حرف الألف / الاستعاذة

           

قال ابن فارس رحمه الله: «العين والواو والذال أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو: الالتجاء إلى الشيء، ثم يحمل عليه كل شيء لصق بشيء أو لازمه»[1]. وعُذْت به أعوذ عوذًا وعِيَاذًا ومَعاذًا؛ أي: لَجأت إليه وتحصّنت، والمعاذ: المصدر والمكان والزمان[2].


[1] مقاييس اللغة (4/184)، وانظر: الصحاح (2/128).
[2] انظر: المفردات للراغب (594 ـ 595)، والنهاية في غريب الحديث (3/602).


اختلفت عبارات العلماء في تعريف الاستعاذة شرعًا على أقوال متقاربة، نكتفي بذكر تعريفين منها:
1 ـ قال ابن كثير رحمه الله: «هي: الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر»[1].
2 ـ وقال عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «هي: اللّجوء إلى الله عزّ وجل، والاعتصام به من شرّ كلّ ذي شرّ»[2].


[1] تفسير ابن كثير (1/16) [مكتبة دار السلام، دمشق، ط1، 1413هـ].
[2] قرة عيون الموحدين (55).


لما كانت الاستعاذة في اللغة تطلق على الالتجاء إلى الشيء والتحصن به، أطلقت في الاصطلاح على ما يعتقد فيه ذلك بحيث يتعلق القلب به، وقد يكون في حقيقة أمره ليس كذلك، وأما فيما يتعلق بالتعريف الشرعي فقد خص ذلك بالله تعالى دون سواه.



الاستعاذة بالله تعالى من العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله سبحانه، فلا يُستعاذ إلا بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بَرٌّ ولا فاجر، ومن استعاذ بغيره فقد أشرك بالله العظيم.
قال ابن تيمية: «الاستعاذة لا تكون إلا بالله في مثل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك»، «وأعوذ بكلمات الله التامات»، «وأعوذ برضاك من سخطك» ونحو ذلك، وهذا أمر متقرر عند العلماء»[1].


[1] مجموع الفتاوى (35/273) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، طبعة: 1416هـ]، وانظر المصدر نفسه: (1/336).


حقيقة الاستعاذة: الهرب من شيء يخافه الإنسان إلى من يعصمه منه. قال ابن القيم: «وحقيقة معناها ـ أي: الاستعاذة ـ: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه، ولهذا يسمى المستعاذ به معاذًا، كما يسمى ملجأ ووَزَرًا»[1].
وقد اختلف في أصل كلمة الاستعاذة على قولين:
أحدهما: أنّه مأخوذ من الستر، ومنه قولهم للبيت الّذي في أصل الشّجرة: عوّذ؛ لأنّه عاذ بالشّجرة واستتر بأصلها، وكذلك العائذ قد استتر من عدوّه بمن استعاذ به منه.
والثّاني: أنه مأخوذ من المجاورة والالتصاق، ومنه قولهم للحم إذا لصق بالعظم فلم يتخلص منه: عوذ؛ لأنّه استمسك به واعتصم، وفي المثل: أطيب اللّحم عوذه، وهو: ما التصق منه بالعظم، وكذلك العائذ قد استمسك بالمستعاذ به واعتصم به ولزمه[2]. قال ابن القيم بعد ذكره لهذين القولين: «والقولان حقّ، والاستعاذة تنتظمهما جميعًا؛ لأنّ المستعيذ مستتر بمعاذه مستمسك به»[3].


[1] بدائع الفوائد (2/200) [دار الكتاب العربي، بيروت].
[2] انظر: بدائع الفوائد (2/200 ـ 201).
[3] المرجع السابق (2/200).


الاستعاذة تُعد من أعظم أنواع العبادة، فهي من التوحيد، وهي تجعل قلب العبد معلقًا بربه ومعبوده، لاهجًا في طلب العوذ به من شرور الدنيا والآخرة، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن دفع الشرور الباطنة والظاهرة، التي لا يقدر على دفعها ومنعها إلا الله الذي خلقها.



قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ *وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ *} [المؤمنون] ، وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ *} [الفلق] .
ومن السُّنَّة: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعلِّمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: «قولوا: اللَّهُمَّ إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»[1]. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق»[2] ، وقوله: «أعوذ برضاك من سخطك» [3]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم حين نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] فقال: «أعوذ بوجهك»[4].


