حرف الخاء / الخَليل

           

الخَليل: الصَّديق، ويُقال للأنثى: خليلة، مُشتَقٌّ من (الخُلَّة)؛ وهي: الخَليلة والصَّداقة المختصَّة لا خللَ فيها، والجمع: خِلال، يُقال: فلان كريم الخِلِّ والخُلَّة؛ أي: كريم الإخاء والمُصادَقة، والخِلالة والخَلالة والخُلالة: الصداقة والمودَّة. والخُلَّة أيضًا تُطلق على: الصديق والخليل للذكر والأنثى، والواحد والجميع.
والخَليل أيضًا: الفقير المُختَلّ الحال، مُشتَقٌّ من (الخَلَّة) ـ بالفتح ـ بمعنى: الحاجة والفقر، يُقال: ما أخلَّك إلى هذا؟ يعني: ما أحوجَك إليه[1].


[1] انظر: الصحاح (4/1687) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، وتهذيب اللغة (6/567) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، والقاموس المحيط (1285) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ].


الخليل: هو المحب الكامل المحبة والعبودية لله تعالى الذي تخللت محبته لخليله جلّ جلاله جميع أجزاء روحه وقلبه؛ فلم يكن فيه مسلك لغيره، والمحبوب الموفي حقيقة المحبة من قبل الله تعالى، اللذان ليس في حبهما نقص ولا خلل.
فخليل الله: هو المحب لله محبة تامة كاملة، المحبوب له سبحانه وتعالى محبة تامة كاملة؛ «لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها»[1]؛ فهو محب ومحبوب؛ فيقال: الله عزّ وجل خليل إبراهيم، وإبراهيم خليل الله تعالى.
فمعنى قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً *} [النساء] أي: واتخذ الله إبراهيم محبًّا له خالص الحب، ومحبوبًا له سبحانه وتعالى، محبة لا نقص فيها ولا خلل.
ولم يصل إلى هذا المنصب أحد من العالمين على الكمال إلا: خليل الله إبراهيم أبا الأنبياء، وخاتم النبيين محمدًا صلى الله عليهما وسلم (وهو صلّى الله عليه وسلّم الأفضل مقامًا)؛ فهو منصب خالص لهما خاص بهما، لا يناله أحد بكسب أو اجتهاد[2].


[1] تفسير ابن كثير (2/423) [دار طيبة، ط2].
[2] انظر: معاني القرآن وإعرابه للزَّجَّاج (2/112) [عالم الكتب، ببيروت، ط1، 1408هـ]، والزاهر في معاني كلام الناس (1/493) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1412هـ]، والتفسير البسيط للواحدي (7/114) [جامعة الإمام محمد بن سعود، ط1، 1430هـ]، والنهاية في غريب الحديث والأثر (2/72) [طبعة عيسى البابي الحلبي]، ومنهاج السُّنَّة النبوية (5/351) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (8/141، 10/67، 203)، ومدارج السالكين (3/30) [دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ]، وروضة المحبين (47، 49) [دار الكتب العلمية، 1412هـ]، والداء والدواء (444) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ]، ومفتاح دار السعادة (2/383) [دار ابن عفان، ط1، 1416هـ]، والبداية والنهاية (1/195) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/164، 2/396) [مؤسسة الرسالة، ط9، 1417هـ]، وفتح الباري لابن رجب (2/552) [دار ابن الجوزي بالدمام، ط2، 1422هـ].


الخليل (فعيل) يأتي بمعنى (الفاعل)؛ كعليم بمعنى عالم، وبمعنى (المفعول)؛ كحبيب بمعنى محبوب، فهو محب لله، محبوب له جلّ جلاله.
والخليل مشتق من (الخلة)، وهي أعلى درجات ومقامات المحبة.
وسمي الخليل بهذا؛ لأن محبته لمحبه تخللت جميع أجزاء روحه وقلبه؛ فصارت خلاله؛ أي: في باطنه، فلم تدع فيه خللاً إلا ملأته؛ بحيث لم يبق فيها موضع خال من حبه، فضلاً عن أن يكون محلًّا لمحبة غيره، فضلاً عن أن يكون له فيها منازع![1].
هذا من حيث إضافة الخلة إلى المخلوق. أما معنى الخلة في حق الله تعالى؛ فهي صفة فعلية اختيارية لله (متعلقة بمشيئته وقدرته عزّ وجل) خبرية (سمعية، نقلية) ثابتة بالكتاب والسُّنَّة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى وعظمته وكماله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل.
وقيل: بل هو مشتق من الخَلة ـ بالفتح ـ بمعنى: الفقر والحاجة؛ فالمعنى: أن الخليل مفتقر ومحتاج إلى الله تعالى، أو: «لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله عزّ وجل، مخلصًا في ذلك»[2]، والمراد: «إني أبرأ من الاعتماد والافتقار إلى أحد غير الله تعالى»[3].
وهذا باطل، «والصواب الأول، وهو مستلزم للثاني؛ فإن كمال حبه لله هو محبة عبودية وافتقار، ليست كمحبة الرب لعبده؛ فإنها محبة استغناء وإحسان»[4]. ثم لو كان الاشتقاق من الثاني، وكان خليل الله هو المحتاج؛ «فكم على هذا لله من خليل! من بر وفاجر؛ بل مؤمن وكافر! إذ كثير من الفجار والكفار من ينزل حوائجه كلها بالله صغيرها وكبيرها، ويرى نفسه أحوج شيء إلى ربه في كل حالة»[5]. ثم إن الخلة تكون من الجانبين: جانب الرب وجانب العبد ـ فالخليل محب لله، محبوب له سبحانه وتعالى، والله خليل إبراهيم، وإبراهيم خليل الله تعالى ـ، ولا يتصور الحاجة من الجانبين![6].
وفي اشتقاقه ومعناه أقوال أخرى ضعيفة[7]، والصحيح ما ذكرناه أولاً. والله أعلم.


