قال ابن فارس: «الحاء والكاف والميم أصلٌ واحد، وهو المنع. وأول ذلك الحُكم، وهو المنع من الظلم. وسميت حَكَمة الدابة لأنها تمنعها، يقال: حَكَمْت الدابة وأَحْكَمتها. ويقال: حَكَمت السفيه، وأحكمته: إذا أخذت على يديه»[1]. وقال الخليل: «الحِكْمَة مرجعها إلى العدل والعلم والحلم، ويقال: أحكمته التجارب، إذا كان حكيمًا، وأَحْكم فلان عني كذا؛ أي: منعه... وكل شيء منعته من الفساد فقد حَكَمته، وحَكَّمته وأحْكمته»[2]. وقال الجوهري: «والحكيم المتقن للأمور»[3].
والإتقان في اللغة: الإحْكام[4]، وفي اللسان: «وأتقن الشيء أَحْكمه، وإتقانه إحكامه، والإتقان الإحكام للأشياء»[5]. فالإحكام والإتقان معناهما واحد، وهو ضبط الشيء ومنع وقوع الفساد والخلل فيه.
[1] مقاييس اللغة (2/91) [دار الجيل، ط1، 1411هـ].
[2] العين (3/67) [دار مكتبة الهلال].
[3] الصحاح (5/1901) [دار العلم للملايين، ط3].
[4] انظر: العين (5/129).
[5] لسان العرب (13/73) [دار صادر].
يقول الرازي في شرح هذا الدليل: «وهي[1] الاستدلال بما في العالم من الإحكام والإتقان على علم الفاعل، والذي يدل على علم الفاعل هو بالدلالة على ذاته أولى»[2]. وما في العالم من عجيب الصنع، وعظيم القدرة، يدل على وجود خالق عظيم منفرد بالخلق والربوبية.
[1] الضمير هنا يعود إلى الطريقة الخامسة في إثبات وجود الله.
[2] نقله ابن تيمية في درء التعارض (3/87) [مكتبة ابن تيمية]، وانظر: المطالب العالية (1/233) [دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ].
قال عزّ وجل: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3] .
وقوله عزّ وجل: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ *} [السجدة: 7] .
وقوله عزّ وجل: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ *وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ *} [الذاريات].
قال ابن تيمية: «أفعاله المحكمة المتقنة دلَّت على علمه، وهذا مما وقع الاتفاق عليه من هؤلاء، فإنهم يسلمون أن الإحكام والإتقان يدل على علم الفاعل، وهذا أمر ضروري عندهم وعند غيرهم، وهو من أعظم الأدلة العقلية التي يجب ثبوت مدلولها، والإحكام والإتقان إنما هو أن يضع كل شيء في محله المناسب، لتحصل به الحكمة المقصودة منه»[1].
وقال ابن القيِّم: «ومن نظر في هذا العالم وتأمل أمره حق التأمل، علم قطعًا أن خالقه أتقنه وأحكمه غاية الإتقان والإحكام»[2].
[1] النبوات (376).
[2] الصواعق المرسلة (4/1567).
1 ـ «الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد»، لسعود العريفي.
2 ـ «الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية»، لآمال العمرو.
3 ـ «توحيد الخالق»، لعبد المجيد الزنداني.
4 ـ «درء التعارض» (ج3)، لابن تيمية.
5 ـ «العقيدة الإسلامية»، لعبد الرحمن حبنكة.
6 ـ «عقيدة التوحيد في القرآن الكريم»، لمحمد ملكاوي.
7 ـ «قلب الأدلة على الطوائف المخالفة في توحيد المعرفة والإثبات»، لتميم القاضي.
8 ـ «المطالب العالية» (ج1)، للرازي.