حرف الذال / الذِّكر

           

أصل الذكر لغة: التنبيه على الشيء[1]، قال ابن فارس: «الذال والكاف والراء أصلان عنهما يتفرع كلم الباب والأصل الآخر: ذكرت الشيء، خلاف نسيته. ثم حمل عليه الذكر باللسان»[2].
الذِّكر: خلاف النسيان، والذِّكر والذُّكر بمعنى واحد، يقولون: اجعله منك على ذُكر بضم الذال؛ أي: لا تنسه، ويطلق على معان عدة، منها: الحفظ للشيء، والشيء يجري على اللسان، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200] ، ويطلق على الصيت، والثناء، والعلاء، والشرف[3].


[1] تهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/111) [دار الكتب العلمية].
[2] مقاييس اللغة (2/358) [دار الجيل، 1420هـ].
[3] انظر: مقاييس اللغة (2/358)، والصحاح للجوهري (2/664 ـ 665) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، ولسان العرب (5/48) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ].


قال ابن القيِّم رحمه الله: «الذكر: ثناء على الله عزّ وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه»[1].
وقال ابن حجر رحمه الله: «الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل: الباقيات الصالحات؛ وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضًا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه؛ كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم»[2].


[1] الوابل الصيب (89) [دار الحديث، القاهرة، ط3].
[2] فتح الباري لابن حجر (11/209) [دار المعرفة].


هناك ترابط وثيق بين معنى الذكر لغةً وشرعًا، فالمعنى الشرعي جزء من اللغوي، وقد ورد في اللغة معنى الثناء، والذكر باللسان ونحوها مما هو في معنى الذكر شرعًا.



تجري على الذكر الأحكام التكليفية الخمسة[1]، بيان ذلك فيما يلي:
الواجب: ومن ذلك تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة في الصلاة[2].
الحرام: وذلك كونه يتضمن شركًا، أو نقصًا، أو لكونه يصحبه اعتقادات فاسدة وبدع ومحدثات؛ كالذكر بعد الجنازة بالبردة ونحوها[3].
المستحب: وهو غالب الأذكار المأثورة؛ كأذكار الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ ونحوها.
المكروه: وذلك كالذكر حال قضاء الحاجة[4].
المباح: أن يذكر ربه ذكرًا مطلقًا بغير الوارد شرعًا، وهذا جائز بشروط ذكرها أهل العلم[5].


[1] انظر: المباحث العقدية المتعلقة بالأذكار لعلي بن عبد الحفيظ الكيلان (1/299) [الجامعة الإسلامية، ط1، 1428هـ].
[2] التمهيد لابن عبد البر (10/212) [وزارة عموم الأوقاف بالمغرب]، ومجموع الفتاوى (22/435).
[3] انظر: مجموع الفتاوى (2/63 ـ 64) (10/555) (22/383)، والسنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات لمحمد الحوامدي (108).
[4] المجموع شرح المهذب للنووي (2/88) [دار الفكر، ط1].
[5] انظر في ذلك: تصحيح الدعاء لبكر أبي زيد (42) [دار العاصمة، الرياض، ط1، 1419هـ].


حقيقة الذكر هو ما واطأ ذكر اللسان بالقلب، وهو يتضمن عدم الغفلة عن ذكر الله تعالى، وحضور القلب، واستشعار عظمة الرب تعالى، والثناء عليه بكل أنواع الذكر، المتضمنة لأنواع الكمالات، ويتضمن ذكر أسمائه وصفاته، وأمره ونهيه، ونحو ذلك.
قال ابن القيِّم رحمه الله: «وليس المراد بالذكر مجرد الذكر باللسان بل الذكر القلبي واللساني، وذكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه؛ وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله، والثناء عليه بأنواع المدح؛ وذلك لا يتم إلا بتوحيده فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله، ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه»[1].


[1] الفوائد لابن القيم (12) [دار الكتب العلمية، ط2].


منزلة الذكر في الشريعة الإسلامية عظيمة جدًّا، ذلك لما للذكر من تعلق في كثير من العبادات والتي لا يصح بعضها بغير الذكر، وأما منزلته في باب الاعتقاد، فإنه منزلة جليلة فالذكر سبب لزيادة الإيمان وتقويته، وهو يقوي جانب الرجاء فيما عند الله تعالى، والخوف من عقابه، ويقرب العبد إلى ربِّه تعالى، فيصير أعظم محبوب، كما هو أعظم مذكور، وبالجملة فهو يستلزم معرفة الرب تعالى، ومعرفة أسمائه وصفاته[1].


[1] انظر: الفوائد (12)، والتوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي، ضمن مجموع مؤلفاته (6/140 ـ 141) [وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ط1، 1432هـ].


