التَّطبيق: في اللغة من مادة: (طَبَق)، ومعناها كما يقول ابن فارس: «الطاء والباء والقاف أصلٌ صحيح واحد، وهو يدل على وَضْع شيءٍ مبسوط على مثله حتى يغطيه. من ذلك الطبَق. تقول: أطْبَقت الشيء على الشيء، فالأول طِبقٌ للثاني؛ وقد تطابقا. ومن هذا قولهم: أَطْبق الناس على كذا؛ كأن أقوالهم تساوت حتى لو صُيِّر أحدهما طِبقًا للآخر لصلح»[1]. فمطابقة الشيء للشيء مساواته له، وتطبيق الشيء على الآخر وضعه عليه من أوله حتى يساويه.
[1] مقاييس اللغة (3/439) [دار الجيل، ط1].
دليل التطبيق: من أشهر براهين المتكلمين لمنع حوادث لا أول لها، وإبطال التسلسل في الماضي، ويقوم على فرض سلسلتين زمنيتين غير متناهيتين في الأزل، إحداهما تزيد على الأخرى، بأن نفرض أن رأس الأولى يبدأ من عام 1430هـ، إلى غير بداية في الماضي، والثانية تبدأ من 1429هـ، إلى غير بداية في الماضي، ثم نطابق بين هاتين السلسلتين من الأعلى، وهما عام 1430هـ وعام 1429هـ، ذاهبين بالتطبيق نحو الماضي، فلا يخلو الأمر: إما أن يستمر التطبيق بلا نهاية فيترتب على ذلك مساواة الزائد للناقص، وهذا ظاهر البطلان، أو تنتهي الناقصة وهي 1429هـ، فيلزم أيضًا انتهاء الزائدة؛ لأنها قد زادت عليها بقدر متناهٍ، وبذلك ينقطع التسلسل، وهو المطلوب إثباته[1].
[1] انظر هذا الدليل في: شرح المقاصد (3/113 ـ 114) (2/120) [عالم الكتب، ط1]، والمواقف (90) [عالم الكتب]، والتعريفات (69)، والمطالب العالية (1/151) [دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ].
أولاً: أنّا لا نسلم إمكان التطبيق مع التفاضل، وإنما يمكن التطبيق بين المتماثلين لا بين المتفاضلين[1].
ثانيًا: أن التطبيق هنا يستلزم التفاضل بين الجانب المتناهي، لا بين الجانب الذي لا يتناهى، وهذا لا محذور فيه، فالجملتان اللتان طبقت إحداهما على الأخرى مع التفاوت في أحد الطرفين، وعدم التناهي في الآخر، هما متفاضلتان في الطرف الواحد، وتنطبق إحداهما على الأخرى في الطرف الآخر، فلا يصدق ثبوت مطابقة إحداهما للأخرى مطلقًا، ولا نفي المطابقة مطلقًا؛ بل يصدق ثبوت الانطباق من أحد الطرفين وانتفاؤه من الآخر، وحينئذ فلا يكون الزائد مثل الناقص، ولا يكونان متناهيين[2].
ثالثًا: أن التطبيق هنا أمر يقدر في الذهن لا حقيقة له في الخارج، والاشتراك في عدم التناهي لا يستلزم المساواة في المقدار؛ كتضعيف الأعداد، فإن تضعيف الواحد أقل من تضعيف العشرة، وتضعيف العشرة أقل من تضعيف المائة، وكل ذلك لا نهاية له، لكن ليس هو أمرًا موجودًا في الخارج[3]. وقد اعترف بعض الأشاعرة بضعف هذا البرهان، ومن ذلك قول التفتازاني بعد عرضه للدليل: «والحق أن تحصيل الجملتين من سلسلة واحدة، ثم مقابلة جزء من هذه بجزء من تلك، إنما هو بحسب العقل دون الخارج، فإن كفى في تمام الدليل حكم العقل بأنه لا بد أن يقع بإزاء كل جزء جزء أو لا يقع، فالدليل جار في الأعداد، وفي الموجودات المتعاقبة والمجتمعة المترتبة، وغير المترتبة؛ لأن للعقل أن يفرض ذلك في الكل، وإن لم يكن ذلك؛ بل اشتراط ملاحظة أجزاء الجملتين على التفصيل لم يتم الدليل في الموجودات المترتبة، فضلاً عما عداها؛ لأنه لا سبيل للعقل إلى ذلك إلا فيما لا يتناهى من الزمان»[4].
