حرف الخاء / الخشية

           

الخشية: مصدر: خشي، ويدل على الخوف، يقال: خَشِيَ الرجلُ يخشى خشيةً؛ أي: خاف، ويقال للرجل الخائف: خَشْيَانُ، والمرأة: خَشْيَاءُ، يقال: هذا المكان أخشى من ذاك؛ أي: أشدُّ خوفًا[1].
وقد تستعمل بمعنى العلم كما في قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤُمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} [الكهف: 80] ، قال الطبري: «وأما الغلام، فإنه كان كافرًا، وكان أبواه مؤمنين، فعلمنا أنه يرهقهما»[2].


[1] انظر: مقاييس اللغة (2/184)، والصحاح للجوهري (6/2327) [دار العلم للملايين، ط3]، ولسان العرب (228 ـ 229) [دار الفكر، ط1، 1410هـ].
[2] تفسير الطبري (18/85) [دار الفكر، 1405هـ].


الخشية: هي «خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يُخشى منه»[1].
ومما يشهد لهذا التعريف من عبارات العلماء ما يلي:
1 ـ أن الخشية: هي التي تحول بينك وبين معصية الله عزّ وجل، ذكره ابن كثير[2] عن سعيد بن جبير.
2 ـ وقيل: الخشية هي: الرهبة والمخافة، قاله ابن جرير الطبري[3].
3 ـ وقال ابن القيِّم: «فهي خوف مقرون بمعرفة»[4].
ولعل التعريف الأول هو أقرب ما يقال في تعريف الخشية، حيث جمع في تعريفها بين الخوف، الذي هو أصل الخشية، والتعظيم والعلم.
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
لمّا كانت الخشية في اللغة تطلق على الخوف، أُطلقت في الشرع بهذا المعنى، إلا أنها ضمنت معنى المعرفة والتعظيم لله تعالى.


[1] المفردات للراغب الأصفهاني (283) [دار القلم، ط2، 1418هـ].
[2] تفسير ابن كثير (3/608) [دار الفيحاء، ط1].
[3] تفسير الطبري (2/243).
[4] مدارج السالكين (1/549) [دار الكتب العلمية ط1، 1403هـ].


قيل: إن الخشية مرادفة لثلاثة معانٍ؛ هي: الخوف، والوجل، والرهبة.



الخشية من الله عزّ وجل من الواجبات القلبية على كل مسلم، قال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44] ، وقال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ *} [البقرة] .



خشية الله تعالى من أجلّ أعمال القلوب التي تقوم عليها العبادة وتكف المؤمن عن ركوب المعاصي واستباحة المحرمات والاستهانة بشرع الله وشعائره.
وخشية الله تعني: انزجار قلب المؤمن ووجله وخوفه وهربه من سخط الله وغضبه وعقوبته ووعيده في الآخرة. والعبد إذا خاف مخلوقًا هرب منه، وإذا خاف الخالق هرب إليه قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ *} [الذاريات] .
ومنشأ الخشية لله تكون من جلال الله واتصافه بالقوة والانتقام والغضب ممن عصاه، قال تعالى: {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [التوبة] . وتكون من عذابه وعقوبته ووعيده في الآخرة، كما قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *} [الأنعام] .
وقد ورد لفظ الخشية في القرآن الكريم، مضافًا إلى الله تعالى، كما ورد مضافًا إلى عذاب الله، فهو يتناول خشية الله وخشية عذابه في الدنيا والآخرة، وعلى هذا تكون الخشية على مرتبتين: خشية خوف ورهبة، وخشية تعظيم وإجلال[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (16/174) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف]، وتفسير ابن كثير (3/608) (4/496).


الخشية من الله عزّ وجل من أجلِّ صفات المؤمنين وأعظم خصال المتقين، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، ومدح الله تعالى أنبياءه وأولياءه على خشيتهم منه سبحانه، كما جاء من قوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا *} [الأحزاب ، وأثنى تعالى على ملائكته بشدة خشيتهم منه سبحانه فقال: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ *} [الأنبياء] . ووعد الخائفين بالمغفرة والأجر الكبير فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ *} [الملك] .
فخشية الله تعالى في الدنيا طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين، فالذي يخشى الله تعالى عاقبته الأمن والسلام، وثوابه الفوز بجنة الرضوان قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ *} [النور] ، وقال: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ *} [البيِّنة] .



قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ *} [المؤمنون] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ *} [النور] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ *} [الملك] ، وقال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ *ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ *} [ق] ، وغيرها من الآيات.
ومن السُّنَّة المطهرة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم»[1].
وعنه رضي الله عنه؛ أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن رجلاً حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا، وأوقدوا فيه نارًا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها، ثم انظروا يومًا راحًا فاذروه في اليم، ففعلوا، فجمعه الله فقال له: لِمَ فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له»[2].
أقوال أهل العلم:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «كفى بخشية الله علمًا وكفى بالاغترار بالله جهلاً»[3].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «الخوف من الله يستلزم العلم به، والعلم به يستلزم خشيته، وخشيته تستلزم طاعته»[4].
وقال ابن رجب رحمه الله: «فلما زادت معرفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بربه زادت خشيته له وتقواه، فإن العلم التام يستلزم الخشية كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] فمن كان بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه أعلم كان له أخشى وأتقى، إنما تنقص الخشية والتقوى بحسب نقص المعرفة بالله»[5].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب فضل الجهاد، رقم 1633) وصحَّحه، والنسائي (كتاب الجهاد، رقم 3108)، وأحمد (16/330) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (رقم 7778) [المكتب الإسلامي].
[2] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3452)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2756).
[3] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الزهد، رقم 34532) [مكتبة الرشد، ط1، 1409هـ]، وأحمد في الزهد (130) [دار الكتب العلمية، ط1]، والبيهقي في الشعب (2/204) [مكتبة الرشد، ط1]، وفي سنده انقطاع.
[4] فتح الباري لابن رجب (1/90) [مكتبة الغرباء الأثرية، ط1، 1417هـ].
[5] مدارج السالكين (1/513).


الخشية كالخوف تنقسم إلى قسمين:
الأول: خشية عبادة وتذلل وتعظيم:
وهذه الخشية لا تصلح إلا لله تعالى، وقد مدح الله بها سادات أوليائه، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ *} [المؤمنون] .
وهذا القسم هو ما يسميه بعض العلماء بخوف السر وخشية السر، فمن أشرك فيه مع الله غيره؛ فهو مشرك شركًا أكبر[1].
الثاني: خشية عادة وجبلة وطبيعة:
وهذه الخشية طبيعية جبلية، فهي في الأصل مباحة؛ كمن يخشى من عدو أو سبع أو حية أو نحو ذلك مما يخشى ضرره الظاهري، ومثل هذا لا يدخل في العبادة، وقد يوجد من كثير من المؤمنين، ولا ينافي الإيمان؛ لقوله تعالى عن هارون: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه: 94] ، وقوله عن موسى أيضًا: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى *} [طه] ، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31] .
لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم؛ فهو محرم، وإن استلزم شيئًا مباحًا كان مباحًا، فمثلاً من خاف من شيء لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها؛ فهذا الخوف محرم، والواجب عليه أن لا يتأثر به[2].


[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (484) [المكتب الإسلامي، ط6، 1405هـ].
[2] انظر: المرجع السابق (484 ـ 486)، والقول السديد، للسعدي (98)، والقول المفيد (166) [دار العاصمة، ط1].


ـ أسباب الخشية:
1 ـ معرفة الله عزّ وجل بأسمائه وصفاته ونعوت جلاله.
2 ـ مراقبة الله عزّ وجل واستشعار أن الله يرى العبد في كل أحواله، والمداومة على ذكره.
3 ـ تعلم العلم الشرعي فإنه يثمر الخوف والمراقبه.
4 ـ استشعار عظمة الخالق سبحانه وتعالى وتخيل كيف يكون غضب هذا العظيم إذا انتهكت محارمه.
5 ـ معرفة قبح عواقب الذنوب والمعاصي.
6 ـ استشعار حقارة الدنيا وسرعة انقضائها وزوال نعيمها.
7 ـ التفكر في الموت وسكراته وشدة أحواله.
8 ـ التفكر في أهوال الموقف وشدة الحساب يوم القيامة[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/507) وما بعدها.


