قال ابن فارس: «الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما: خلاف الموت، والآخر: الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة»[1]. وقال ابن منظور: «الحياة: نقيض الموت والحي من كل شيء: نقيض الميت»[2].
[1] مقاييس اللغة (2/122) [دار الفكر، 1399هـ].
[2] لسان العرب (14/211 ـ 212) [دار صادر، ط3]. وانظر: القاموس المحيط (1277) [مؤسسة الرسالة، ط8]، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (56) [دار الثقافة العربية].
الحي: اسم من أسماء الله الحسنى، المتضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال وفناء. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها[1].
[1] القواعد المثلى لابن عثيمين (6 ـ 7) [الجامعة الإسلامية، ط3، 1421هـ]، وانظر: تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (65) [مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد 112، السنة 1421هـ].
قال تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255، وآل عمران: 2] ، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58] ، وقال تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 65] ، وقال تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول: «اللَّهُمَّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللَّهُمَّ إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت، أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون»[1].
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كربه أمر قال: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7383)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2717).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3524)، والنسائي في الكبرى (كتاب عمل اليوم والليلة، رقم 10330) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ]، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 227) [مكتبة المعارف، ط1، 1415هـ].
قال أبو جعفر الطبري: «و(الحي): الذي لا يموت ولا يبيد كما يموت كل من اتخذ من دونه ربًّا، ويبيد كل من ادَّعى من دونه إلهًا، واحتج على خلقه بأن: من كان يبيد فيزول، ويموت فيفنى، فلا يكون إلهًا يستوجب أن يعبد دون الإله الذي لا يبيد ولا يموت، ولأن الإله هو الدائم الذي لا يموت، ولا يبيد، ولا يفنى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو»[1].
وقال ابن القيِّم: «إنه سبحانه حي حقيقة، وحياته أكمل الحياة وأتمها، وهي حياة تستلزم جميع صفات الكمال ونفي أضدادها من جميع الوجوه، ومن لوازم الحياة الفعل الاختياري فإن كل حي فعال، وصدور الفعل عن الحي بحسب كمال حياته ونقصها، وكل من كانت حياته أكمل من غيره كان فعله أقوى وأكمل وكذلك قدرته، ولذلك كان الربُّ سبحانه على كل شيء قدير وهو فعال لما يريد. وقد ذكر البخاري في كتاب خلق الأفعال عن نعيم بن حماد أنه قال: «الحي هو الفعال» وكل حي فعال فلا فرق بين الحي والميت إلا بالفعل والشعور»[2].
وقال الشيخ محمد خليل الهرَّاس: «ومعنى الحي: الموصوف بالحياة الكاملة الأبدية، التي لا يلحقها موت ولا فناء؛ لأنها ذاتية له سبحانه، وكما أنَّ قيوميته مستلزمة لسائر صفات الكمال الفعلية؛ فكذلك حياته مستلزمة لسائر صفات الكمال الذاتية من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعزة والكبرياء والعظمة ونحوها»[3].
[1] تفسير الطبري (5/176) [دار هجر، ط1، 1422هـ].
[2] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (187) [دار المعرفة، ط1398هـ].
[3] شرح النونية لابن القيم (2/103) [دار الفاروق الحديثة].
من ثمرات الإيمان بهذا الاسم:
1 ـ أن من عرف أن الله تعالى حي، توكل عليه حق التوكل، يقول الله عزّ وجل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58] .
2 ـ ومن ثمار ذلك أيضًا: أن حظ المسلم من هذا الاسم (الحي) أن يعلم أن من صار حيّ القلب بالله لم يمت، كما قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *} [آل عمران] فعليه أن يتعبد لله بهذا الاسم رغبًا ورهبًا وحبًّا في الحياة الطيبة في الدارين[1].
3 ـ أن الإيمان بهذا الاسم يثمر محبة الله عزّ وجل وإجلاله وتوحيده.
4 ـ أنه يثمر الزهد في هذه الحياة الدنيا الفانية وعدم الاغترار بها؛ لأنه مهما أعطي العبد من العمر فلا بد من الموت، أما الحياة الدائمة التي يهبها (الحي القيوم) لعباده المؤمنين فهي في الدار الآخرة في جنات النعيم، وهذا الشعور يدفع المسلم إلى الاستعداد للآخرة والسعي لنيل مرضات الله عزّ وجل في الحياة السرمدية في جنات النعيم.
5 ـ أن التعبد لله عزّ وجل باسمه (الحي) يوجب التعبد لله سبحانه بجميع صفاته وأسمائه الحسنى كلها وأن آثارها إنما هي آثار لاسمه سبحانه (الحي)[2].
[1] انظر: الأسماء الحسنى: معانيها وآثارها لرفيع أوونلا بصيري (663) [رسالة دكتوراه مقدمة لقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة، عام 1413هـ].
[2] انظر: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها لعبد العزيز الجليل (159 ـ 161) [دار طيبة، ط1، 1429هـ].
ذهبت الجهمية إلى عدم وصف الله تعالى بأنه حي؛ لأن ذلك تشبيه له بالأحياء[1].
أما المعتزلة فقالوا: إنه حي بحياة، وحياته ذاته، حيث جعلوا الحياة صفة غير زائدة عن الذات[2].
[1] انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (211 ـ 212) [مكتبة محمد علي صبيح وأولاده بمصر]، ومقالات الإسلاميين للأشعري (1/338) [المكتبة العصرية، ط1411هـ].
[2] انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار (182) [مكتبة وهبة، ط2، 1408هـ].
ما ذهب إليه أهل التعطيل مخالف لظاهر النصوص الصريحة الدالة على إثبات هذا الاسم لله على الوجه اللائق به سبحانه، ومضاد لمنهج السلف الصالح القائم على إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء التي أخبر عنها سبحانه أو أخبر عنها رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فكما أن ذات الله تعالى لا تماثل الذوات المخلوقة فكذلك أسماؤه وما تضمنته من صفات لا تماثل صفات المخلوقين، مع وجوب تنزيهه سبحانه أن يلحقه نقصٌ أو عيب في كل اسم تسمّى به وفي كل صفة اتصف الله عزّ وجل بها، فالله تعالى من أسمائه (الحيّ) وهو موصوف بالحياة على ما يليق به سبحانه وتعالى، حياة كاملة تستلزم جميع صفات الكمال.
1 ـ «أسماء الله الحسنى»، لعبد الله الغصن.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
4 ـ «تفسير الطبري» (ج5).
5 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لسعيد بن وهف القحطاني.
6 ـ «شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتب الستة»، لحصة بنت عبد العزيز الصغير.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «المعاني الإيمانية في شرح الأسماء الحسنى الربانية»، لوحيد بن عبد السلام بن بالي.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، لمحمد الحمود النجدي.
10 ـ «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها»، لعبد العزيز الجليل.