حرف الخاء / الخوف

           

الخوف هو: الذعر والفزع. قال ابن فارس: «الخاء والواو والفاء أصل واحد يدل على الذعر والفزع. يقال: خفت الشيء خوفًا وخيفة. والياء مبدلة من واو لمكان الكسرة. ويقال: خاوفني فلان فخفته؛ أي: كنت أشد خوفًا منه»[1].


[1] مقاييس اللغة (2/230) [دار الجيل، 1420هـ]، وانظر: تهذيب اللغة (7/592) [الدار المصرية للتأليف والترجمة، ط1، 1384هـ]، والصحاح (4/1359) [دار العلم للملايين، ط4]، والقاموس المحيط (809) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1424هـ].


عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال[1]. وقيل: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف[2].
والخوف من الله عزّ وجل: فزع القلب من الله تعالى ومن عقابه وهروبه إليه سبحانه بابتغاء مرضاته[3].


[1] مختصر منهاج القاصدين (302) [دار البيان، دمشق 1398هـ].
[2] مدارج السالكين (1/512)، وانظر: الخوف والرجاء للشمسان (10).
[3] انظر: المفردات في غريب القرآن للراغب (1/161) [دار المعرفة]، وإحياء علوم الدين (4/136) [دار الكتب العلمية، ط1، 1419هـ]، ومدارج السالكين (1/657 ـ 661) [مكتبة الرشد، ط1، 1426هـ]، وبصائر ذوى التمييز (2/578 ـ 579) [المكتبة العلمية].


تضمن المعنى الشرعي للخوف معنى الخوف في اللغة وهو الذعر والفزع كما هو ظاهر.



للخوف أسماء مقاربة مثل: الوجل، والخشية، والرهبة، وهي ألفاظ متقاربة غير مترادفة[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/657).


الخوف من الله عزّ وجل: واجب من الواجبات، وهو من لوازم الإيمان فلا يتخلف عنه، وهو أحد أركان الإيمان والإحسان الثلاثة التي عليها مدار مقامات السالكين جميعها، وهي: الخوف والرجاء والمحبة.
وقد أمر الله سبحانه بالخوف منه في قوله: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [آل عمران] ، فجعل الخوف منه شرطًا في تحقيق الإيمان، والمعنى: إن كنتم مؤمنين فخافوني[1].
وفي هذه الآية نهى الله عن الخوف من غيره مع الأمر بالخوف منه سبحانه، فالمؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان، ولا يخاف الناس، كما قال: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44] .
فيكون خوف الله مأمور به، وخوف أولياء الشيطان منهىٌّ عنه[2].
فلا بدَّ من إخلاص هذا الخوف لله لأنّه من الفرائض[3].


[1] انظر: طريق الهجرتين (2/613 ـ 615) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ].
[2] مجموع الفتاوى (1/57 ـ 58) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1415هـ].
[3] انظر: تيسير العزيز الحميد (408) [دار عالم الكتب، ط1، 1419هـ].


حقيقة الخوف تدور حول: ذعر القلب وفزعه من الله سبحانه وسخطه وعقابه؛ المثمر لتحريك القلب والجوارح بامتثال الأوامر واجتناب المناهي تعبُّدًا لله حبًّا له، ورجاء مغفرته وعفوه وثوابه، والنجاة من غضبه وعذابه.



منزلة الخوف من الله عزّ وجل من أجلّ منازل الطريق إلى الله والدار الآخرة وأنفعها للقلب، وهي ركن من أركان التعبد، وفرض على كل أحد. قال الله تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [آل عمران] ، وقال: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 3] . ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ *} إلى قوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ *} [المؤمنون] [1].
والله سبحانه إنما خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة على عظمته وكبريائه ليهابوه، ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدَّها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال؛ ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، ولهذا قال بعض السلف: خوف الله تعالى حجب قلوب الخائفين عن زهرة الدنيا وعوارض الشبهات[2].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/657)، وطريق الهجرتين (2/613 ـ 638).
[2] انظر: التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، ضمن مجموع رسائل الحافظ ابن رجب (4/93 ـ 94) [الفاروق الحديثة، ط1، 1425هـ].