[1] انظر: درء التعارض (1/304).
[2] انظر: درء التعارض (1/304، 390).
[3] انظر: منهاج السُّنَّة (1/435) بتصرف، وشرح المقاصد (2/120).
[4] شرح المقاصد (2/123).
دليل التطبيق: من أشهر براهين المتكلمين لمنع حوادث لا أول لها، وإبطال التسلسل في الماضي، وفي شرحه يقول التفتازاني: «طريق التطبيق وهو أن تفرض جملة من الحوادث المتعاقبة من الآن، وأخرى من يوم الطوفان كل منهما لا إلى نهاية، ثم نطبق بينهما بحسب فرض العقل إجمالاً، بأن تقابل الأول من هذه بالأول من تلك وهكذا، فإما أن يتطابقا فيتساوى الكل والجزء، أو لا فتنقطع الطوفانية، ويلزم انتهاء الآنية؛ لأنها لا تزيد عليها إلا بقدر متناه»[1]. ويوضحه شيخ الإسلام بقوله: «وعمدة من يقول بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث، إنما هي دليل التطبيق والموازنة والمسامتة، المتقضي تفاوت الجملتين، ثم يقولون: والتفاوت فيما لا يتناهى محال، مثال ذلك: أن يقدروا الحوادث من زمن الهجرة إلى ما لا يتناهى في المستقبل أو الماضي، والحوادث من زمن الطوفان إلى ما لا يتناهى أيضًا، ثم يوازنون الجملتين، فيقولون: إن تساوتا لزم أن يكون الزائد كالناقص، وهذا ممتنع، فإن إحداهما زائدة على الأخرى بما بين الطوفان والهجرة، وإن تفاضلتا لزم أن يكون فيما لا يتناهى تفاضل وهو ممتنع»[2].
[1] شرح المقاصد (3/113 ـ 114)، وانظر: المرجع نفسه (2/120)، والمواقف (90)، والتعريفات (69)، والمطالب العالية (1/151).
[2] منهاج السُّنَّة (1/432)، وانظر: درء التعارض (1/304).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في إبطال هذا الدليل: «لا نسلم إمكان التطبيق؛ فإنه إذا كان كلاهما لا بداية له، وأحدهما انتهى أمس، والآخر انتهى اليوم، كان تطبيق الحوادث إلى اليوم على الحوادث إلى الأمس ممتنعًا لذاته، فإن الحوادث إلى اليوم أكثر، فكيف تكون إحداهما مطابقة للأخرى؟ فلما كان التطبيق ممتنعًا جاز أن يلزمه حكم ممتنع»[1].
[1] درء التعارض (2/367 ـ 368).
الفرق بين دليل الأعراض ودليل التطبيق:
1 ـ دليل الأعراض يقوم برهانه على حدوث الأعراض والأجسام، في حين أن برهان التطبيق يقوم على التطبيق الوهمي الزمني بين سلسلتين زمنيتين.
2 ـ أن دليل الأعراض لإثبات وجود الله، ودليل التطبيق لمنع التسلسل في الماضي، ومنع حوادث لا أول لها.
3 ـ دليل الأعراض أعظم مكانة عند المتكلمين من دليل التطبيق؛ لأنه دليل إثبات وجود الرب عندهم.
4 ـ تضعيف بعض الأشاعرة لبرهان التطبيق كالتفتازاني، بخلاف دليل الأعراض[1].
[1] انظر: شرح المقاصد (2/123).
1 ـ استخدام أدلة ضعيفة كدليل التطبيق في العقيدة، يؤدي إلى التشكيك في العقيدة، ويلقي الشبهات في نفوس من بضاعته في العلم قليلة.
2 ـ إبطال تسلسل الحوادث في الماضي بهذا الدليل يؤدي إلى تعطيل الرب عن كماله المقدس من صفات الأفعال.
المصادر والمراجع:
1 ـ «درء التعارض» (ج1)، لابن تيمية.
2 ـ «قدم العالم وتسلسل الحوادث»، لكاملة الكواري.
3 ـ «شرح المقاصد» (ج2)، للتفتازاني.
4 ـ «موسوعة مصطلحات جامع العلوم»، لأحمد نكري.
5 ـ «موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي»، لسميح دغيم.