حرف الحاء / الحوادث

           

الحوادث: جمع حادثة مؤنث حادث[1]، وهو اسم فاعل من الفعل حدَث يقال: حدَثَ حدوثًا وحداثة، والحدث نقيض القِدَم.
قال ابن فارس: «الحاء والدال والثاء أصل واحد، وهو كون الشيء لم يكن. يقال: حدثَ أمر بعد أن لم يكن. والرجل الحَدَثُ: الطريُّ السنّ. والحديث من هذا؛ لأنه كلام يحدث منه الشيء بعد الشيء. ورجل حدثٌ: حسن الحديث»[2].
وقال الفيروزآبادي: «حدَث حدوثًا وحداثة: نقيض قدُم وتضم داله إذا ذكر مع قدُم. وحِدْثان الأمر بالكسر: أوله وابتداؤه كحداثته، ومن الدهر: نوبه كحوادثه وأحداثه. والأحداث: أمطار أول السنة. ورجل حدث السن وحديثها بيّن الحداثة والحدوثة: فتي. والحديث: الجديد والخبر»[3].


[1] انظر: المعجم الوسيط (1/159) [دار الدعوة].
[2] مقاييس اللغة (2/36) [دار الجيل، ط2].
[3] القاموس المحيط (167) [مؤسسة الرسالة، ط8].


الحوادث أو الحادث في اصطلاح المتكلمين: «ما يكون مسبوقًا بالعدم»[1].
والحدوث: «عبارة عن وجود الشيء بعد عدمه»[2]. ويقصد المتكلمون بهذا أفعال الله الاختيارية[3].


[1] التعريفات للجرجاني (110) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ].
[2] التعريفات للجرجاني (113).
[3] انظر: الإرشاد إلى قواطع الأدلة للجويني (44 ـ 45) [مكتبة الخانجي، 1369هـ]، والإنصاف فيما يجب اعتقاده للباقلاني (38) [عالم الكتب، لبنان، ط1، 1407هـ]، ودرء التعارض (4/24) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ].


لفظ الحوادث هو لفظ مجمل فقد يطلق ويراد به فعل الرب تعالى، وقد يطلق أيضًا ويراد به المخلوقات.
فالأول يتعلق بالخالق، والثاني يتعلق بالمخلوقات، أما ما يتعلق بالخالق وهي صفاته الفعلية فهي بالنظر إلى نوعها وآحادها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: بالنظر إلى نوعها وأصلها فهي قديمة، وأنه تعالى متصف بها أزلاً كما قال الطحاوي في بيان عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة: «ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئًا لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليًّا، كذلك لا يزال عليها أبديًّا»[1].
يقول ابن أبي العز الحنفي في توضيح هذا الكلام: «أي: أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفًا بصفات الكمال: صفات الذات، وصفات الفعل. ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متَّصفًا بها؛ لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص، ولا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفًا بضده»[2].
الثاني: أن أفعاله تعالى من جهة آحادها فهي حادثة؛ أي: أنها متجددة وواقعة حسب مشيئته وإرادته.
وهذا النوع ينفيه المتكلمون عن الله بحجة أنه قول بحلول الحوادث في ذات الله، والله منزه عنه حسب زعمهم، وهو نفي باطل.
وأما ما يتعلق بالمخلوقات فهو أيضًا على نوعين:
النوع الأول: بالنظر إلى أعيان المخلوقين فهم مسبوقون بالعدم فما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم.
النوع الثاني: بالنظر إلى نوع المخلوقات فهي قديمة لا أول لها؛ لأن الله لم يزل فعّالاً لما يريد.


[1] شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/96) [مؤسسة الرسالة، ط10، 1417هـ].
[2] شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/96).


حقيقة الحوادث المنفية عن الله عند المتكلمين هي الصفات الفعلية الاختيارية التابعة لمشيئة الله تعالى كالاستواء والنزول والرضا والغضب، والفرح والخلق والإحسان ونحوها، فإذا قالوا: إن الله منزه عن الحوادث لم يكن مقصودهم إلا نفي صفاته وأفعاله هذه ونحوها؛ لأن الله عندهم لا تقوم به مشيئة ولا حب ولا عدل ولا إتيان ولا مجيء ولا نزول ولا غيرها من صفات الله[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (8/151)، والصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (2/674) [دار العاصمة، الرياض، ط1، 1408هـ].


قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لفظ: (الحوادث والمحدثات) قد يفهم ما يحدثه الإنسان من الأفعال المذمومة والبدع التي ليست مشروعة أو ما يحدث للإنسان من الأمراض ونحو ذلك. والله سبحانه وتعالى يجب تنزيهه عما هو فوق ذلك مما فيه نوع نقص فكيف تنزيهه عن هذه الأمور؟ ولكن لم يكن مقصود المعتزلة بقولهم: هو منزه عن الأعراض والحوادث إلا نفي صفاته وأفعاله»[1].
وذكر الإمام ابن القيم أن لفظ حلول الحوادث من الألفاظ المجملة التي توهم تنزيه الله عن النقص وفي حقيقتها يراد بها التعطيل فيحكي عن المتكلمين أنهم يقولون: «نحن ننزهه عن الأعراض وحلول الحوادث، فيسمع الغِرّ المخدوع هذه الألفاظ، فيتوهم منها أنهم ينزهون الله عما يفهم من معانيها عند الإطلاق، من العيوب والنقائص والحاجة، فلا يشك أنهم يمجدونه ويعظمونه، ويكشف الناقد البصير ما تحت هذه الألفاظ فيرى تحتها الإلحاد وتكذيب الرسل وتعطيل الرب تعالى عما يستحقه من كماله، فتنزيهه عن الأعراض وأما حلول الحوادث فيريدون به أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء، ولا يغضب بعد أن كان راضيًا، ولا يرضى بعد أن كان غضبان، ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئًا بعد أن لم يكن مريدًا له»[2].
وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي: «وحلول الحوادث بالربِّ تعالى، المنفي في علم الكلام المذموم، لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سُنَّة، وفيه إجمال؛ فإن أريد بالنفي أنه سبحانه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن ـ فهذا نفي صحيح. وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية، من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء إذا شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته ـ فهذا نفي باطل»[3].


[1] مجموع الفتاوى (5/167).
[2] الصواعق المرسلة (3/934 ـ 935).
[3] شرح الطحاوية (1/97)، وانظر: الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه (213 ـ 214) [المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، ط1].


تسلسل الحوادث:
التسلسل لغة: اتصال الشيء بالشيء إلى ما لا نهاية. وبذلك سميت سلسلة الحديد لاتصال حلقاتها بعضها ببعض، وسلسلة البرق المستطيلة في عرض السحاب[1].
وأما في الاصطلاح فقد عُرّف بأنه: «ترتيب أمور غير متناهية»[2].
ولفظ: (تسلسل الحوادث) لفظ مجمل لم يرد في الشرع إثباته ولا نفيه، وإنما هو من الألفاظ المبتدعة.
وهو ثلاثة أنواع:
الأول: التسلسل الممتنع، وهو التسلسل في العلل والفاعلين والمؤثرات: وذلك بأن يكون للفاعل فاعل، وللفاعل فاعل إلى ما لا نهاية له، وهذا ممتنع باتفاق العقلاء، وباطل بإجماع العلماء[3].
الثاني: التسلسل الممكن، وهو التسلسل في المفعولات والآثار، وذلك بأن يكون كل حادث موقوفًا على حادث قبله وهكذا إلى ما لا نهاية، وهذا فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يجوز مطلقًا وهذا قول أئمة السُّنَّة والحديث وأساطين الفلاسفة لكن المسلمون وسائر أهل الملل وجمهور العقلاء من جميع الطوائف يقولون: إن كل ما سوى الله مخلوق حادث بعد أن لم يكن.
القول الثاني: أنه لا يجوز لا في الماضي ولا في المستقبل، وهو قول الجهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف.
القول الثالث: أنه يجوز في المستقبل دون الماضي، وهو قول أكثر أتباع جهم وأبي الهذيل من الجهمية والمعتزلة والأشعرية والكرامية ومن وافقهم[4].
الثالث: التسلسل الواجب، وهو تسلسل أفعال الربّ ودوامها أزلاً وأبدًا؛ فكل فعل مسبوق بفعل آخر قبله. وقد دلَّ الشرع والعقل على هذا النوع[5].


[1] انظر: مقاييس اللغة (3/60).
[2] التعريفات للجرجاني (80) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ].
[3] انظر: درء التعارض (1/321 ـ 322).
[4] انظر: الصفدية (1/10 ـ 11) [مكتبة ابن تيمية، مصر، ط2، 1406هـ]، ومنهاج السُّنَّة (1/176، و437 ـ 438، و2/393) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/105).
[5] شفاء العليل (156) [دار الفكر، بيروت، 1398هـ].


الفرق بين نوع الحوادث وآحادها هو أن نوعها قديم؛ أي: أنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بمخلوق آخر؛ لأن الله فعال لما يريد أزلاً وأبدًا، وإن كان كل مخلوق مسبوقًا بعدم.
وأما آحاد الحوادث فمخلوقة محدثة بعد أن لم تكن فهي حادثة؛ أي: متجددة حسب مشيئة الله وإرادته[1] فقد خاطب الله كل نبي في زمانه.
مذهب المخالفين:
يتلخص موقف المخالفين في مسألة قيام الحوادث بالله، ومسألة حوادث لا أول لها في الآتي:
أما ما يتعلق بقيام الحوادث بالله فقد أنكر المتكلمون قيام الصفات الاختيارية بالله تعالى، وقالوا: إن هذا قول بحلول الحوادث في ذات الله، والله منزه عنه؛ لأن ما لا يخلو عن الحادث فهو حادث، فنفوا من أجل هذا الصفات الاختيارية عن الله سبحانه[2].
وأما مسألة حوادث لا أول لها: فقد نفوها أيضًا وقالوا: إن هذا قول بتسلسل الحوادث وهو ممتنع لأنه: «كان الله ولا شيء معه؛ أي: لا مخلوق، ولا فعل، ولا مفعول، ثم صار يخلق ويفعل بعد أن لم يكن يفعل ويخلق، وهذا هو قول الجهمية، والمعتزلة»[3]، ووافقهم الأشاعرة والكرامية[4]، وبناء على هذا عطلوا الله عن أفعاله في الأزل.