[1] انظر: المراجع السابقة، تفسير القرطبي (5/400) [دار إحياء التراث العربي، 1405هـ]، والبحر المحيط لأبي حيَّان (3/364) [دار الكتب العلمية، ط1، 1422هـ].
[2] معاني القرآن وإعرابه للزَّجَّاج (2/112). وانظر: الشفا للقاضي عياض (1/282) [طبعة عيسى البابي الحلبي]، وتفسير البغوي (2/292) [دار طيبة، ط4، 1417هـ]، وزاد المسير (2/211) [المكتب الإسلامي ببيروت، ط3، 1404هـ]، وتفسير القرطبي (5/400).
[3] النهاية لابن الأثير (2/72).
[4] منهاج السُّنَّة النبوية (5/351) [جامعة الإمام محمد بن سعود، ط1، 1406هـ]، بتصرُّفٍ يسير.
[5] مدارج السالكين لابن القيم (3/27) [دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ]، وانظر منه: (1/92).
[6] انظر: التفسير البسيط للواحدي (7/115)، وتفسير البغوي (2/292).
[7] انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب (2/1480) [طبعة مجموعة بحوث الكتاب والسُّنَّة، جامعة الشارقة، ط1، 1429هـ]، وتفسير البغوي (2/292)، وزاد المسير (2/211)، وتفسير القرطبي (5/400).


قال أبو جعفر الطحاوي: «ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلَّم الله موسى تكليمًا؛ إيمانًا وتصديقًا وتسليمًا»[1].
وقال أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي: «ونعتقد أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، واتخذ نبيّنا محمدًا صلّى الله عليه وسلّم خليلاً وحبيبًا، والخلة لهما منه على خلاف ما قاله المعتزلة: إن الخلة: الفقر والحاجة. والخلة والمحبة صفتان لله، هو موصوف بهما، ولا تدخل أوصافه تحت التكييف والتشبيه، وصفات الخلق من المحبة والخلة جائز عليها الكيف، فأما صفاته تعالى فمعلومة في العلم وموجودة في التعريف، قد انتفى عنهما التشبيه؛ فالإيمان به واجب، واسم الكيفية عن ذلك ساقط»[2].
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً *} [النساء] : «إنما سمي خليل الله؛ لشدة محبة ربه عزّ وجل له؛ لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها»[3].


[1] العقيدة الطحاوية (2/394)، مع شرح ابن أبي العز الحنفي [مؤسسة الرسالة ببيروت، ط9، 1417هـ].
[2] نقله عن كتابه اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصِّفات: شيخُ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/80)، وانظر منه: (5/71، 77).
[3] تفسير ابن كثير (2/423).


1 ـ «معاني القرآن وإعرابه» (ج2)، للزجاج.
2 ـ «الزاهر في معاني كلام الناس» (ج1)، لابن الأنباري.
3 ـ «التفسير البسيط» (ج7)، للواحدي.
4 ـ «النهاية في غريب الحديث والأثر» (ج2)، لابن الأثير.
5 ـ «مجموع الفتاوى» (ج10)، لابن تيمية.
6 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية» (ج5)، لابن تيمية.
7 ـ «جامع الرسائل» (ج2)، لابن تيمية.
8 ـ «مدارج السالكين»(ج3)، لابن القيِّم.
9 ـ «روضة المحبين»، لابن القيِّم.
10 ـ «الداء والدواء»، لابن القيِّم.