم بلا علم قول باطل مخالف لمقتضى اللسان العربي وغير العربي؛ لأن من المعلوم أن المشتق دالٌّ على المعنى المشتق منه، وأنه لا يمكن أن يقال عليم لمن لا علم له وحكيم لمن لا حكمة عنده.
3 ـ أن الله تعالى يسمي نفسه باسمين أو أكثر في موضع واحد كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الحشر] ، فلو كانت الأسماء مترادفة ترادفًا محضًا لكان ذكرها مجتمعة لغوًا من القول لعدم الفائدة[1].
4 ـ أن الاتفاق في الاسم العام لا يقتضي تماثل المسميات في ذلك الاسم عند الإضافة والتقييد والتخصيص، فما سمى الله به نفسه اختص به عند الإضافة، وكذلك ما تسمى به العبد اختص به[2].
[1] انظر: تقريب التدمرية لابن عثيمين (29، 31) [دار الوطن، 1424هـ].
[2] انظر: التدمرية لابن تيمية (20 ـ 21) [مكتبة العبيكان، ط8، 1424هـ].
1 ـ «أسماء الله الحسنى في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمود عبد الرزاق.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «الجامع لأسماء الله الحسنى»، لحامد أحمد الطاهر.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «المنهاج لشعب الإيمان»، للحليمي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.