ورد الحث على الذكر وبيان فضله في نصوص كثيرة منها: قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ *} [البقرة] ، وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] ، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *} [طه] .
ومن السُّنَّة: حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت»[1].
وفي رواية أخرى: قال صلّى الله عليه وسلّم: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت»[2].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا» [3] الحديث.
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أنّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبّث به، قال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله»[4].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6407).
[2] أخرجه مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 779).
[3] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6408) واللفظ له، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2689).
[4] أخرجه الترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3375) وقال: «هذا حديث حسن غريب»، وابن ماجه (كتاب الأدب، رقم 3793)، وأحمد (29/226) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 2812) [المكتب الإسلامي، ط3، 1410هـ].


قال النووي رحمه الله: «الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعًا، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل، ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفًا من أن يظن به الرياء؛ بل يذكر بهما جميعًا، ويقصد به وجه الله تعالى»[1].
وقال ابن القيِّم رحمه الله: «الذكر: عبودية القلب واللسان، وهي غير مؤقتة؛ بل هم يأمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال؛ قيامًا وقعودًا، وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قيعان، وهو غراسها، فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها، وأساسها»[2].
وقال السعدي رحمه الله: «فإن الذكر لله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها. وكلما ازداد العبد ذكرًا لله قوي إيمانه، كما أن الإيمان يدعو إلى كثرة الذكر. فمن أحب الله أكثر من ذكره، ومحبة الله هي الإيمان؛ بل هي روحه»[3].


[1] الأذكار النووية (6) [دار الملاح، 1391هـ].
[2] مدارج السالكين (2/143) [مؤسسة المختار، ط1، 1422هـ].
[3] التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي (6/140 ـ 141).


ينقسم الذكر إلى قسمين ظاهرين، وكل منهما مما يدخل تحت الذكر المشروع[1]:
الأول: الذكر المطلق، الذي لم يخصص له الشارع وقتًا معينًا، ولم يقيده؛ كقول: لا إله إلا الله مطلقًا، أو قول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وأمثال ذلك، دون التقيد بزمان معين، أو حالة معينة.
الثاني: الذكر المقيد، أو المؤقت، وهو المقيد بزمان، أو بعدد معين، أو كيفية أو صفة معينة؛ كالأذكار المؤقتة في أول النهار وآخره، وعند المضجع، وعند الاستيقاظ من المنام، وأدبار الصلوات، والأذكار المقيدة مثل ما يقال عند الأكل، والشرب، واللباس، وغيرها، وقد صنفت فيه المصنفات المسماة بعمل اليوم والليلة.


[1] انظر: مجموع الفتاوى (10/660 ـ 661).


الذكر على ثلاثة مراتب متفاوتة[1]:
الأولى: ما تواطأ فيها القلب واللسان جميعًا، وهو المأمور به، وهي أعلى المراتب.
الثانية: الذكر بالقلب فقط، فإن كان مع عجز اللسان فحسن، وإن كان مع قدرته فترك للأفضل.
الثالثة: الذكر باللسان فقط، وهو كون لسانه رطبًا بذكر الله.


[1] انظر: المصدر السابق (10/566).


المسألة الأولى: الأذكار توقيفية:
الذكر عبادة، والعبادات بابها توقيفي، فعن البراء رضي الله عنه، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللَّهُمَّ أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللَّهُمَّ آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به» . قال: فرددتها على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما بلغت: اللَّهُمَّ آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: «لا؛ ونبيّك الذي أرسلت»[1].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلّى الله عليه وسلّم على من قال الرسول بدل النبي: أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به»[2].
فلا يجوز أن تُسن أذكار وتجعل عبادة راتبة، لم يسنّها الشرع، قال شيخ الإسلام: «وليس لأحد أن يسنَّ للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به؛ بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله للناس سُنَّة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك، والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثاله قريب، وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد»[3].
المسألة الثانية: حكم الذكر الجماعي: لم يرد الذكر الجماعي في سُنَّة صحيحة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد أنكره جماعة من أئمة السلف:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «ولم ينقل أحد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمومون جميعًا لا في الفجر، ولا في العصر، ولا في غيرهما من الصلوات؛ بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه، ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة»[4]. بل وأنكره الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حين أخبر أن قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبِّروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيسبحون مائة، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: «ما هذا الذي أراكم تصنعون؟» قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: «فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلّى الله عليه وسلّم أو مفتتحو باب ضلالة». قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: «وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم»، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج[5].
المسألة الثالثة: بدع الذكر:
أولع كثير من الناس ـ إلا من رحم الله ـ بالابتداع في الأدعية، وأدخلوا في الأدعية والأذكار الشرعية بدعًا كثيرة مخالفة للأوامر الشرعية الناهية عن الابتداع.
قال القاضي عياض رحمه الله: «أذِن الله في دعائه، وعلَّم الدعاءَ في كتابه لخليقته، وعلَّم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الدعاءَ لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلّى الله عليه وسلّم. وقد احتال الشيطان للناس من هذا المقام فقيَّض لهم قومَ سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأشد ما في الإحالة أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر، فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح»[6].
ومن بدع الأذكار على سبيل المثال: الذكر بالاسم المفرد مظهرًا أو مضمرًا؛ كقولهم: الله الله الله، أو هو هو هو.
قال ابن تيمية: «الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان كلامًا تامًّا مفيدًا مثل: لا إله إلا الله، ومثل: الله أكبر، ومثل: سبحان الله والحمد لله، ومثل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فأما الاسم المفرد مظهرًا مثل: الله الله، أو مضمرًا مثل: هو هو، فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سُنَّة، ولا هو مأثور أيضًا عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين. وربما اتبعوا فيه حال شيخ مغلوب فيه، مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول: الله الله. فقيل له: لم لا تقول لا إله إلا الله؟ فقال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات. وهذه من زلات الشبلي التي تغفر له لصدق إيمانه وقوة وجده وغلبة الحال عليه، فإنه كان ربما يجن ويذهب به إلى المارستان ويحلق لحيته»[7].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الوضوء، رقم 247)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2710).
[2] فتح الباري لابن حجر (11/112).
[3] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/215) [دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ].
[4] المرجع السابق (2/205).
[5] أخرجه الدارمي في سننه (كتاب العلم، رقم 210)، وصحح إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (5/12).
[6] الفتوحات الربانية لابن علان (1/17).
[7] مجموع الفتاوى (10/556)، وانظر: طريق الهجرتين لابن القيم (2/738 ـ 739) [دار عالم الفوائد، ط1].


