الحنَانُ: بتخفيف النون مصدر من الفعل حنّ عليه يَحِنُّ حنانًا إذ رحمه وأشفق عليه.
قال ابن فارس: «الحاء والنون أصلٌ واحد، وهو الإشفاق والرّقّة والحنان: الرحمة. قال الله تعالى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 13] وتقول: حَنَانَك؛ أي: رحمَتَك»[1].
والحنّان بالتشديد: ذو الرحمة من تحنَّن عليه: ترَحّم عليه، يقال: والله الحنّان المنّان: الرحيم بعباده[2].
[1] مقاييس اللغة لابن فارس (2/24 ـ 25) تحقيق: عبد السلام محمد [دار الجيل].
[2] تهذيب اللغة للأزهري (1/441) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
ورد ثبوت صفة الحنان لله عزّ وجل في الكتاب والسُّنَّة.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا *وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا *} [مريم] .
ذهب جمهور المفسرين إلى أن الحنان في هذه الآية بمعنى رحمته سبحانه، وأن قوله تعالى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا}؛ أي: رحمة من عندنا[1].
ورأى ابن كثير رحمه الله بأن الحنان في الآية وصفٌ ليحيى، فقال: «أي: وجعلناه ذا حنان وزكاة، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل»[2].
والصواب: ما ذهب إليه الجمهور، وعليه فإن الآية دليل على إثبات صفة الحنَان لله عزّ وجل لما سيأتي من الأقوال.
ومن السُّنَّة: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الطويل، في وضع الصراط بين ظهري جهنم، وجاء فيه: «ثم يتحنّن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدًا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا أخرجه منها»[3].
[1] انظر: تفسير الطبري (18/156 ـ 158) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
[2] تفسير ابن كثير (5/217) [دار طيبة، ط2].
[3] أخرجه أحمد (17/143) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم في المستدرك (كتاب الأهوال، رقم 8738) وصححه، وقال البوصيري: «رواته ثقات». إتحاف الخيرة المهرة (8/168) [دار الوطن، ط1].
قال الطبري «وقوله: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيًّا»[1].
وقال الحليمي: «وهو الواسع الرحمة، وقد يكون المبالغ في إكرام أهل طاعته إذا وافوا دار القرار؛ لأن من حن من الناس إلى غيره أكرمه عند لقائه، وكلف به عند قدومه»[2].
ونقل البيهقي عن ابن الأعرابي أنه قال: «الحنان من صفات الله الرحيم»[3].
وقال السعدي في قوله تعالى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا}: «أي: رحمة ورأفة، تيسرت بها أموره، وصلحت بها أحواله، واستقامت بها أفعاله»[4].
[1] تفسير الطبري (18/155).
[2] المنهاج للحليمي (1/207) [دار الفكر، ط1].
[3] الأسماء والصفات للبيهقي (1/208) [مكتبة السوادي، ط1].
[4] تفسير السعدي (490) [مؤسسة الرسالة، ط1].
الحنان: ذكر بعض أهل العلم (الحنّان) من أسماء الله تعالى، ومنهم: الحليمي، والبيهقي، والقرطبي واحتجوا بقبول الناس لهذا الاسم ودعاءهم به.
قال أبو سليمان الخطابي: «ومما يدعو به الناس، خاصُّهم وعامّهم، وإن لم تثبت به الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولهم: (الحنّان المنّان)، وقوله: الحنّان: معناه: ذو الرحمة والعطف»[1].
ونقل القرطبي عن ابن العربي، أنه قال: «وهذا الاسم لم يرد به قرآن ولا حديث صحيح، وإنما جاء من طريق لا يعوّل عليه، غير أن جماعة من الناس قبلوه وتأولوه، وكثر إيراده في كتب التأويل والوعظ»[2].
وقد أخرج ابن حبان في باب الأدعية دعاء: «اللَّهُمَّ إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنّان المنّان بديع السماوات والأرض»[3].
وقد بين الألباني بأن المحفوظ في لفظ الحديث ـ كما في زوائد ابن حبان للهيثمي ـ قوله: «أنت المنان»، وأنّ زيادة: «الحنان» شاذة[4].
وعليه؛ فإن الصحيح أن الحنّان ليس من أسماء الله الحسنى؛ لأن باب الأسماء توقيفي على النص، ولم يرد فيه نص قرآني ولا حديث نبوي صحيح، وقد رجح عدد من الباحثين المعاصرين عدم ثبوته[5].
[1] شأن الدعاء للخطابي (105) [دار المأمون، ط1، 1404هـ].
[2] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/265) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
[3] صحيح ابن حبان (كتاب الرقاق، رقم 893) [مؤسسة الرسالة ط2، 1414هـ].
