حرف الدال / الدابَّة

           

الدَّبُ والدَّبيب: المشي الخفيف، ويستعمل ذلك في الحيوان، والدابة: كل ما يدب على الأرض، وغلب على الحيوان الذي يركب ويحمل عليه، وتطلق على المذكر والمؤنث[1]. قال ابن فارس: «الدال والباء أصل واحد صحيح منقاس، وهو حركة على الأرض أخف من المشي. تقول: دب دبيبًا. وكل ما مشى على الأرض فهو دابة»[2].


[1] ينظر: لسان العرب (1/369) [دار صادر، ط3، 1414هـ]، ومفردات ألفاظ القرآن (306) [دار القلم، ط1، 1412هـ].
[2] مقاييس اللغة (2/263) [دار الفكر، 1399هـ].


دابة من الأرض يخرجها الله للناس في آخر الزمان عند فسادهم وتَرْكِهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، تكلّم الناس وتسمهم على خراطيمهم[1].


[1] ينظر: تفسير ابن كثير (6/211) [دار طيبة، الإصدار الثاني، ط4، 1428هـ].


يجب الإيمان بظهور الدابة في آخر الزمان، وأنها من أشراط الساعة الكبرى، والإيمان بها من الإيمان باليوم الآخر.



تبيِّن النصوص أن الدابة تخاطب الناس مخاطبة في عدم يقينهم بآيات الله، وتكذيبهم بالقرآن، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وإنكارهم للبعث، وتسمهم على أنوفهم بالإيمان أو الكفر[1]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كُلًّا تفعل»؛ يعني: هذا وهذا[2]. والآية تشهد لهذا المعنى؛ ففي قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ *} [النمل] ، قرأ العامة: {تُكَلِّمُهُمْ} بتشديد اللام من الكلام وهي القراءات المتواترة، وقرئ: تَكْلُمهم؛ بفتح التاء وإسكان الكاف وضم اللام، من الكَلْم؛ أي: الجرح؛ أي: تجرحهم. وبها قرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبو زرعة والجحدري، والقراءتان تدلان على معنيين مختلفين:
1 ـ المعنى الأول: أنها تكلم وتحدث الناس، وهي آية، والعادة في الحيوان أنه لا يكلم الناس، فهي تكلم الناس بلغاتهم وبما يفهمون عنها.
2 ـ المعنى الثاني: أنها تكلْم الناس بمعنى أنها تسم الناس، والوسم سماه الله عزّ وجل هنا كلْمًا؛ لأنه يكون معه كلم الجلد والتأثير فيه كما يحصل في وسم الدواب، فإنه لا بد فيه من جرح فيها أو من أثر فيها، فتسم الناس: هذا مؤمن، وهذا كافر[3].


[1] ينظر: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (3/1333).
[2] تفسير ابن كثير (6/212).
[3] ينظر: المحتسب لابن جني (2/189) [دار الكتب العلمية، ط1]، وتفسيسر القرطبي (16/214) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وروح المعاني (20/308 ـ 310) [دار الحديث، 1426هـ]، وشرح الطحاوية (2/464) [دار الآثار، ط1].


قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ *} [النمل] ، قال القرطبي: «أي: دابة تعقل وتنطق، وذلك ـ والله أعلم ـ ليقع لهم العلم بأنه آية من قبل الله تعالى ضرورة، فإن الدواب في العادة لا كلام لها ولا عقل»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض»[2].
وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: اطَّلع النبي صلّى الله عليه وسلّم علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون؟» قالوا: نذكر الساعة. قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات» ، فذكر الدخان، والدجال، والدابة... الحديث[3].


[1] التذكرة للقرطبي (3/1331) [دار المنهاج، ط1].
[2] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 158).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2901).


قال أبو جعفر الطحاوي: «ونؤمن بأشراط الساعة: من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها»[1]. وقال أبو عمرو الداني: «إن الإيمان واجب بما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وثبت بالنقل الصحيح، وتداول حمله المسلمون من ذكر وعيد الآخرة، وذكر الطوام، وأشراط الساعة، وعلاماتها، واقترابها، فمن ذلك خروج الدابة، تخرج من الصفا بمكة، وتكلم الناس بلسان عربي مبين»[2]. وقال السفاريني: «خروج الدابة المذكورة ثابت بالكتاب والسُّنَّة»[3].


[1] شرح الطحاوية (760) [مؤسسة الرسالة العالمية، ط2].
[2] الرسالة الوافية (243 ـ 244) [دار الإمام أحمد، ط1، 1421هـ].
[3] لوامع الأنوار البهية (2/146) [المكتب الإسلامي].


