الأعراض: جمع عرض، قال الجوهري: «عَرَض له أمر كذا يعرض؛ أي: ظهر، وعرضت عليه أمر كذا، وعرضت له الشيء؛ أي: أظهرته له وأبرزته إليه»[1]. وعَرَض الدنيا ما كان من مال؛ قلَّ أو كثر[2]. وعرض له خير أو شر: بدا[3]. والعرض من أحداث الدهر؛ كالمرض ونحوه، سمي عرضًا؛ لأنه يعترض؛ أي: يأخذه فيما عرض من جسده[4]. ويلاحظ أن الفعل (عَرَض) يكون بمعنى ظهر أو بدا أو مر. وأما الاسم (عَرَض) فقد جاء بمعنى المال، أو المرض، ونحوه.
ولم يأت في كتب اللغة مصطلح حدوث الأعراض، وقياسًا على معنى مفرداته في اللغة فقد يكون المعنى: كون ما يعرض للإنسان من مرض ونحوه بعد أن لم يكن.
[1] الصحاح (3/1082) [دار العلم للملايين، ط3]، وانظر: العين (1/271) [دار مكتبة الهلال].
[2] انظر: مقاييس اللغة (4/270 ـ 276) [دار الجيل، ط1، 1411هـ]، والصحاح (3/1082 ـ 1083).
[3] انظر: العين (1/271 ـ 276)، ومقاييس اللغة (4/270).
[4] انظر: مقاييس اللغة (4/276، 280)، ولسان العرب (7/169 ـ 170) [دار صادر]، والمصباح المنير (2/402) [دار القلم].
يقول الرازي في بيان هذا الدليل: «الاستدلال بحدوث الصفات، والأعراض، على وجود الصانع تعالى، مثل صيرورة النطفة المتشابهة الأجزاء إنسانًا، فإذا كانت تلك التركيبات أعراضًا حادثة، والعبد غير قادر عليها، فلا بد من فاعل آخر، ثم من ادعى العلم بأن حاجة المحدث إلى الفاعل ضروري، ادعى الضرورة هنا، ومن استدل على ذلك بالإمكان، أو بالقياس على حدوث الذوات، فكذلك يقول أيضًا في حدوث الصفات»[1].
فاستدلالهم بهذا الدليل من ثلاثة طرق:
1 ـ بعضهم يقول: الصفات حادثة، والحادث لا بد له من محدث ضرورة.
2 ـ وبعضهم يقول: الصفات حادثة، والحادث ممكن، والممكن لا بد له من واجب.
3 ـ وبعضهم يقول: الصفات حادثة، فلا بد لها من محدث قياسًا على حدوث الأجسام.
[1] درء التعارض (3/82) [مكتبة ابن تيمية]، وانظر: معالم أصول الدين (34) [دار الفكر اللبناني، ط1، 1992م]، والمطالب العالية (1/215) [دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ].
أولاً: هذه الطريقة جزء من الطريقة المذكورة في القرآن، وهي التي جاءت بها الرسل، وكان عليها سلف الأمة، وأئمتها، وجماهير العقلاء من الآدميين. فإن الله عزّ وجل يذكر في آياته ما يحدثه في العالم؛ من السحاب والمطر والنبات والحيوان، وغير ذلك من الحوادث، ويذكر في آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، ونحو ذلك، لكن القائلين بإثبات الجوهر الفرد من المعتزلة، ومن وافقهم من الأشعرية، وغيرهم، يسمون هذا استدلالاً بحدوث الصفات؛ بناء على أن هذه الحوادث المشهود حدوثها لم تحدث ذواتها؛ بل الجواهر، والأجسام، التي كانت موجودة قبل ذلك؛ لم تزل من حين حدوثها، بتقدير حدوثها، ولا تزال موجودة، وإنما تغيرت صفاتها، بتقدير حدوثها، كما تتغير صفات الجسم إذا تحرك بعد السكون، وكما تتغير ألوانه، وكما تتغير أشكاله، وهذا مما ينكره عليهم جماهير العقلاء من المسلمين، وغيرهم[1].
ثانيًا: أن الاستدلال بحدوث الصفات على طريقتهم، أخفى من الاستدلال بحدوث الأجسام، إذ حدوث الأجسام ظاهر، كما أن الصفة تبع للجسم، فإذا ثبت حدوث الجسم، ثبت حدوث الصفة.
ثالثًا: أن من اعتمد في حدوث الصفات، على أن هذا يدل على الإمكان، والممكن لا بد له من واجب، فقد أطال الدليل بدون حاجة، واستدل على الأظهر بالأخفى، وهذا بلا شك يبعد عن المقصود.
فالصواب إذًا: هو الاستدلال بحدوث المخلوقات على الخالق العظيم، وليس الاقتصار على حدوث صفاتها، كما ينبغي أن يكون الدليل خاليًا من الألفاظ المجملة؛ لأنها سبب الاضطراب والاختلاف.
[1] انظر: درء التعارض (3/83)، ومجموع الفتاوى (17/246) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ].
حقيقة هذا الدليل: أن هذه الحوادث المشهود حدوثها لم تُحدث ذواتها؛ بل الجواهر والأجسام التي كانت موجودة قبل ذلك، لم تزل من حين حدوثها، ولا تزال موجودة، وإنما تغيرت صفاتها كما تتغير صفات الجسم إذا تحرك بعد السكون، وكما تتغير ألوانه، وأشكاله، وهذه الصفات الحادثة لا بد لها من محدث وهو الربُّ سبحانه وتعالى.
وحقيقة قولهم: إن الربَّ لم يزل معطلاً: لا يفعل شيئًا ولا يتكلم بمشيئته وقدرته، ثم إنه أبدع جواهر من غير فعل يقوم به، وبعد ذلك ما بقي يخلق شيئًا؛ بل إنما تحدث صفات تقوم بها، وهذا باطل أنكره عليهم جماهير العقلاء من المسلمين وغيرهم[1].
أقوال أهل العلم:
عن نوح الجامع قال: «قلت لأبي حنيفة: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة»[2].
قال شيخ الإسلام: «أما أكابر أهل العلم من السلف والخلف فعلموا أنها طريقة باطلة في نفسها، مخالفة لصريح المعقول وصحيح المنقول، وأنه لا يحصل بها العلم بالصانع ولا بغير ذلك؛ بل يوجب سلوكها اعتقادات باطلة توجب مخالفة كثير مما جاء به الرسول، مع مخالفة صريح المعقول، كما أصاب من سلكها من الجهمية والمعتزلة والكلابية والكرامية، ومن تبعهم من الطوائف»[3].
[1] انظر: درء التعارض (3/83 ـ 84) بتصرف.
[2] ذم الكلام وأهله (4/213 ـ 214) [مكتبة الغرباء].
[3] النبوات (62)، وانظر: مجموع الفتاوى (3/303) (5/543).
1 ـ «أثر الفكر الاعتزالي في عقائد الأشاعرة»، لمنيف العتيبي، رسالة دكتوراه.
2 ـ «الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات»، لعبد القادر بن محمد عطا صوفي.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج3)، لابن تيمية.
4 ـ «دليل الحدوث أصوله ولوازمه»، لأحمد الغامدي [رسالة دكتوراه].
5 ـ «عقيدة التوحيد في القرآن»، لمحمد ملكاوي.
6 ـ «الإرشاد»، لأبي المعالي الجويني.
7 ـ «شرح الأصول الخمسة»، للقاضي عبد الجبار.
8 ـ «المطالب العالية» (ج1)، للرازي.
9 ـ «معالم أصول الدين»، للرازي.