[1] أخرجه مسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 590)، من حديث ابن عباس، وهذا لفظه، وأخرجه البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1377)، من حديث أبي هريرة بنحوه.
[2] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2708).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 486).
[4] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4628).


قال الرازي: «إن الغرض من الاستعاذة الاحتراز من شر الوسوسة، ومعلوم أن الوسوسة كأنها حروف خفية في قلب الإنسان، ولا يطلع عليها أحد، فكأن العبد يقول: يا من هو على هذه الصفة التي يسمع بها كل مسموع، ويعلم كل سر خفي أنت تسمع وسوسة الشيطان وتعلم غرضه فيها، وأنت القادر على دفعها عني، فادفعها عني بفضلك»[1].
وقال ابن القيم: «فإن الاستعاذة به منه ترجع إلى معنى الكلام قبلها، مع تضمنها فائدة شريفة، وهي كمال التوحيد، وأن الذي يستعيذ به العائذ ويهرب منه إنما هو فعل الله ومشيئته وقدره، فهو وحده المنفرد بالحكم. فإذا أراد بعبده سوءًا لم يعذه منه إلا هو، فهو الذي يريد به ما يسوؤه، وهو الذي يريد دفعه عنه. فصار سبحانه مستعاذًا به منه باعتبار الإرادتين: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 17] ، فهو الذي يمس بالضر، وهو الذي يكشفه، لا إله إلا هو؛ فالمهرب منه إليه، والفرار منه إليه، والملجأُ منه إليه، كما أَن الاستعاذة منه، فإنه لا رب غيره ولا مدبر للعبد سواه، فهو الذي يحركه ويقلبه، ويصرفه كيف يشاءُ»[2].
وقال البُجَيْرَمي المصري رحمه الله: «ومن لطائف الاستعاذة أن قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إقرار من العبد بالعجز والضعف، واعتراف من العبد بقدرة الباري عزّ وجل، وأنه الغني القادر على رفع جميع المضرات والآفات، واعتراف العبد أيضًا بأن الشيطان عدو مبين. ففي الاستعاذة التجاء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغوي الفاجر وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلا الله تعالى»[3].


[1] مفاتيح الغيب (1/71) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ].
[2] طريق الهجرتين (288) [دار السلفية، ط2، 1394هـ].
[3] تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/62) [دار الفكر، 1415هـ].