المسألة الأولى: هل الدابة هي الجسّاسة؟
ذهب بعض العلماء إلى أن الدابة هي الجساسة، التي ورد ذكرها في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: سمعت نداء المنادي ـ منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: «ليلزم كل إنسان مصلاه»، ثم قال: «أتدرون لم جمعتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة؛ ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلاً نصرانيًّا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرًا فى البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرُب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة» [1]. وهذا القول ينسب إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما[2]. وجمهور العلماء على خلافه، كما أن طبيعة عمل الدابتين يختلف، فالجساسة تنقل الأخبار إلى الدجال، والدابة تعنف الناس على كفرهم، وتوبخهم، على عدم يقينهم بآيات الله، وتكذيبهم بالقرآن، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وإنكارهم للبعث، وتسمهم على أنوفهم بالإيمان أو الكفر[3]، والله أعلم.
المسألة الثانية: صفة الدابة:
لم يثبت في صفة الدابة أو مكان خروجها دليل يعتمد عليه، قال السعدي رحمه الله: «لم يذكر الله ورسوله كيفية هذه الدابة، وإنما ذكر أثرها والمقصود منها، وأنها من آيات الله تكلم الناس كلامًا خارقًا للعادة حين يقع القول على الناس، وحين يمترون بآيات الله فتكون حجة وبرهانًا للمؤمنين وحجة على المعاندين»[4].
وقال أحمد شاكر رحمه الله: «الآية صريحة بالقول العربي أنها (دابة)، ومعنى الدابة في لغة العرب معروف واضح، لا يحتاج إلى تأويل، ووردت آثار أخر في صفتها لم تنسب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المبلِّغ عن ربه والمبين آيات كتابه، فلا علينا أن ندعها»[5].
المسألة الثالثة: وقت خروجها:
تخرج على الناس ضحًى، عقب طلوع الشمس من مغربها، كما دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبًا» [6]، وفي رواية: قال عبد الله: وأظن أولهما خروجًا طلوع الشمس من مغربها[7]، وهي أول الآيات غير المألوفة خروجًا، قال ابن أبي العز عن الدابة: إنها «أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج: كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر مشاهدة مثلهم مألوفة. وأما خروج الدابة بشكل غريب غير مألوف، ثم مخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر؛ فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية»[8].
لعل من الحكمة في خروج الدابة: تمييز المؤمن من الكافر، فإن خروجها يكون مع خروج الشمس من مغربها الذي به يغلق باب التوبة، ولا يبقى للإنسان إلا ما قدم، يقول ابن حجر: «الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه. قلت: والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة»[9].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2942).
[2] شرح صحيح مسلم للنووي (1701) [بيت الأفكار الدولية]. ووقع فيه: عبد الرحمن بن عمرو بن العاص، وهو تصحيف.
[3] ينظر: أشراط الساعة (409) [ابن الجوزي، ط27، 1430هـ].
[4] تفسير السعدي (852) [جمعية إحياء التراث الإسلامي، ط4، 1433هـ].
[5] مسند أحمد بتحقيق: أحمد شاكر (8/60 ـ 61) [دار الحديث، ط1، 1416هـ].
[6] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2940).
[7] أخرجها أبو داود (كتاب الملاحم، رقم 4310) واللفظ له، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح، وأخرجها ابن ماجه (كتاب الفتن، رقم 4069)، وأحمد (11/86) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/9): رجاله رجال الصحيح.
[8] شرح العقيدة الطحاوية (758) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1413هـ]، وينظر: القناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة (62) [أضواء السلف، ط1، 1422هـ].
[9] فتح الباري (11/361) [المطبعة السلفية، ط2].


قال القرطبي: «هذه الأحاديث وما تقدم من ذكر العلماء في الدابة، ترد قول من قال من المفسرين المتأخرين: إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم؛ لينقطعوا فيهلك من هلك عن بيِّنة ويحيى من حي عن بيِّنة. قال شيخنا أبو العباس: «وعلى هذا فلا يكون في ذلك آية خاصة خارقة للعادة. ولا تكون من جملة العشر الآيات المذكورة في الحديث؛ لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير، فلا آية خاصة، فلا ينبغي أن تذكر مع العشر». قلت: فساد ما قاله هذا المتأخر واضح وأقوال المفسرين بخلافه»[1].
وزعم بعض المعاصرين أن الدابة هي الجراثيم الخطيرة التي تفتك بالإنسان وجسمه وصحته وأمواله[2]. وهذا زعم باطل، وتأويل فاسد، وهو من جنس تأويلات القرامطة الباطنية. وهو مردود من وجوه[3]:
أولاً: أن النصوص بيَّنت أن هذه الدابة تكلم الناس وتخاطبهم وتعنفهم، وتكتب على جبين الكافر: كافر، وعلى جبين المؤمن: مؤمن.
ثانيًا: أن الجراثيم التي تفتك بالإنسان وصحته موجودة من أول الدنيا ومنتشرة في جميع الأرض، وأما دابة الأرض فإنما تخرج في آخر الزمان عند اقتراب الساعة.
ثالثًا: أن الجراثيم أنواع لا تحصى، وأما دابة الأرض فإنما هي دابة واحدة.
رابعًا: أن الدابة التي أخبر الله بخروجها ليست من الدواب التي يعرفها الناس فضلاً عن أن تكون من الجراثيم ونحوها، وإنما هي خلق عظيم هائل، من خوارق العادات؛ ولهذا تفزع الناس وتزعجهم.


[1] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (3/1334 ـ 1335).
[2] ينظر: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (3/183) [دار الصميعي، ط2، 1414هـ].
[3] ينظر: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (3/184 ـ 184).


1 ـ «إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة» (ج3)، لحمود التويجري.
2 ـ «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة»، لصديق خان.
3 ـ «الإشاعة لأشراط الساعة»، للبرزنجي.
4 ـ «أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار»، لعبد الملك بن حبيب الأندلسي.
5 ـ «أشراط الساعة»، ليوسف الوابل.
6 ـ «البحور الزاخرة» (ج1)، للسفاريني.
7 ـ «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3)، للقرطبي.
8 ـ «تفسير السعدي».
9 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
10 ـ «فقد جاء أشراطها»، لمحمود عطية محمد علي.
11 ـ «القناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة»، للسخاوي.
12 ـ «مسند الإمام أحمد»، بتحقيق أحمد شاكر (ج8).
13 ـ «النهاية أو الفتن والملاحم» (ج1)، لابن كثير.