الفرق بين الخشية والخوف:
1 ـ الخشية أخص من الخوف، فهي خوف مقرون بمعرفة وتعظيم، ولذا خص بها العلماء.
2 ـ وقيل: الخشية تكون من عظم المخشي، وإن كان الخاشي قويًّا، والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمرًا يسيرًا[1].
3 ـ وقيل: الخشية أقوى من الخوف، فصاحب الخوف يلتجأ إلى الهرب، وصاحب الخشية يلتجأ إلى الاعتصام بالعلم[2].
الفرق بين الخشية والوجل:
1 ـ قيل: الوجل هو رديف الخوف، ولذا جاء التعبير به في قصة إبراهيم عليه السلام مع الملائكة عليهم السلام الذين جاءوا إليه في شأن قوم لوط عليه السلام في قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ *} [الحجر] ، وفي موضع آخر من القصة نفسها، جاء التعبير عنه بلفظ الخوف، كما في قوله تعالى: {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ} [هود: 70] [3].
وإذا كان الوجل بمعنى الخوف، فقد تقدم الفرق بينه وبين الخشية.
2 ـ وقيل بل بينهما فرق يسير، وذلك:
ـ أن الوجل خلاف الطمأنينة، بخلاف الخوف[4].
ـ أن الفعل (خاف) متعدٍّ، وليس كذلك الفعل (وجل)، وعلى هذا فالوجل يزيد على الخوف في الفرق بينه وبين الخشية، بأن الخشية طمأنينة تبعث على السكون، والوجل بخلاف[5].
الفرق بين الخشية والرهبة.
1 ـ الخشية: هي خالصة لوجه الله وهي أكبر درجة وعظمة من الرهبة، أما الرهبة: فهي الخوف والسعي للإرضاء وتستعمل لأمر عظيم أو شخص عظيم.
2 ـ الخشية: طمأنينة تبعث على السكون، وأما الرهبة: فهي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه. فصاحب الرهبة يلتجىء إلى الهرب والإمساك وصاحب الخشية يلتجىء إلى الاعتصام بالعلم[6].
قال ابن القيِّم: «والوجل والخوف والخشية والرهبة، ألفاظ متقاربة غير مترادفة»[7].


[1] انظر: تفسير الرازي (1/4332).
[2] انظر: المفردات، للراغب (283)، والفروق اللغوية للعسكري (241)، ومدارج السالكين (1/549).
[3] انظر: أضواء البيان للشنقيطي (16/57).
[4] انظر: الفروق اللغوية (243).
[5] الجامع لأحكام القرآن (2/457).
[6] انظر: مدارج السالكين (1/508 ـ 509).
[7] مدارج السالكين (1/549).


1 ـ شدة تعلق القلب بالله تعالى.
2 ـ تعظيم الواجبات التي أمر الله تعالى بها.
3 ـ الحذر من المحرمات وكل ما نهى الله عنه.
4 ـ كثرة ذكر الله تعالى.
5 ـ الحرص على التمسك بالسُّنَّة النبوية.
6 ـ التواضع للخلق وترك التكبر عليهم.
7 ـ حصول المغفرة والأجر العظيم.



1 ـ «أعمال القلوب حقيقتها وأحكامها عند أهل السُّنَّة والجماعة ومخالفيهم»، لسهل العتيبي.
2 ـ «أعمال القلوب وأثرها في الإيمان»، لمحمد دوكوري.
3 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
4 ـ «عبادة القلب»، لعبد الرحمن المحمود.
5 ـ «القول المفيد»، لابن عثيمين.
6 ـ «القلب في القرآن وأثره في سلوك الإنسان»، لسيد محمد ساداتي.
7 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
8 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.
9 ـ «المفردات»، للراغب الأصفهاني.
10 ـ «موسوعة فقه القلوب»، لمحمد التويجري.