حرف الخاء / الخط (من صفات الله تعالى)

           

«الخاء والطاء أصل واحد، وهو أثر يمتد امتدادًا، فمن ذلك الخط الذي يخطه الكاتب»[1].


[1] مقاييس اللغة (2/154) [دار الجيل، 1420هـ]، وانظر: تهذيب اللغة (6/557) [الدار المصرية للتأليف والترجمة، ط1، 1384هـ]، والصحاح (3/1123) [دار العلم للملايين، ط4]، والقاموس المحيط (665) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1424هـ].


الخط في باب صفات الله تعالى: هو كتابة الله عزّ وجل بيده الكريمة[1].
ومما ورد في النصوص مباشرة الله عزّ وجل لكتابته شيئان:
1 ـ التوراة المنزلة على موسى عليه السلام.
2 ـ قوله عزّ وجل في الحديث القدسي: «إن رحمتي تغلب غضبي»[2].


[1] انظر: ما سيأتي في الأدلة وأقوال العلماء.
[2] سيأتي في الأدلة.


العلاقة ظاهرة؛ فالخط هو الكتابة باليد، وخط الله كتابته بيده الكريمة سبحانه وتعالى.



الكتابة.



إثبات هذه الصفة (صفة الخط) لله عزّ وجل على حقيقتها وهي الكتابة بيده الكريمة، كما ثبت ذلك في النصوص الصحيحة الصريحة من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.



حقيقة صفة الخط: كتابة الله بيده الكريمة.



عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجَّ آدم موسى، فحج آدم موسى» ثلاثًا[1]. وفي رواية لمسلم: «كتب لك التوراة بيده»[2].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي»[3].
وأصل الحديث في «الصحيحين»[4] بلفظ: «لما خلق الله الخلق كتب في كتابه ـ وهو يكتب على نفسه، وهو وَضعٌ عنده على العرش ـ: إن رحمتي تغلب غضبي».


[1] أخرجه البخاري (كتاب القدر، رقم 6614)، ومسلم (كتاب القدر، رقم 2652).
[2] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2652).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3543) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4295)، وأحمد (15/366) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وحسّن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1629).
[4] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7404) واللفظ له، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2751).


قال ابن حبان: «ذكر البيان بأن كتبة الله الكتاب الذي ذكرناه كتبه بيده»[1]، وذكر تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة السابق.
وقال الآجري: «باب الإيمان بأن الله عزّ وجل خلق آدم عليه السلام بيده، وخط التوراة لموسى عليه السلام بيده، وخلق جنة عدن بيده، وقد قيل: العرش، والقلم، وقال لسائر الخلق: كن فكان، فسبحانه[2].
وقال الغنيمان في رواية البخاري التي فيها: «كتب في كتابه ـ وهو يكتب على نفسه، وهو وضع عنده على العرش ـ إن رحمتي تغلب غضبي» [3]: «قوله: «كتب في كتابه» يجوز أن يكون المعنى: أمر القلم أن يكتب، كما قال الحافظ. ويجوز أن يكون على ظاهره بأن كتب ـ تعالى ـ بدون واسطة، ويجوز أن يكون قال: كن؛ فكانت الكتابة، ولا محذور في ذلك كله، وقد ثبت في سنن الترمذي وابن ماجه في هذا الحديث: «إن الله عزّ وجل لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي» [4]. ولا يصح أن يراد بالكتابة: الحكم الذي قضاه، نظير قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأََغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] ؛ لقوله: «فهو عنده فوق العرش» »[5].


[1] كما في الإحسان (كتاب التاريخ، 14/14) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1414هـ].
[2] الشريعة (1/704) [دار الفضيلة، ط3، 1428هـ].
[3] تقدم تخريجه في الأدلة.
[4] تقدم تخريجه في الأدلة.
[5] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/256) [مكتبة لينة، ط2، 1413هـ].


المسألة الأولى: كتابة الله تعالى:
كتابة الله تعالى الواردة في النصوص تشمل كتابته تعالى بخطه بيده الكريمة وذلك في أشياء مخصوصة كما تقدم، وتشمل كتابته سبحانه بأمر خلق من خلقه بذلك؛ كأمره للقلم لما خلقه قال له: «اكتب. قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة»[1].
وكأمره تعالى للملائكة بكتابة أعمال العباد، كما في قوله: {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ *} [الزُّخرُف] ، وقوله عن الملائكة: {كِرَامًا كَاتِبِينَ *} [الانفطار] .
المسألة الثانية: مراتب الوجود:
«العلم له ثلاث مراتب: علم بالجنان، وعبارة باللسان، وخط بالبنان؛ ولهذا قيل: إن لكل شيء أربع وجودات: وجود عيني، وعلمي، ولفظي، ورسمي. وجود في الأعيان ووجود في الأذهان واللسان والبنان»[2].


[1] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4700)، والترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3319) وقال: حسن صحيح، وأحمد (37/378) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (2018) [المكتب الإسلامي].
[2] مجموع الفتاوى (12/111 ـ 112) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1415هـ].


قال الغنيمان في كتابته سبحانه: «إن رحمتي تغلب غضبي» : «كتابته تعالى ذلك؛ لتأكيد هذا الحكم، وإخبار عباده به؛ حتى يؤمنوا به ويعملوا على مقتضاه، أو لحكمة الله أعلم بها، وليس خوفًا من النسيان، تعالى الله»[1].


[1] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/256).


على عادة أهل التعطيل في نفي صفات الله وتحريفها عن حقيقتها كذلك نفوا هذه الصفة وحرَّفوها.
ومن ذلك: ما جاء في تعليق أحدهم على «صحيح البخاري» قوله: « «خط لك بيده» : أنزل عليك كتابه التوراة»[1]. وهذا من المعلق تأويل وتحريف للكلم عن مواضعه، فليس الخط في لغة العرب بمعنى الإنزال ولا هو من معانيه، والواجب إثبات هذه الصفة لله كما ثبتت في النصوص وبما تقتضيه لغتها العربية من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وإنكار المعطلة لخط الله وكتابته بيده هو فرع عن إنكارهم لصفة اليد الثابتة لله عزّ وجل.


[1] صحيح البخاري (6/2439) [دار ابن كثير، ط3، 1407هـ]، والمعلق هو: مصطفى ديب البغا، وانظر أيضًا في أقوال المخالفين: عمدة القاري للعيني (23/244) [دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ]، ومنحة الباري لزكريا الأنصاري (9/539) [مكتبة الرشد، ط1].


1 ـ «صحيح ابن حبان» (ج14).
2 ـ «الشريعة» (ج1)، للآجري.
3 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري» (ج1)، للغنيمان.
4 ـ «مجموع الفتاوى» (ج12)، لابن تيمية.
5 ـ طبعة مصطفى ديب البغا لـ«صحيح البخاري» وتعليقه عليه.
6 ـ «عمدة القاري» (ج23)، العيني.
7 ـ «منحة الباري بشرح صحيح البخاري» (ج9)، لزكريا الأنصاري.