ذرائع الشرك مصطلح يتألف من كلمتين هما:
أولاً: ذرائع:
والذرائع جمع ذريعة، والذريعة في اللغة: الوسيلة التي يتوصل بها إلى الشيء، والذريعة أيضًا: السبب إلى الشيء، يقال: فلان ذريعة فلان إلى كذا؛ أي: سببه إليه، قال ابن منظور: «الذَّرِيعة: الوسيلة، وقد تَذَرَّع فلان بذَريعةٍ؛ أَي: توسَّل، والجمع: الذرائعُ والذريعةُ السبَبُ إِلى الشيء وأَصله من ذلك الجمل، يقال: فلان ذَرِيعتي إِليك؛ أَي: سَبَبي ووُصْلَتي الذي أَتسبب به إِليك»[1].
ثانيًا: الشرك:
الشرك لغة: قال ابن فارس: «الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما: يدل على مقارنة وخلاف انفراد، والآخر: يدل على امتداد واستقامة، فالأول الشركة هو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، ويقال: شاركت فلانًا في الشيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلانًا؛ إذا جعلته شريكًا لك»[2]، وَجَمْعُ الشَّرِيكِ شُرَكَاءُ، ويطلق الشرك على المعاني الآتية:
1 ـ المخالطة، والمشاركة[3].
2 ـ التسوية بين شيئين[4].
3 ـ النصيب والحظ[5].
[1] لسان العرب (8/93)، وانظر: القاموس المحيط (927).
[2] مقاييس اللغة (3/265).
[3] انظر: المفردات للراغب (451).
[4] انظر: النهاية في غريب الحديث (2/1144)، ولسان العرب (7/99).
[5] انظر: لسان العرب (7/99 ـ 100).
هي الوسائل المفضية إلى الشرك[1].
ومن أقوال العلماء في تعريفها ما يلي:
1 ـ قال ابن تيمية: «الذريعة ما كان وسيلة وطريقًا إلى الشيء، لكنها صارت في عُرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم»[2].
2 ـ وقال الشوكاني: «الذريعة: هي المسألة التي ظاهرها الإباحة، ويتوصل بها إلى فعل المحظور»[3].
[1] انظر: الشرك بالله أنواعه وأحكامه (702).
[2] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/172) [دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ].
[3] إرشاد الفحول (2/193).
لمّا كان الشرك بالله تعالى هو أعظم الذنوب على وجه الإطلاق؛ إذ هو أعظم ما نهى الله تعالى عنه، كان النهي عن كل ما يفضي إليه من أقوال وأفعال ونحوهما من أعظم الواجبات، وذلك لحرص النبي صلّى الله عليه وسلّم على سدِّ كل الطرق الموصلة إلى الشرك بالله تعالى، وحمايته لحمى التوحيد.
قال ابن تيمية ـ في كلامه على النهي عن اتخاذ القبور مساجد ـ: «وصاحب الشريعة صلّى الله عليه وسلّم حسم المادة وسد الذريعة، بلعنه من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وأن لا يصلى عندها لله، ولا يسأل إلا الله، وحذَّر أمته ذلك، فكيف إذا وقع نفس المحذور من الشرك، وأسباب الشرك»[1].
[1] اقتضاء الصراط المستقيم (2/794) [ط1، 1404هـ].
حقيقة ذرائع الشرك، هي: ما يتوصل به إلى الشرك بالله تعالى، من الأقوال والأفعال التي ليست بشرك في الحقيقة.
وإنما جاء الشرع بسدِّها لخطورة الشرك بالله وكثرة النصوص في التحذير منه، ولذا قال ابن القيِّم ـ بعد كلامه عن بعض مسائل التوحيد وسد ذرائع الشرك ـ: «وإنما نبهنا هنا على رؤوس المسائل، وجنس الدلائل، والتنبيه على مقاصد الشريعة، وما فيها من إخلاص الدين لله، وعبادته وحده لا شريك له، وما سدته من الذريعة إلى الشرك، دقه وجله؛ فإن هذا هو أصل الدين، وحقيقة دين المرسلين، وتوحيد ربِّ العالمين»[1].
[1] المرجع السابق (2/844).
باب سدِّ الذرائع المفضية إلى المحرمات باب عظيم في الشريعة، له مسائله وأحكامه كبقية أبواب الشريعة؛ بل هو ربع تكاليفها كما قال ابن القيِّم: «وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف؛ فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان؛ أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان؛ أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين»[1].
[1] إعلام الموقعين (3/171) [دار الباز، مكة المكرمة].
قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] ، فنهى تبارك وتعالى عن سب آلهة الكفار لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب الله تعالى.
وكما أنه سبحانه وتعالى نهى عن كلمة (راعنا) بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: 104] ، لئلا يكون ذلك ذريعة لليهود إلى سب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمر سبحانه وتعالى نبيَّه محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لقومه: {قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا *قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا *} [الجن] ؛ لئلا يظن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينفع ويضر فيغلوا الناس فيه.
ومن السُّنَّة: تحذيره صلّى الله عليه وسلّم عن الغلو في شخصه الكريم، بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله»[1].
ونهى عن البناء على القبور وتعظيمها، واتخاذها أعيادًا؛ وذلك سدًّا لذريعة التعلق بأربابها، وعبادتهم من دون الله تعالى؛ كقوله صلّى الله عليه وسلّم عن النصارى: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله» [2]، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3445).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 434)، ومسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 528).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الجنائز، رقم 972).
قال الشافعي: «وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدًا؛ مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس»[1].
وقال ابن تيمية ـ في كلامه على النهي عن اتخاذ القبور مساجد ـ: «وصاحب الشريعة صلّى الله عليه وسلّم حسم المادة وسدِّ الذريعة، بلعنه من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وأن لا يصلى عندها لله، ولا يسأل إلا الله، وحذر أمته ذلك، فكيف إذا وقع نفس المحذور من الشرك، وأسباب الشرك»[2].
وقال القرطبي: «ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها وجعلوها محدقة بقبره صلّى الله عليه وسلّم، خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره»[3].
[1] المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/259) [دار الكتب العلمية].
[2] اقتضاء الصراط المستقيم (2/794).
[3] المفهم شرح صحيح مسلم (2/128) [دار ابن كثير، ط1، 1417هـ].
1 ـ «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد»، للفوزان.
2 ـ «إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين»، لابن القيِّم.
3 ـ «اقتضاء الصراط المستقيم»، لابن تيمية.
4 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
5 ـ «سد الذرائع في مسائل العقيدة على ضوء الكتاب والسُّنَّة الصحيحة»، لعبد الله الجنيدي.
6 ـ «الشرك بالله أنواعه وأحكامه»، لماجد الشبالة.
7 ـ «الشرك في القديم والحديث»، لأبي بكر زكريا.
8 ـ «الفتاوى الكبرى»، لابن تيمية.
9 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
10 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.