الآيات في الخوف من الله وعقابه كثيرة؛ منها: قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *} [آل عمران] ، وقوله: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَِقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *} [المائدة] ، وقوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *} [الأنعام] .
ومن السُّنَّة: حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا بنت الصدّيق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدّق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»[2].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة»[3].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3175)، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4198)، وأحمد (42/156) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وفي سنده انقطاع، كما ذكر العراقي في تخريج الإحياء (1511) [دار ابن حزم، ط1]، لكن له شاهد يعتضد به، ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 162).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الأذان، رقم 660)، ومسلم (كتاب الزكاة، رقم 1031).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم 2450) وحسَّنه، والحاكم في المستدرك (كتاب الرقاق، رقم 7851)، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.


قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «من خاف الله أخاف اللهُ منه كلَّ شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء»[1].
وقال ابن أبي مليكة رحمه الله: «أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل»[2].
وبوّب البخاري في «صحيحه» بابًا فقال[3]: «باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر».


[1] رواه البيهقي في شعب الإيمان (2/304) [مكتبة الرشد، ط1، 1423هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر) معلَّقًا مجزومًا، ووصله الحافظ في فتح الباري (1/148).
[3] صحيح البخاري (1/18) [دار طوق النجاة، ط1].


يشترط في الخوف المفروض على أهل الإيمان: ألا يفضي إلى اليأس من روح الله والقنوط من رحمته، ولذلك قيل في حد الخوف المطلوب شرعًا:
ما حملك على أداء الفرائض وحجزك عن المحارم. فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات؛ كان ذلك فضلاً مستحبًّا محمودًا[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (2/495)، والتخويف من النار لابن رجب ضمن مجموع رسائله (4/112).


الخوف على أربعة أقسام:
الأول: أن يخاف من غير الله أن يصيبه بمكروه لا يقدر عليه إلا الله، من مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك بقدرته ومشيئته، وهذا الخوف خوف السر لا يجوز تعلقه بغير الله؛ لأنه من لوازم الإلهية، فمن اتخذ مع الله ندًّا يخافه هذا الخوف فهو مشرك.
وهذا القسم هو الواقع اليوم من عبّاد القبور والأضرحة؛ فإنهم يخافون الصالحين بل الطواغيت، كما يخافون الله بل أشد.
وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وآلهتهم، ولهذا يخوّفون بها أولياء الرحمن، كما خوفوا إبراهيم الخليل صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم: {...وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ علَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [الأنعام]
الثاني: أن يترك الإنسان ما أوجب الله عليه من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الحق بغير عذر إلا لخوف من الناس، فهذا محرم.
الثالث: أن يخاف وعيد الله الذي توعد به العصاة، وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان، ونسبة الأول إليه كنسبة الإسلام إلى الإحسان.
الرابع: أن يخاف من عدو وسبع وهدم وغرق ونحو ذلك، وهو الخوف الطبيعي، وهذا لا يذم وهو الذي ذكره الله عن موسى صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص: 21] [1].


[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (406 ـ 408).