المسألة الأولى: حكم قول: أعوذ بالله وبك:
جاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه كره أن يقول المسلم: أعوذ بالله وبك، وجوّز أن يقول: بالله ثم بك[1]، وذلك لأن (الواو) تفيد أن ما بعدها مساوٍ لما قبلها، بخلاف (ثم)، فإنها إنما تفيد التعقيب.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله ـ في تعليقه على هذا الأثر ـ: «وذلك ـ والله أعلم ـ لأن الواو تقتضي مطلق الجمع، فمنع منها للجمع؛ لئلا توهم الجمع بين الله وبين غيره، كما منع من جمع اسم الله واسم رسوله في ضمير واحد، و(ثم) إنما تقتضي الترتيب فقط، فجاز ذلك لعدم المانع»[2].
المسألة الثانية: تنقسم الاستعاذة باعتبار المستعاذ به، إلى ثلاثة أنواع:
الأول: الاستعاذة بصفة من صفاته.
هذا النوع من الاستعاذة مشروع جاءت به السُّنَّة كالاستعاذة بكلامه سبحانه، وعظمته، ورضاه، ووجهه الكريم، ونحو ذلك، ومما ورد في ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق»[3] ، وقوله: «أعوذ برضاك من سخطك» [4]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم حين نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] ، فقال: «أعوذ بوجهك»[5].
وحقيقة هذه الاستعاذة هي الاستعاذة بالله تعالى؛ فإن الاستعاذة بصفة من صفاته استعاذة به تبارك وتعالى ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة»[6].
الثاني: الاستعاذة بالأموات ونحوهم.
الاستعاذة بالأموات ونحوهم كالجن أو الأحياء غير القادرين على العوذ شرك بالله تعالى، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا *} [الجن] . قال القرطبي رحمه الله: «ولا خفاء أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر وشرك»[7].
وقد بوّب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في «كتاب التوحيد» بابًا في الاستعاذة بغير الله، وجزم فيه بالحكم بالشرك، فقال: «باب من الشرك الاستعاذة بغير الله»[8].
الثالث: الاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه.
وهذا النوع من الاستعاذة قد اختلف فيه العلماء على قولين:
القول الأول: عدم جواز الاستعاذة بالمخلوق مطلقًا، قالوا: لأن الاستعاذة عمل قلبي، فلا يكون إلا لله تعالى، وهذا القول هو المشهور عن عدد من الأئمة، كما قال ابن تيمية: «وقد نص الأئمة ـ كأحمد وغيره ـ على أنه لا تجوز الاستعاذة بمخلوق»[9].
وقد نقل الشيخ سليمان بن عبد الله الإجماع على ذلك، فقال: «وقد أجمع العلماء على أنه لا تجوز الاستعاذة بغير الله، ولهذا نهوا عن الرقى التي لا يعرف معناها؛ خشية أن يكون فيها شيء من ذلك»[10].
القول الثاني: جواز ذلك بمن يقدر على العوذ من البشر، بل وربما يمكن العوذ به من الأماكن ونحوها.
واستدلوا بما ورد في عدد من الأحاديث من إطلاق لفظ العوذ والمعاذ على المخلوقين، ومن ذلك:
قوله صلّى الله عليه وسلّم ـ في ذكر الفتن ـ: «من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذًا فليعذ به»[11].
وعن جابر رضي الله عنه: «أن امرأة من بني مخزوم سرقت، فأتي بها النبي صلّى الله عليه وسلّم فعاذت بأم سلمة...» الحديث[12].
قالوا: فهذه الأحاديث وغيرها تدل على جواز الاستعاذة بالمخلوق إذا كان قادرًا على ذلك، وأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يطلب من المخلوق.
والقول الراجح في هذه المسألة هو: جواز ذلك، وأما ما نقل عن الأئمة من المنع فيحمل ذلك على أمرين:
1 ـ أن ذلك ينصرف إلى ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا ظاهر كلامهم.
2 ـ أن ذلك المنع فيما تعلق القلب به، وأظهر اضطراره إليه، واعتصامه به، وتفويض أمر نجاته إليه دون سواه، وهذا بلا شك لا يكون إلا لله تعالى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ـ في تعليقه على كلام شيخ الإسلام في نقله المنع عن الأئمة ـ: «وهذا ليس على إطلاقه، بل مرادهم مما لا يقدر عليه إلا الله؛ لأنه لا يعصمك من الشر الذي لا يقدر عليه إلا الله سوى الله... أما الاستعاذة بمخلوق فيما يقدر عليه فهي جائزة... وهذا مقتضى الأحاديث الواردة...وهذا مقتضى النظر، فإذا اعترضني قطاع طريق، فعذت بإنسان يستطيع أن يخلصني منهم، فلا شيء فيه، لكن تعليق القلب بالمخلوق لا شك أنه من الشرك، فإذا علقت قلبك ورجاءك وخوفك وجميع أمورك بشخص معين، وجعلته ملجأ، فهذا شرك؛ لأن هذا لا يكون إلا لله»[13].


[1] رواه عبد الرزاق في المصنف (11/27)، رقم (19809).
[2] تيسير العزيز الحميد (595).
[3] تقدم تخريجه قريبًا.
[4] تقدم تخريجه قريبًا.
[5] تقدم تخريجه قريبًا.
[6] مجموع الفتاوى (1/111) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، بالمدينة النبوية].
[7] تفسير القرطبي (19/10).
[8] كتاب التوحيد مع شرحه تيسير العزيز الحميد (209) [المكتب الإسلامي، ط7، 1408هـ].
[9] مجموع الفتاوى (15/227).
[10] تيسير العزيز الحميد (212).
[11] أخرجه البخاري (كتاب الفتن، رقم 7081)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2886).
[12] أخرجه مسلم (كتاب الحدود، رقم 1689).
[13] القول المفيد (1/255 ـ 256) [دار ابن الجوزي، ط3، 1419هـ].


