قال ابن فارس: «الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها. وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِينًا، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ؛ أي: مُطِيعون منقادون.
فأمَّا قوله جلّ ثناؤُه: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف 76] ، فيقال: في طاعته، ويقال: في حكمه. ومنه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *} [الفاتحة] ؛ أي: يوم الحكم. وقال قومٌ: الحساب والجزاء. وأيُّ ذلك كان فهو أمرٌ يُنقاد له»[1].
وقال الأزهري: «والدَّيانُ من أسماء الله جلّ وعزّ، معناه: الحَكَمْ القاضي والدَّيان: القهَّار ومنه قوله:
لاه ابن عَمِّك لا أُفْضِلْتَ في حَسَبٍ
يومًا ولا أنت ديَّاني فَتَخْزوني
أي: لستَ بِقاهرٍ فتسوسَ أمري»[2].
[1] مقاييس اللغة (2/319 ـ 320) [دار الجيل، ط2].
[2] تهذيب اللغة (14/130 ـ 131) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
يجب إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء الحسنى والصفات العلا، ومن هذا القبيل اسم الله (الديان) الذي سماه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم على الوجه اللائق به سبحانه[1].
[1] انظر: التوحيد لابن منده (2/118) [الجامعة الإسلامية، ط1]، والحجة في بيان المحجة (1/177)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (3/3)، وقطف الجنى الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني للعبّاد (87).
الديان: صيغة مبالغة، وهو من دان الناس إذا قهرهم على الطاعة، وحاسبهم وجازاهم على أعمالهم، فهو يتضمن عدة معانٍ، فيطلق ويراد به الملك المطاع، والقهار، والحاكم القاضي، والمجازي والمحاسب، والمهيمن على شؤون الخلق من فوق عرشه[1]. قال أبو القاسم الأصبهاني: «وأما الديان فمعناه، المجازي، يقال: دنت الرجل إذا جزيته، أدينه، والدين الجزاء، ومنه المثل: «كما تدين تدان». والديان أيضًا: الحاكم»[2].
هذه هي الحقائق اللغوية لاسم الديان، وكلها ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته.
[1] انظر: المنهاج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى لزين محمد شحاتة (1/319 ـ 320) [مكتبة العواصم، ط10، 1422هـ]، وأسماء الله الحسنى لماهر مقدم (227).
[2] الحجة في بيان المحجة (1/176).
الديان: اسم من أسماء الله الحسنى سماه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم فقد روى الإمام أحمد رحمه الله بسنده عن عبد الله بن أنيس الأنصاري رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يحشر الناس يوم القيامة ـ أو قال: العباد ـ عراة، غرلاً، بُهمًا، قال: قلنا: ما بهمًا؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَعُد، كما يسمعه من قرُب: أنا الملك، أنا الديان»[1].
[1] أخرجه أحمد في مسنده (25/432) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1419هـ]، والحاكم (كتاب التفسير، رقم 3638) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في ظلال الجنة (1/225) [المكتب الإسلامي، ط1، 1400هـ].
قال الخطابي: «الديان: وهو المجازي، يقال: دِنْتُ الرجل إذا جزيتَه، أدينُه، والدَّيْن: الجزاء، ومنه المثل: كما تَدِين تُدَان، والدَّيّان أيضا: الحاكم»[1].
وقال ابن منده: «ومن أسماء الله عزّ وجل: والديان»[2].
وقال عبد المحسن العباد: «وأسرد فيما يلي تسعة وتسعين من أسماء الله الحسنى، مرتبة على حروف الهجاء، ومع كل اسم دليله من الكتاب أو السُّنَّة»[3] ثم قال في حرف الدال: «الديان: دليله قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحشر الله العباد أو قال: الناس عراة غرلاً بهمًا»»[4].
[1] شأن الدعاء (105) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ].
[2] التوحيد لابن منده (2/118)، وانظر: الحجة في بيان المحجة (1/177).
[3] قطف الجنى الداني (85) [دار الفضيلة، الرياض، ط1].
[4] قطف الجنى الداني (87)، والحديث تقدم تخريجه.
الإيمان باسم الله الديان له أثر عظيم في النفوس المؤمنة؛ لأنه إذا كان العبد يؤمن بأن الله هو المجازي والمحاسب على الأعمال، وأنه سبحانه مالك يوم الدين، وأنه يضع الموازين بالقسط يوم القيامة كما قال الله سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ *} [الأنبياء] ، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره، كل ذلك يحفزه إلى إحسان العمل، والإخلاص فيه، والاجتهاد في الإكثار من الصالحات التي سيجازيه عليها الديان يوم القيامة، والبعد عن الكفر والشرك والظلم، والكف عن كل قول وعمل واعتقاد تكون عاقبته وخيمة، ونهايته سيئة[1].
[1] وانظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (594) [الناشر: مكتبة الإمام الذهبي، الكويت، ط2، 1430هـ].
الله سبحانه هو الديان سماه بذلك رسوله صلّى الله عليه وسلّم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وكل اسم من أسماء الله يدل على صفة من صفات الله العليا كما هو معلوم من دلالة نصوص الكتاب والسُّنَّة، وقد خالف في هذا الجهمية منكروا الأسماء والصفات، ومن تأثر بهم كالمعتزلة نفاة الصفات، حيث جعلوا أسماء الله أعلامًا مجردة عن صفات الكمال، فعلى مذهبهم: اسم الديان علم مجرد لا يدل على صفة كمال، ولا يتضمنها، وقلدهم الأشاعرة في أصلهم هذا[1].
وأما بخصوص اسم الله (الديان) فلم أقف لهم على كلام خاص به، ولكن منهجهم المتقدم يدلنا على أنهم يعطلون الصفة التي دلَّ عليها اسمه الديان.
[1] انظر: جامع الرسائل لابن تيمية (2/3 ـ 7) [تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، الناشر: دار المدني للنشر والتوزيع، جدة].
1 ـ «قطف الجنى الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني»، لعبد المحسن العباد.
2 ـ «أسماء الله الحسنى»، لعبد الله بن صالح الغصن.
3 ـ «المنهاج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج1)، لزين محمد شحاتة.
4 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج3)، لمحمد الحمود.
5 ـ «أسماء الله الحسنى جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لماهر مقدم.
6 ـ «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
7 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لأبي القاسم الأصبهاني.
8 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
9 ـ «جامع الرسائل» (ج2)، لابن تيمية.
10 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج3)، لابن تيمية.