المسألة الأولى: الغلو في الخوف:
إذا زاد الخوف عن حدّه المطلوب شرعًا، بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عزّ وجل لم يكن محمودًا؛ فلا يحتاج إليه؛ وذلك لأنه يصل بصاحبه إلى إيقاعه في اليأس والقنوط وسوء الظن بالله سبحانه، وهذا الخوف الموقع في الإياس إساءة أدب على رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه، وجهل به[1].
ولذلك؛ فإنّ خوف العقاب ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو سبب يحمل على الطاعة، ويسوق المتواني إليها، ومن هنا كانت النار من جملة نعم الله على عباده الذين خافوه واتقوه.
فالقدر النافع من الخوف ما كان عونًا على التقرب إلى الله بفعل ما يحبه وترك ما يكرهه، ومتى صار مانعًا من ذلك وقاطعًا عنه فقد انعكس المقصود منه.
ولكن إذا حصل ذلك عن غلبة كان صاحبه معذورًا، وقد كان في السلف من حصل له من خوف النار أحوال شتى؛ لغلبة حال شهادة قلوبهم للنار، فمنهم من كان يلازمه القلق والبكاء، وربما اضطرب أو غشي عليه إذا سمع ذكر النار[2].
المسألة الثانية: ألفاظ في الخوف لا يجوز إطلاقها:
بعض الناس يقول: يا رب إني أخافك وأخاف من لا يخافك، فهذا كلام ساقط لا يجوز؛ بل على العبد أن يخاف الله وحده ولا يخاف أحدًا، فإن من لا يخاف الله أذل من أن يُخاف، فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه، وإذا قيل: قد يؤذيني، قيل: إنما يؤذيك بتسليط الله له، وإذا أراد الله دفع شره عنك دفعه، فالأمر لله، وإنما يسلط على العبد بذنوبه، وأنت إذا خفت الله فاتقيته وتوكلت عليه كفاك شر كل شر ولم يسلطه عليك، فإنه قال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ، وتسليطه يكون بسبب ذنوبك وخوفك منه. فإذا خفت الله وتبت من ذنوبك واستغفرته لم يسلط عليك، كما قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ *} [الأنفال] »[3].
وقال ابن القيِّم رحمه الله: «فالخوف عبودية القلب فلا تصلح إلا لله وحده؛ كالذل والمحبة والإنابة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب»[4].
الفروق:


[1] انظر: مدارج السالكين (2/495)، والتخويف من النار لابن رجب ضمن مجموع رسائله (4/112).
[2] انظر: التخويف من النار لابن رجب، ضمن مجموع رسائله (4/112 ـ 113).
[3] مجموع الفتاوى (1/57 ـ 58) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1415هـ].
[4] طريق الهجرتين (2/634).


«الخشية أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] فهي خوف مقرون بمعرفة فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون.
فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان:
إحداهما: حركة للهرب منه، وهي حالة الخوف.
والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه، وهي الخشية»[1].


[1] المصدر نفسه (1/658).


الرهبة: هي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه[1].
الفرق بين الخوف والوجل:
الوجل: رجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته[2].
الفرق بين الخوف والهيبة:
الهيبة: خوف مقارن للتعظيم والإجلال، وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة.
والإجلال: تعظيم مقرون بالحب فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية[3].
الفرق بين الخوف والإشفاق:
الإشفاق: رقة الخوف؛ وهو خوف برحمة من الخائف لمن يخاف عليه، فنسبته إلى الخوف نسبة الرأفة إلى الرحمة؛ فإنها ألطف الرحمة وأرقها[4].


[1] المصدر نفسه.
[2] المصدر نفسه.
[3] المصدر نفسه (1/658 ـ 659).
[4] المصدر نفسه (1/665).


للخوف من الله عزّ وجل ثمار عظيمة كثيرة؛ منها:
1 ـ تصحيح الإيمان بالله وتحقيقه وزيادته.
2 ـ القرب من الله عزّ وجل واستشعار عظمته وكبريائه.
3 ـ فرار القلب إلى الله سبحانه وتعلقه به، وعدم الخوف ممن سواه.
4 ـ الجد في تحصيل مرضاة الرب والتفاني في الوصول إلى عفوه وجنته بتحقيق التقوى التي جماعها فعل المأمورات واجتناب المحرمات.
5 ـ الإخبات لله والانكسار والتذلل والتضرع بين يديه رجاء رحمته وخوف عقابه.
6 ـ الخوف يثمر الورع.
7 ـ والاستعانة.
8 ـ وقصر الأمل[1].
9 ـ دخول جنات النعيم.
10 ـ صلاح القلب وعبوديته لله وحده[2].
11 ـ الخوف علامة صحة الإيمان وترحله من القلب علامة ترحل الإيمان منه[3].
12 ـ تحقيق الخشية والرهبة والهيبة والإجلال للعظيم ذي الجلال سبحانه.


[1] مدارج السالكين (2/35).
[2] انظر: طريق الهجرتين (2/634).
[3] مدارج السالكين (1/662).


الخوف من الله سبحانه: سوط يُقَوِّم به الشاردين عن بابه؛ ليفروا منه إليه، وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله عزّ وجل فإنك إذا خفته هربت إليه. ولذلك قيل: ما فارق الخوف قلبًا إلا خرب. وقيل: إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/659 ـ 660).