آثار الذكر كثيرة، وجليلة وعظيمة؛ منها:
ـ سبب للفلاح والنجاح؛ كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [الأنفال] .
ـ نيل مغفرة الله تعالى، ودخول جنته؛ كما قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا *} [الأحزاب: 35] .
ـ يورث القلوب جلاء وصفاء وطمأنينة؛ ويذهب قسوتها وجفاءها؛ كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ *} [الرعد: 28] .
ـ ذكر الله تعالى للذاكرين؛ إذ الجزاء من جنس العمل؛ كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] .
فهذه فيض من غيض، وقد ذكر ابن القيِّم جملة صالحة منها في كتابه «مدارج السالكين»[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (2/142 فما بعد) [دار المغني، ط1، 1412هـ].


عرف مذهب الصوفية واشتهر ببدع الأذكار والأوراد، فاخترعوا وابتدعوا أذكارًا ما أنزل الله بها من سلطان، وغالبها مليئة بأنواع من الألفاظ الشركية، والمنكرة، كما أنهم حرّفوا كثيرًا من الأذكار الشرعية، فزادوا فيها ونقصوا، فلم يلتزموا بالسُّنَّة فيما شرع من الأذكار.
ومذهبهم باطل بنص القرآن والسُّنَّة والإجماع:
فمن القرآن: قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3] ؛ قال ابن كثير رحمه الله: «وهو الإسلام، أخبر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمه فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه فلا يسخطه أبدًا»[1].
وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا *} [الكهف] . قال الفُضيل بن عياض رحمه الله عن معنى العمل الصالح: «أخلصه وأصوبه، فإنه إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص إذا كان لله، والصَّواب إذا كان على السُّنَّة»[2].
وأما من السُّنَّة: فقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [3]، وفي لفظ آخر لمسلم جاء فيه: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[4].
وعن الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعملُ به إلا عملت به؛ فإني أخشى إن تركتُ شيئًا من أمره أن أزيغ»[5].


[1] تفسير ابن كثير (2/14) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1417هـ].
[2] رواه أبو نُعيم في الحِلية (8/95) [دار الفكر].
[3] أخرجه البخاري (كتاب الصلح، رقم 2697)، ومسلم (كتاب الأقضية، رقم 1718).
[4] أخرجه مسلم (كتاب الأقضية، رقم 1718).
[5] أخرجه البخاري (كتاب فرض الخُمس، رقم 3093)، ومسلم (كتاب الجهاد، رقم 1759).


1 ـ «الأذكار»، للنووي.
2 ـ «الأدعية والأذكار»، لعبد الرزاق البدر.
3 ـ «الدعاء ومنزلته في العقيدة الإسلامية»، لجيلان العروسي.
4 ـ «الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع»، لمحمد بن عبد الرحمن الخميس.
5 ـ «السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات»، لمحمد بن أحمد الشقيري الحوامدي.
6 ـ «شرح رياض الصالحين»، لابن عثيمين.
7 ـ «الوابل الصيب»، لابن القيِّم.
8 ـ «مجموع الفتاوى» (ج10)، لابن تيمية.
9 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.
10 ـ «المباحث العقدية المتعلقة بالأذكار»، لعلي بن عبد الحفيظ الكيلاني.