[4] انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/1212) [مكتبة المعارف، ط1، 1422هـ].
[5] انظر: صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة لعلوي السقاف (108)، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (280) [دار إيلاف، ط1، 1417هـ].
الفرق بين الحنان والرحمة والرأفة:
الحنان والرحمة والرأفة كلها بمعنى الرقة والتعطف، غير أن الحنان تحمل معنى زائدًا وهو المحبة، فهي رحمة مقرونة بالمحبة والشفقة والميل، بخلاف الرحمة، الرأفة فقد تكون معهما المحبة وقد لا تكون، كما فرق بينهما في قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] والعطف يقتضي المغايرة. فيكون الحنان أوسع منهما والرأفة أوسع من الرحمة[1].
[1] انظر: الحجة في بيان المحجة (1/174) [دار الراية، ط2، 1419هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/205، 208) [مكتبة السوادي، ط2، 1427هـ].
1 ـ يجب على أن من علم أن الله حنان ذو رحمة وعطف على عباده أن يتعبده بمقتضى هذه الصفة، ويؤمن بأن الله بحنانه سيرحمه ويعطف عليه، فيقبل عليه بالتوبة والاستغفار مهما عظمت ذنوبه وكثرت خطاياه.
2 ـ ثم إنه ينبغي عليه أن يتخلق بهذه الصفة، ويكون رحيمًا عطوفًا ذا شفقة ورأفة في تعامله مع عباد الله عزّ وجل، وقد حث الله على هذه الصفة وذم نقيضها، فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] .
أنكر عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة أن يوصف الله عزّ وجل بالحنان وما في معناها كالرأفة والرحمة كما يليق بجلاله، فصرفوها عن ظواهرها وعطلوها عن حقائقها، وقالوا: إن الرأفة والرحمة هي رقة تعتري القلب، وهي من الكيفيات النفسية والله منزه عنها، ثم أولوا رأفته ورحمته بمعنى إرادة إنعامه وإحسانه ولطفه على عباده[1].
[1] انظر: الكشاف للزمخشري (1/45) [دار إحياء التراث]، والإنصاف للباقلاني (39) [المكتبة الأزهرية، ط2]، وتفسير الرازي (14/286) [دار التراث العربي]، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (10/471) [مكتبة الرشد، ط2، 1423هـ].
الأول: أن يقال: لم أثبت له إرادة وأنه مريد حقيقة ونفيت حقيقة الرأفة والرحمة والحنان ونحو ذلك.
فإن قال: الإرادة التي نثبتها لله ليست مثل إرادة المخلوقين.
قال له أهل الإثبات: وكذلك الرحمة والرأفة والحنان التي نثبته لله ليست مثل رحمة المخلوق ورأفة المخلوق.
ومعلوم عند كل عاقل أن إرادتنا ومحبتنا ورحمتنا بالنسبة إلينا كإرادته ورحمته ومحبته بالنسبة إليه، فلا يجوز التفريق بين المتماثلين؛ فتثبت له إحدى الصفتين وتنفي الأخرى، وليس في العقل ولا في السمع ما يوجب التفريق[1].
الثاني: أن إرادة الإحسان هي من لوازم الرحمة، والرأفة والحنان، فإذا انتفت حقيقة هذه الصفات، انتفى لازمها وهو إرادة الإحسان «لأن ثبوت لازم الحقيقة مع انتفائها ممتنع، فالحقيقة لا توجد منفكة عن لوازمها»[2]
وأما تفسيرهم للرحمة والرأفة والحنان بالإحسان والإنعام والثواب فهذا باطل من وجوه:
الأول: «أن الله تعالى فرق بين رحمته ورضوانه وثوابه المنفصل. فقال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ *} [التوبة] . فالرحمة والرضوان صفته والجنة ثوابه»[3].
الثاني: أن هذه التفسيرات يلزمهم فيها ما فروا منه، «فإن الفعل المعقول لا بد أن يقوم أولاً بالفاعل، والثواب والعقاب المفعول إنما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه، ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب، فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا، وإن أثبتوه على خلاف ذلك، فكذلك سائرالصفات»[4].
[1] انظر: شرح الأصفهانية لابن تيمية (36 ـ 37، والتدمرية (31 ـ 32)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (473)، والصفات الإلهية للجامي (377).
[2] مختصر الصواعق (3/879).
[3] المصدر السابق (3/878).
[4] التدمرية (46).
1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «تفسير ابن كثير».
4 ـ «تفسير الطبري».
5 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لأبي القاسم الأصبهاني.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «صفات الله الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
8 ـ «المنهاج لشعب الإيمان»، للحليمي.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود.
10 ـ «التدمرية»، لابن تيمية.
11 ـ «مختصر الصواعق»، للموصلي.