[1] انظر: درء التعارض (9/147 ـ 150)، ومنهاج السُّنَّة النبوية (1/166) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري لعبد الله الغنيمان (1/381) [مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط1].
[2] انظر: الإرشاد للجويني (44 ـ 45)، والإنصاف فيما يجب اعتقاده للباقلاني (38)، ومجموع الفتاوى (6/147، و220، و12/436).
[3] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/379) وانظر: مجموع الفتاوى (6/220).
[4] انظر: الصفدية (1/10 ـ 11)، ومنهاج السُّنَّة النبوية (1/176، و437 ـ 438، و2/393)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/105).


أولاً: بيان بطلان قولهم في نفي الصفات الاختيارية عن الله تعالى:
لا شكَّ أن نفي الصفات الاختيارية عن الله هو قول باطل لما يأتي:
1 ـ لمصادمته دلالة الشرع على قيام الصفات الاختيارية بالله تعالى، قال تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه] ، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] ، وقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر] ، إلى غير ذلك من صفات الله المتعلقة بمشيئته وإرادته سبحانه.
2 ـ لفظ: (حلول الحوادث) هو لفظ مجمل، فقد يطلق ويراد به نفي حلول شيء من مخلوقات الله على ذات الله، أو أنه تعالى لا تتجدد له صفة لم تكن له من قبل وهذا صحيح، وقد يطلق ويراد به نفي صفات الله الاختيارية؛ كالاستواء والنزول والمجيء ونحو ذلك وهذا النفي في غاية البطلان؛ لمخالفته صريح الشرع[1].
3 ـ أن القول في أفعال الله القائمة به، الحادثة بمشيئته وقدرته سبحانه؛ كالقول في أفعاله التي هي المفعولات المنفصلة، التي يحدثها بمشيئته وقدرته[2].
4 ـ أن تنزيههم لله عن حلول الحوادث هو في حقيقته جحد لوجود الله وألوهيته وربوبيته، وحياته وقيوميته، ولا يتقرر ألوهية الله للعباد وربوبته للعالمين إلا بتنزيهه عن هذا التنزيه[3].
5 ـ أن نفي قيام الأفعال بالله هو خروج عن صريح المعقول ومكابرة بيِّنة لما فيه من التزام حصول مفعول بلا فعل، ومخلوق بلا خلق، وتعطيل الحي الفعال عن كل فعل[4].
ثانيًا: بيان بطلان نفيهم حوادث لا أول لها:
1 ـ أن نفي حوادث لا أول لها هو تعطيل للخالق العظيم عن أفعاله في الأزل، ومعلوم أن الله فعال لما يريد على سبيل الإطلاق، كما قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ *} [هود] .
2 ـ أن نفيهم (حوادث لا أول لها) قائم على توههم لزوم القول بقدم العالم، وهذا باطل لأمرين:
الأول: أن هذا هو قول السلف الذي دلَّت عليه النصوص، ويؤيده العقل.
الثاني: أن هذا القول لا يلزم منه القول بقدم العالم كما يقول الفلاسفة الدهرية؛ لأن كل مخلوق مسبوق بالعدم؛ أي: أن المخلوق المعين وجد بعد أن كان عدمًا محضًا. أما فعل الله الذي هو صفته فلا أول له، وعليه فالله لم يكن معطلاً في وقت من الأوقات؛ بل هو كل يوم في شأن[5].


[1] انظر: شرح الطحاوية (1/97).
[2] انظر: درء تعارض العقل والنقل (4/3).
[3] انظر: الصواعق المرسلة (3/948).
[4] انظر: الصواعق المرسلة (3/948).
[5] انظر: نقض الدارمي على المريسي (1/162) [ط1، 1418هـ]، ودرء التعارض (9/147 ـ 148)، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/381).


1 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج1)، لابن تيمية.
2 ـ «الرد على الجهمية والزنادقة»، للإمام أحمد.
3 ـ «شرح الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز.
4 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري» (ج1)، لعبد الله الغنيمان.
5 ـ «شفاء العليل»، لابن القيم.
6 ـ «الصفات الخبرية بين الإثبات والتأويل»، لعثمان عبد الله آدم الاثيوبي.
7 ـ «الصفدية» (ج1)، لابن تيمية.
8 ـ «الصواعق المرسلة» (ج2)، لابن القيم.
9 ـ «قدم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة»، لكاملة بنت محمد الكواري.
10 ـ «منهاج السُّنَّة» (ج1، 2)، لابن تيمية.
11 ـ «نقض الدارمي على المريسي» (ج1).