ضلَّ في فهم الخوف طائفتان[1]:
الأولى: الخوارج: الذين غلبوا نصوص الخوف والوعيد وضيقوا باب الرجاء والوعد؛ حتى كفروا بفعل المعاصي التي دون الكفر، وكذلك طوائف من العبّاد الذين غلبوا جانب الخوف حتى وقعوا في القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، والله عزّ وجل يقول: {وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ *} [يوسف] .
وهؤلاء لم يلتزموا بشرط الخوف الشرعي؛ بل تجاوزوه وغلوا فيه، ولم يقرنوا خوفهم برجاء الله واستشعار نصوص الوعد؛ فوقعوا في الخوف المذموم الذي حقيقته يأس وقنوط من رحمة الله.
الطائفة الثانية: المرجئة: الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، وهونوا من شأن العمل، ومنهم الجبرية القدرية، وفيهم قوم من غلاة المتصوفة الذين يزعمون أنهم ما يعبدون الله خوفًا من ناره ولا طمعًا في جنته؛ وإنما يعبدونه حبًّا فيه!
وتبع هؤلاء من تأثر بهم في هذا الباب من العصاة والمغرورين؛ حيث اتكلوا على سعة رحمة الله ورجاء ما عنده ففرطوا في فعل الطاعات وقارفوا المنكرات، وإذا نُصحوا في ذلك وخُوِّفوا من مكر الله وعقابه سردوا ما يحفظونه من نصوص الوعد بالرحمة والمغفرة، وقالوا: الإيمان بالقلب.
وهؤلاء لم يأتوا بشرط الرجاء المحمود من بذل الجهد في فعل الطاعات واجتناب المحرمات، ومن قرن رجائهم بالخوف من الله واستشعار نصوص الوعيد. فوقعوا في الرجاء المذموم الذي حقيقته تمنٍّ كاذب وغرور شيطاني، واستمرؤوا التفريط في جنب الله، فأمنوا من مكره، ولم يخافوه حق خوفه، والله يقول: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ *} [الأعراف] .
والحق وسط بين طرفين وهدى بين ضلالتين؛ وهو: مذهب أهل الحق أهل السُّنَّة والجماعة الذين جمعوا بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد، وجعلوا الخوف والرجاء متلازمين، فعبدوا الله بالخوف والرجاء والحب، فلم يأمنوا مكر الله، ولم يقنطوا من رحمة الله، ولم ييأسوا من روح الله، فإن «القلب في سيره إلى الله عزّ وجل بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر»[2].
فلا بدَّ من اجتماع هذه الأركان الثلاثة في عبادة العبد لربِّه، فمن لم تجتمع هذه الأركان في عبادته ضلّ وما كان من المهتدين؛ ولذلك قال بعض السلف: «من عَبَدَ الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عَبَدَ الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عَبَدَه بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عَبَدَه بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد»[3].


[1] انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (4/148)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (10/61 ـ 83، 239 ـ 243)، والداء والدواء (36 ـ 79)، وبدائع الفوائد (3/850 ـ 853)، وإغاثة اللهفان (394) [دار الحديث ـ ط1423هـ].
[2] مدارج السالكين (1/664).
[3] نسبه إلى بعض السلف شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (10/81، 207، 11/390)، وابن القيم في بدائع الفوائد (3/851).


1 ـ «إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان»، لابن القيِّم.
2 ـ «بستان الواعظين»، لابن الجوزي.
3 ـ «التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار»، لابن رجب.
4 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
5 ـ «طريق الهجرتين» (ج2)، لابن القيِّم.
6 ـ «كلمات في المحبة والخوف والرجاء»، للحمد.
7 ـ «مدارج السالكين» (ج1)، لابن القيِّم.
8 ـ «مجموع الفتاوى» (ج1)، لابن تيمية.
9 ـ «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها»، لعبد العزيز الجليل.
10 ـ «الخوف والرجاء في الكتاب والسُّنَّة»، لعبد الرحمن الشمسان، [رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية].