حرف الذال / ذو الكفل عليه السلام

           

قيل: إنه من أولاد أيوب، وقيل: إنه يوشع بن نون، وقيل: إنه اليسع بن أخطوب، وكان قبل داود، وقيل: إنه زكريا[1]، والذي يظهر أنه غير هؤلاء، والله أعلم.


[1] انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (1/388) [دار الكتب العلمية، ط1]، وتفسير للبغوي (5/348) [دار طيبة، ط1]، وتفسير القرطبي (14/266) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1427هـ].


قيل في سبب تسمية ذي الكفل عليه السلام: إنه تكفل بعمل من الأعمال، فقام به خير قيام، فأثنى الله عليه لحسن وفائه بما تكفل به، وجعله من المعدودين في عباده، مع من حمد صبره على طاعة الله. وقيل في هذا العمل: إنه كان قد تكفل لنبي قومه أن يكفيهم أمرهم، ويقضي بينهم بالعدل، ففعل فسمي ذا الكفل، وقيل: إن الله تكفل له في سعيه، وعمله بضعف عمل غيره من الأنبياء، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم[1].


[1] انظر: تفسير الطبري (16/368) [دار هجر، ط1]، وتفسير البحر المحيط (6/310) [دار الكتب العلمية، ط1]، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (1/388)، وتفسير القرطبي (14/264 ـ 265).


اختلف أهل العلم في نبوته، هل كان نبيًّا مرسلاً، أو كان عبدًا صالحًا على قولين:
أحدهما: أنه كان نبيًّا مرسلاً من جملة أنبياء الله ورسله؛ وهو المشهور؛ لأن الله تعالى أثنى عليه في القرآن الكريم مقرونًا بالأنبياء؛ كما قال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ *وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ *} [الأنبياء] ، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ *} [ص] .
ومال إلى هذا القول ابن كثير من المتقدمين، والشوكاني والسعدي وحافظ الحكمي وغيرهم من المتأخرين؛ وقالوا: الظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونًا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي، عليه من ربه الصلاة والسلام، مع أمر الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يذكرهم ليسلك مسلكهم في الصبر، وكذلك جعله الله من الأخيار؛ أي: ممن اختاره لنبوته، واصطفاه من خلقه[1].
الثاني: أنه لم يكن نبيًّا مرسلاً، وإنما كان عبدًا صالحًا، وحكمًا مقسطًا عدلاً، تكفل من بعض الناس بعمل من الأعمال، إما بعد نبي من الأنبياء، وإما بعد ملك من صالح الملوك، وهذا الذي ذهب إليه ابن جرير الطبري، رواه عن مجاهد بن جبر، وغيره، ونسبه القرطبي إلى الجمهور[2].
واستدلوا ببعض الأخبار الواردة عن بعض سلف الأمة، لكن المتبادر من سياق القرآن العظيم يثبت أنه من الأنبياء العظام الذين أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يتأسى بهم؛ إذ قرنه في سورة الأنبياء بجملة من عظماء المرسلين، ثم قرنه في سورة (ص) بجملة من هؤلاء السادة المرسلين بعد أن أمر محمدًا صلّى الله عليه وسلّم بالصبر تأسيًا بهؤلاء، ومنهم ذو الكفل عليه السلام، والقاعدة عند الأصوليين أن الأصل وجوب العمل بظاهر اللفظ حتى يرد دليل يصرفه عن هذا الظاهر، ولم يرد دليل صحيح ينفي نبوة ذي الكفل عليه السلام[3].


[1] انظر: البداية والنهاية (1/516) [دار هجر، ط1]، وفتح القدير (4/576) [دار الوفاء ودار الندوة العالمية، ط3]، وتفسير السعدي (478) [مؤسسة الرسالة، ط1]، ومعارج القبول (2/832) [دار ابن الجوزي، ط6].
[2] انظر: تفسير الطبري (16/368)، وتفسير القرطبي (14/266).
[3] انظر: قصص الأنبياء القصص الحق (216) [مكتبة المعارف، ط2، 1422هـ].


لم يرد شيء في بيان دعوته، إلا ما نقل عن ابن عباس أن ذا الكفل بعث إلى أهل الشام داعيًا إلى توحيد الله تعالى[1]، وهذا أصل دعوة الأنبياء والرسل جميعًا.


[1] انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (1/388).


يذكر أن ذا الكفل أقام عمره كله بالشام إلى أن توفّي بها، وهو ابن خمس وسبعين سنة[1]، والله أعلم.


[1] انظر: المصدر نفسه (1/389).


هل ذو الكفل عليه السلام هو الكفل من بني إسرائيل الذي كان لا يتورع من الذنوب، إلى أن تاب في آخر عمره؟
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يحدث حديثًا لو لم أسمعه إلا مرَّة أو مرَّتين حتى عدَّ سبع مرات، ولكنِّي سمعته أكثر من ذلك؛ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كان الكفل ـ وفي رواية: ذو الكفل ـ من بني إسرائيل، لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارًا على أن يطأها، فلمَّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت. فقال: ما يبكيك أأكرهتك؟ قالت: لا ولكنَّه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة. فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته؟ اذهبي فهي لك. وقال: لا والله لا أعصي الله بعدها أبدًا. فمات من ليلته فأصبح مكتوبًا على بابه: أن الله قد غفر للكفل»[1].
ورد في بعض طرقه: «ذو الكفل»، وهذا يشكل على نبي كريم أثنى الله عليه في كتابه، والجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الحديث منكر وضعيف لا يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بإسناد صحيح.
الثاني: أن لفظة: (ذو الكفل) وردت خطأ، كما نبَّه على ذلك العلامة الألباني؛ إذ الذي ورد من مجموع طرقه: (الكفل) دون إضافة.
الثالث: ليس ذو الكفل هو الكفل؛ إذ الكفل ـ دون إضافة ـ رجلٌ آخر غير المذكور في القرآن.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «فهو حديث غريب جدًّا وفي إسناده نظر، فإن سعدًا[2] هذا قال أبو حاتم: لا أعرفه إلا بحديث واحد. ووثقه ابن حبان، ولم يرو عنه سوى عبد الله بن عبد الله الرازي هذا. فالله أعلم. وإن كان محفوظًا فليس هو ذا الكفل، وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة، فهو رجل آخر غير المذكور في القرآن. فالله تعالى أعلم»[3].
ولا يغتر بمن صحح إسناده[4]؛ إذ هو مخالف لقوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ *وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ *} [الأنبياء] ، وقوله: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ *} [ص: 48] .


[1] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم 2496)، وأحمد (8/369) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (1/519) [دار هجر، ط1]: «غريب جدًّا، وفي إسناده نظر»، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (9/83، رقم 4083).
[2] يقال له سعد أو سعيد مولى طلحة، ويقال: طلحة مولى سعد، مجهول من الرابعة، أخرج له الترمذي في سننه. انظر: تقريب التهذيب لابن حجر (172) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1429هـ].
[3] انظر: البداية والنهاية (1/519).
[4] انظر: ضعيف موارد الظمآن للألباني (207).


1 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
2 ـ «تحفة النبلاء من قصص الأنبياء لابن كثير»، انتخب كتابه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
3 ـ «دعوة التوحيد: أصولها، الأدوار التي مرت بها، مشاهير دعاتها»، لمحمد خليل هراس.
4 ـ «فتح الباري» (ج6)، لابن حجر.
5 ـ «قصص الأنبياء المعروف بالعرائس»، للثعلبي.
6 ـ «قصص الأنبياء»، للسعدي.
7 ـ «قصص الأنبياء القصص الحق»، لشيبة الحمد.
8 ـ كتاب «تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين من كتاب المستدرك على الصحيحين» (ج2)، للحاكم النيسابوري.
9 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
10 ـ «معارج القبول» (ج2)، لحافظ الحكمي.