حرف الذال / الذَّات

           

الذات: تأنيث ذو، «قال الليث: (ذو): اسم ناقص، وتفسيره: صاحب ذلك؛ كقولك: فلان ذو مال؛ أي: صاحب مال وتقول في تأنيث (ذو): ذات، تقول: هي ذات مال، قال الأزهري: وذات الشيء: حقيقته وخاصته»[1].
فتبين أن لفظ ذات يأتي بمعنى الحقيقة والخاصة. ويأتي بمعنى الصاحبة، وعلى هذا المعنى لا يقال: «ذات الشيء» إلا لما له ذات ونعوت تضاف إليه، فكأنه يقول: صاحبة هذه الصفات والنعوت[2].


[1] تهذيب اللغة (15/33) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[2] انظر: بدائع الفوائد (2/7) [دار الكتاب العربي]، ومجموع الفتاوى (5/283) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].


الذات: لفظ أطلقه المتكلمون، يريدون به النفس والحقيقة، ويعنون بذلك: صاحبة الصفات، ويقولون ذات الباري هي نفسه ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته[1].
وقيل: الذات: لفظ مولَّد يقتضي وجود صفات تضاف الذات إليها فيقال: ذات علم وذات قدرة وذات كلام[2].


[1] انظر: بدائع الفوائد (2/6)، ومجموع الفتاوى (6/342).
[2] مجموع الفتاوى (6/98).


يجب على المسلم الالتزام بالألفاظ الشرعية الواردة في الكتاب والسُّنَّة، وأن يتوقف في إطلاق الألفاظ التي لم ترد في النصوص، لا سيما إذا أُريد بها عند الإطلاق معنى غير صحيح.
ولفظ: (الذات) لم يرد في النصوص الشرعية إلا مضافًا، فيجوز إثباته على الوجه الذي ورد، أما وروده معرّفًا بأل، فلم يجئ في كلام السلف إلا في معرض الرد على أهل التعطيل ممن نفوا علو الله تعالى على عرشه، وقالوا: المقصود به علو القهر والقدر فقط. فأثبت السلف علو ذاته تعالى على العرش.



لفظ ذات في لغة العرب: تأنيث ذو، وأصل الكلمة ذات الصفات؛ أي: النفس ذات الصفات.
وقد أطلق هذا اللفظ في الشرع؛ كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في قصة إبراهيم: «لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات، ثنتين في ذات الله» [1]. وكقول خبيب: «وذلك في ذات الإله»[2].
والمعنى في جهة الله وناحيته؛ أي: لأجل الله ولابتغاء وجهه؛ ليس المراد بذلك النفس. ونحوه في القرآن: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] ، وقوله: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *} [الأنفال] ؛ أي: الخصلة والجهة التي هي صاحبة بينكم وعليم بالخواطر ونحوها التي هي صاحبة الصدور. فلفظ: (الذات) في كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة والعربية المحضة بهذا المعنى.
أما المتكلمون فقد أطلقوا هذا اللفظ وأرادوا به: النفس صاحبة الصفات، ولما وجدوا الله قال في القرآن: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] ، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] و{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12] وصفوها، فقالوا: نفس ذات علم وقدرة، ورحمة ومشيئة ونحو ذلك، ثم حذفوا الموصوف وعرفوا الصفة. فقالوا: الذات[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3358)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2371).
[2] كما في قصة مقتله: التي أخرجها البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 3045).
[3] مجموع الفتاوى (6/341 ـ 342)، وانظر: درء التعارض (5/54).


ـ قال القاضي عياض: «وقد استعمل الفقهاء والمتكلمون الذات بالألف واللام وغلطهم في ذلك أكثر النحاة، وقالوا: لا يجوز أن تدخل عليها الألف واللام؛ لأنها من المبهمات، وأجاز بعض النحاة قولهم الذات وأنها كناية عن النفس وحقيقة الشيء أو عن الخلق والصفات»[1].
ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولفظ: (ذات) تأنيث (ذو)، وذلك لا يستعمل إلا فيما كان مضافًا إلى غيره، فهم يقولون: فلان ذو علم وقدرة، ونفس ذات علم وقدرة. وحيث جاء في القرآن أو لغة العرب لفظ: (ذو) ولفظ: (ذات) لم يجئ إلا مقرونًا بالإضافة، لكن لما صار النظار يتكلمون في هذا الباب قالوا: إنه يقال إنها ذات علم وقدرة، ثم إنهم قطعوا هذا اللفظ عن الإضافة وعرفوه؛ فقالوا: (الذات) وهي لفظ مولَّد ليس من لفظ العرب العرباء، ولهذا أنكره طائفة من أهل العلم؛ كأبي الفتح بن برهان وابن الدهان وغيرهما، وقالوا: ليست هذه اللفظة عربية، وردَّ عليهم آخرون كالقاضي وابن عقيل وغيرهما. وفصل الخطاب: أنها ليست من العربية العرباء بل من المولّدة؛ كلفظ الموجود، ولفظ الماهية، والكيفية ونحو ذلك، فهذا اللفظ يقتضي وجود صفات تضاف الذات إليها فيقال: ذات علم وذات قدرة وذات كلام»[2].
وقال ابن القيِّم: «فإذا أطلقوا لفظ الذات من غير تقييدها بإضافة معين دلَّت على ماهية لها صفات تقوم بها، فكأنهم قالوا: صاحبة الصفات المخصوصة القائمة بتلك الماهية، فدلوا بلفظ الذات على الحقيقة وصفاتها القائمة بها، ومحال أن يصح وجود ذات لا صفات لها ولا قدر وإن فرضها الذهن فرضًا لا وجود لمتعلقه في الخارج إلا كما يفرض سائر الممتنعات، فالذات هي قابلة للصفات والموصوفة بالصفات القائمة بها ومنه ذات الصدور؛ أي: ما فيها من خير وشر»[3].


