حرف الدال / الدخان

           

الدخن: عدم الصفاء والفساد والخبث، وأصل الدخن: أن يكون في لون الدابة أو الثوب كدرة إلى سواد. قال ابن فارس: «الدال والخاء والنون أصل واحد، وهو الذي يكون عن وقود، ثم يُشبَّه به كلُّ شيء يشبهه من عداوة ونظيرها»[1].
الدخان: هو المستصحب للهيب. ووضعت العرب الدخان موضع الشر إذا علا فيقولون: كان بيننا أمر ارتفع له دخان[2].


[1] مقاييس اللغة (359) [دار إحياء التراث العربي، 1429هـ].
[2] مفردات ألفاظ القرآن (310) [دار القلم، ط1، 1412هـ]، ولسان العرب (13/149) [دار صادر].


الدخان: من علامات الساعة الكبرى التي دلَّ عليها الكتاب والسُّنَّة المطهرة، يأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام، ويأخذ الدخان بأنفاس الكفار وأسماعهم، ويغشى أبصارهم[1].


[1] ينظر: شرح مسلم للنووي (1682) [بيت الأفكار الدولية].


يجب الإيمان بأن السماء بأمر الله جلّ جلاله سوف تأتي بدخان في آخر الزمان، وهو من علامات الساعة الكبرى.
الحقيقة:
الدخان: الذي يكون قبل يوم القيامة هو من علامات الساعة الكبرى، وهو دخان حقيقي، ليس خيالاً في أعين الكفار؛ بل هو عذاب على الكفار، لا يصيب المؤمن منه إلا كهيئة الزكام، قال ابن كثير رحمه الله: «ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى الناس، وهذا أمر محقق عام وليس كما روي عن ابن مسعود؛ أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع[1]، قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ *} [الدخان] ؛ أي: واضح جلي، وليس خيالاً من شدة الجوع، {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ *} [الدخان] ؛ أي: ينادي أهل ذلك الزمان ربهم بهذا الدعاء، يسألون كشف هذه الشدة عنهم، فإنهم قد آمنوا وارتقبوا ما وعدوا من الأمور الغيبية الكائنة بعد ذلك يوم القيامة، حيث يمكن رفعه، ويمكن استدراك التوبة والإِنابة، والله أعلم»[2].


[1] ثبت ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه، كما عند البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4693)، ومسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2798).
[2] النهاية أو الفتن والملاحم (1/172) [دار الكتب الحديثة، ط1].


قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ *يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [الدخان] .
وعن حذيفة بن أَسِيد الغفاري رضي الله عنه قال: اطَّلع النبي صلّى الله عليه وسلّم علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون؟». قالوا: نذكر الساعة. قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات» . فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم[1]. وعن أبى هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال ستًّا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة»[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2901).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2947).


قال القرطبي ـ وهو يذكر أشراط الساعة الكبرى ـ: «يأتي دخان يملأ ما بين السماء والأرض، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ويضيق أنفاسهم»[1].
وقال السفاريني: «هو ثابت في الكتاب والسُّنَّة، قال ابن عباس، والحسن، وزيد بن علي: هو دخان قبل قيام الساعة يدخل في أسماع الكفار والمنافقين، ويعتري المؤمنين منه كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه، ولم يأت بعد، وهو آت»[2]. وقال القنوجي: «من أشراط الساعة الدخان ويمكث في الأرض أربعين يومًا، قال العلماء: آية الدخان ثابتة بالكتاب والسُّنَّة»[3].


[1] التذكرة للقرطبي (3/1348) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ].
[2] البحور الزاخرة في علوم الآخرة (1/561) [غراس للنشر، ط1، 1428هـ].
[3] الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة (214) [الجفان والجابي، ودار ابن حزم، ط1، 1421هـ].


ـ وقت وقوع الدخان:
اختلف العلماء رحمهم الله في الدخان الوارد في النصوص المتقدمة؛ أوقع وانتهى وقته أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ـ وتبعه جماعة من السلف واختاره الطبري[1] رحمه الله ـ إلى أن هذا الدخان قد وقع في عصر النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو ما أصاب قريشًا من الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم حين لم يستجيبوا له، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان. ودليلهم ما جاء في حديث مسروق رحمه الله، قال: «بينما رجل يحدث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام. ففزعنا، فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم. فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ *} [ص] ، وإن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «اللَّهُمَّ أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان. فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد! جئت تأمرنا بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله. فقرأ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ *} [الدخان] ، إلى قوله: {عَائِدُونَ *} [الدخان] . أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم»[2].
القول الثاني: أن الدخان من علامات الساعة التي لم تقع بعد، وسيقع قرب يوم القيامة، وإليه ذهب جمع من الصحابة، وكثير من التابعين، وعليه أكثر العلماء. ومن أدلتهم ما سبق ذكرها، وهي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات» . فذكر الدخان[3]. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «بادروا بالأعمال ستًّا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان» [4]. ومما استدلوا به أيضًا ما رواه الطبري عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال: «ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت»[5]. قال ابن كثير: «وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما، حبر وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرها، التي أوردوها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة. مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ *} [الدخان] ؛ أي: بيِّن واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ} [الدخان: 11] ، يتغشاهم ويعمهم، ولو كان أمرًا خياليًّا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه: {يَغْشَى النَّاسَ}»[6].
القول الثالث: وهو الجمع بين الأحاديث والآثار الثابتة، وهو ما قرره النووي وغيره من العلماء بأن قالوا: هما دخانان. ظهر أحدهما وهو ما كانت قريش تراه كهيئة الدخان، وبقي الآخر الذي هو من أشراط الساعة، وسيقع في آخر الزمان[7]. قال ابن جرير الطبري: «وبعد فإنه غير منكر أن يكون أحل بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم، ويكون محلًّا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانًا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندنا كذلك؛ لأن الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد تظاهرت بأن ذلك كائن، فإنه قد كان ما روى عنه عبد الله بن مسعود، فكلا الخبرين اللذين رويا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صحيح»[8].


[1] ينظر: تفسير الطبري (25/112) [دار الفكر، 1405هـ]، والقناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة (84) [أضواء السلف، ط1، 1422هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4774)، ومسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2798).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2901).
[4] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2947).
[5] تفسير الطبري (22/17) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[6] تفسير ابن كثير (7/249) [دار طيبة، ط4]، وينظر: شرح صحيح مسلم (18/37) [مؤسسة قرطبة، ط1].
[7] ينظر: شرح صحيح مسلم (18/37)، والتذكرة للقرطبي (3/1266)، والبحور الزاخرة (1/562).
[8] تفسير الطبري (25/114 ـ 115).


1 ـ «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة»، لمحمد صديق خان القنوجي.
2 ـ «الإشاعة لأشراط الساعة»، للبرزنجي.
3 ـ «أشراط الساعة»، ليوسف الوابل.
4 ـ «أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار»، لعبد الملك بن حبيب الأندلسي.
5 ـ «البحور الزاخرة في علوم الآخرة» (ج1)، للسفاريني.
6 ـ «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3)، للقرطبي.
7 ـ «القناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة»، للسخاوي.
8 ـ «النهاية أو الفتن والملاحم» (ج1)، لابن كثير.