الفرق بين العياذ واللياذ:
يطلق العياذ على دفع الشر والمكروه أو رفعه، وأما اللياذ فيطلق على طلب الخير والمحبوب. قال ابن كثير: «والعياذ يكون لدفع الشر واللياذ لطلب الخير»[1].
ومنه قول المتنبي في مدح أحد الرؤساء:
يا من ألوذ به فيما أؤمله
ومن أعوذ به فيما أحاذره
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره
ولا يهيضون عظمًا أنت جابره[2]
ولا شك أن مثل هذا المدح لا يصلح إلا لله تعالى.
قال ابن القيم: «ولو قال ذلك في ربه وفاطره لكان أسعد من مخلوق مثله»[3].
الفرق بين الدعاء والاستعاذة:
الدعاء والاستعاذة بينهما عموم وخصوص؛ فكل استعاذة داخلة في الدعاء والطلب، ولا عكس، فالدعاء عام في الاستعاذة وغيرها.
الفرق بين الاستعاذة والاستعانة:
الاستعاذة: الالتجاء والتحيز، فهي نوع من أنواع الدعاء، وأما الاستعانة فهي: الثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه، فهي أقرب إلى معنى التوكل.
الاستعاذة سببها الخوف من مكروه، وأما الاستعانة فهي مطلوبة من العبد على الدوام، وفي جميع الأحوال.
الفرق بين الاستعاذة والاستغاثة:
أن كلًّا منهما داخل في الدعاء والطلب، قال ابن تيمية: «الاستعاذة والاستجارة والاستغاثة كلها من نوع الدعاء أو الطلب، وهي ألفاظ متقاربة»[4].
وأن الاستغاثة تختص بطلب العون في حال الشدة والكربة، بخلاف الاستعاذة.


[1] تفسير ابن كثير (1/16).
[2] البيتان قالهما المتنبي في مدح جعفر بن كيغلغ، في قصيدة طويلة، انظر: ديوانه (41).
[3] شفاء العليل، لابن القيم (2/191).
[4] مجموع الفتاوى (15 ـ 227).


من آثار الاستعاذة:
1 ـ أنها حصن للعبد يتحصن به من الشيطان الرجيم.
2 ـ أن فيها إظهارًا للضّعف والانكسار لله، وتلك حقيقة العبوديّة.
3 ـ أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له.
4 ـ الاستعاذة تزيل الغضب وتريح النّفس.
5 ـ أنها وقاية للعبد من جميع الشرور الظاهرة والباطنة.
6 ـ أنها سبب لزوال الغضب، وما ينتج عنه من آثار سيئة.
7 ـ أن بها تحصل الإعانة على الطاعات وذلك بعد طرد الشيطان.



جوَّز بعض مشركي هذه الأمة من عبّاد القبور الاستعاذة بالأموات وأصحاب القبور، وقالوا: إذا جاز سؤال الحي فالميت كذلك، بل هو طاعة؛ لأن الله ـ في زعمهم ـ أمر به في قوله: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] . ويقولون: إذا قلتم: إن الطلب عبادة يقتضي ألا فرق بين الحياة والممات[1]. ولا شك أن الاستعاذة من أنواع الدعاء، فلا تصرف إلا لله تعالى. ولهذا جاء في النصوص الاستعاذة بالله والاستعاذة بوجهه، فهي خاصة بالله فلا يسوى فيها بين الخالق والمخلوق.
ومن دعا الأموات وأصحاب القبور وقع في الشرك الأكبر[2]، وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا *} [الجن] ، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *} [الجن] ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «نعلم بالضرورة أنه ـ أي: النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ لم يشرع لأمته أن تدعو أحدًا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله»[3].


[1] انظر: تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس (81 ـ 82) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1422هـ]، وصيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (24) [المطبعة السلفية، ط3].
[2] انظر: كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين، لعبد الرحمن بن حسن (81) [مكتبة المؤيد، ط1، 1411هـ].
[3] تلخيص كتاب الاستغاثة (الرد على البكري) (2/731) [مكتبة الغرباء، ط1، 1417هـ].


1 ـ «بدائع الفوائد»، لابن القيم.
2 ـ «تفسير ابن عطية».
3 ـ «تفسير ابن كثير».
4 ـ «تفسير الطبري».
5 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
6 ـ «الجامع لأحكام القرآن»، للقرطبي.
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «المغني»، لابن قدامة.