[1] مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/273) [المكتبة العتيقة].
[2] مجموع الفتاوى (6/98 ـ 99).
[3] الصواعق المرسلة (4/1382).


ـ المراد بذات الله الوارد في النصوص:
جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عزّ وجل»[1].
وجاء في قصة مقتل خبيب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال:
«ما أُبالي حين أُقتلُ مُسلمًا
على أيّ شِقٍّ كان للَّه مصْرَعِي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يُبَارِك على أَوصَالِ شِلوٍ مُمَزَّعِ»[2].
والمعنى: في أمر الله وطاعته؛ أي: لأجل الله ولابتغاء وجهه؛ وليس المراد بذلك النفس، كما يريده المتكلمون. فاسم (ذات) في كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة والعربية المحضة: بهذا المعنى[3].


[1] تقدم تخريجه قريبًا.
[2] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 3045).
[3] مجموع الفتاوى (6/341 ـ 342)، وانظر: درء التعارض (5/54).


يطلق المتكلمون هذا اللفظ في معنى النفس والحقيقة، ويقولون: ذات الباري هي نفسه ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته، ويحتجون في إطلاق ذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم في قصة إبراهيم: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عزّ وجل»[1].
وليست هذه اللفظة في اللغة والشريعة كما زعموا، ولو كان كذلك لجاز أن يقال: عند ذات الله، واحذر ذات الله، كما قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] ، وذلك غير مسموع، ولا يقال إلا بحرف (في) الجارة، وحرف (في) للوعاء وهو معنى مستحيل على نفس الباري تعالى. إذا قلت: جاهدت في الله تعالى، وأحببتك في الله تعالى، محال أن يكون هذا اللفظ حقيقة لما يدل عليه هذا الحرف من معنى الوعاء، وإنما هو على حذف المضاف؛ أي: في مرضاة الله وطاعته، فيكون الحرف على بابه؛ كأنك قلت: هذا محبوب في الأعمال التي فيها مرضاة الله وطاعته، وأما أن تدع اللفظ على ظاهره فمحال، وإذا ثبت هذا، فقول خُبيب: «وذلك في ذات الإله»[2]. إنما يريد في الديانة والشريعة التي هي ذات الإله.
فقد بان غلط من جعل هذه اللفظة عبارة عن نفس ما أضيف إليه، والذات هنا كالجنب في قوله تعالى: {يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] ؛ ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال هاهنا: فرطت في نفس الله وحقيقته، ويحسن أن يقال: «فرط في ذات الله» كما يقال: فعل كذا في ذات الله، وقتل في ذات الله تعالى، وصبر في ذات الله، فتأمل ذلك[3].


[1] تقدم تخريجه قريبًا.
[2] تقدم تخريجه قريبًا.
[3] انظر: بدائع الفوائد (2/6 ـ 8)، ومجموع الفتاوى (6/342)


1 ـ «بدائع الفوائد» (ج2)، لابن القيِّم.
2 ـ «التدمرية»، لابن تيمية.
3 ـ «تفسير الطبري» (ج13).
4 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، لقوام السُّنَّة.
5 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج3)، لابن تيمية.
6 ـ «الصفات الإلهية: تعريفها، أقسامها»، لمحمد خليفة التميمي.
7 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه»، لمحمد أمان الجامي
8 ـ «الصواعق المرسلة» (ج4)، لابن القيِّم.
9 ـ «فتح الباري» (13)، لابن حجر.
10 ـ «مجموع الفتاوى» (ج5، 6)، لابن تيمية.